Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 1-3)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } الآية . اللام متعلّقة بـ " اقْتَرَبَ " ، قال الزمخشري : هذه اللام لا تخلو إمَّا أن تكن صلة لـ " اقْتَرَبَ " ، أو تأكيداً لإضافة الحساب إليهم كقولك : أَزِفَ للحيّ رَحِيلُهُمْ ، الأصل : أَزِف رحيلُ الحيّ ، ثم أزف للحيّ الرحيلُ ، ثم أزف للحي رَحيلُهُمْ ، ونحوه ما أورده سيبويه في باب ما يثنى فيه المستقر توكيداً ، نحو عَلَيْكَ زَيْدٌ حَرِيصٌ عَلَيكَ ، وفِيكَ زيدٌ رَاغِبٌ فِيكَ ، ومنه قولهم : لاَ أَبَا لكَ ، لأنّ اللام مؤكدة لمعنى الإضافة ، وهذا الوجه أغرب من الأول . قال أبو حيَّان : يعني بقوله : صلة لـ " اقْتَرَبَ " أي : متعلقة به ، وأما جعله اللام توكيداً لإضافة الحساب إليهم مع تقدم اللام ودخولها على الاسم الظاهر فلا نعلم أحداً يقول ذلك ، وأيضاً فيحتاج إلى ما يتعلق به ، ولا يمكن تعلقها بـ " حِسَابُهُمْ " لأنَّه مصدر موصول ، ولأنه قدم معموله عليه ، وأيضاً فإنّ التوكيد يكون متأخراً عن المؤكد ، وأيضاً فلو أخر في هذا التركيب لم يصح . وأما تشبيهه بما أورده سيبويه فالفرق واضح ، فإن ( عَلَيْكَ ) معمول لـ ( حريص ) و ( عَلَيْك ) المتأخرة تأكيد وكذلك ( فِيكَ زَيْدٌ رَاغِبٌٌ فِيكَ ) يتعلق ( فِيكَ ) بـ ( رَاغِب ) و ( فِيكَ ) الثانية توكيد ، وإنَّمَا غره في ذلك صحة تركيب اقترب حساب الناس ، وكذلك أَزِفَ رحيلُ الحيّ ، فاعتقد إذا تقدم الظاهر مجروراً باللام وأضيف المصدر لضميره أنه من باب : فِيكَ زَيْدٌ رَاغِبٌ فِيكَ ، فليس مثله . وأما ( لاَ أَبَا لَكَ ) ، فهي مسألة مشكلة ، وفيها خلاف ، ويكن أن يقال فيها ذلك ، لأنَّ اللام فيها جاورت الإضافة ، ولا يقاس عليها لشذوذها وخروجها عن الأقيسة . قال شهاب الدين : مسألة الزمخشري أشبه شيء بمسألة ( لاَ أَبَا لَكَ ) ، والمعنى الذي أورده صحيح ، وأما كونها مشكلة فهو إنما بناها على قول الجمهور ، والمشكل مقدر في بابه ، فلا يضرنا القياس عليه لتقريره في مكانه . قوله : { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ } يجوز أنْ يكونَ الجار متعلقاً بمحذوف على أنه حال من الضمير في " مُعْرِضُونَ " وأن يكون خبراً من الضمير ، ومعرضون خبر ثان وقول أبي البقاء في هذا الجار : إنه خبر ثان . يعني في العدد وإلا فهو أول في الحقيقة . وقد يقال : لمّا كان في تأويل المفرد جعل المفرد الصريح مقدماً في الرتبة ، فهو ثان بهذا الاختيار . وهذه الجملة في محل نصب على الحال من " للنَّاسِ " . فصل نزلت في منكري البعث ، والقرب لا يعقل إلا في المكان والزمان ، والقرب المكاني هما ممتنع فتعين القرب الزماني . فإن قيل : كيف وصف بالاقتراب وقد عبر هذا القول أكثر من ستمائة عام ؟ والجواب من وجوه : الأول : أنه مقترب عند الله ، لقوله تعالى : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } [ الحج : 47 ] . الثاني : أنَّ كُلَّ آتٍ قريبٌ وإن طالت أوقات ترقبه ، وإنما البعيد هو الذي انقرض قال الشاعر : @ 3703 - فَمَا زَالَ مَا تَهْوَاهُ أَقْرَبَ مِنْ غَدٍ وَلاَ زَالَ ما تَخْشَاهُ أبعدَ مِنْ أَمسِ @@ الثالث : أنَّ المقابلة إذا كانت مؤجلة إلى سنة ثم انقضى منها شهر ، فإنه لا يقال : اقترب الأجل ، أمَّا إذا كان الماضي أكثر من الباقي فإنه يقال : اقترب الأجل . فعلى هذا الوجه قال العلماء : إن فيه دلالة على قرب القيامة ، ولهذا قال عليه السلام : " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ " وقال عليه السلام : " ختمت النبوة " كل ذلك لأجل أنَّ الباقي من مدة التكليف أقل من الماضي واعلم أنه إنما ذكر تعالى هذا الاقتراب لما فيه من مصلحة المكلفين ليكثر تحرزهم خوفاً منها . ولم يعين الوقت ، لأنَّ كتمان وقت الموت أصلح لهم والمراد بالناس من له مدخل في الحساب وهم المكلفون دون من لا مدخل فيه . قال ابن عبس : المراد بالناس المشركون . وهذا من إطلاق اسم الجنس على بعضه للدليل القائم ، وهو ما يتلوه من صفات المشركين . وقوله : { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ } وصفهم بالغفلة والإعراض ، أما الغفلة فالمعنى : أنهم غافلون عن حسابهم ساهون لا يتفكرون في عاقبتهم مع اقتضاء عقولهم أنه لا بُدَّ من جزاء المحسن والمسيء ، ثم إذا انتبهوا من سِنَة الغفلة ، ورقدة الجهالة مما يتلى عليهم من الآيات أعرضوا وسدوا أسماعهم . قوله : { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَبِّهمْ مُحْدَثٍ } ذكر الله - تعالى - ذلك بياناً لكونهم معرضين ، وذلك لأنَّ الله - يجدد لهم الذكر كل وقت ، ويظهر لهم الآية بعد الآية ، والسورة بعد السورة ليكرر على أسماعهم الموعظة لعلهم يتعظون ، فما يزيدهم ذلك إلا استسخاراً . قوله : " مُحْدَثٍ " العامة على جر " مُحْدِثٍ " نعتاً لـ " ذِكْرٍ " على اللفظ . وقوله : " مِنْ رَبِّهِمْ " فيه أوجه : أجودها : أنْ يتعلق بـ " يَأْتِيهِمْ " ، وتكون " مِنْ " لابتداء الغاية مجازاً . والثاني : أنْ يتعلق بمحذوف على أنه حال من الضمير المستتر في " مُحْدثٍ " . الثالث : أنْ يكونَ حالاً من نفس " ذِكْرٍ " ، وإنْ كان نكرة ، لأنه قد تخصّص بالوصف بـ " مُحْدَثٍ " ، وهو نظير : ما جاءني رجلٌ قائماً منطلقٌ ، ففصل بالحال بين الصفة والموصوف . وأيضاً فإنّ الكلام نفي وهو مسوغ لمجيء الحال من النكرة . الرابع : أن يكون نعتاً لـ " ذِكْرٍ " فيجوز في محله وجهان : الجر باعتبار اللفظ والرفع باعتبار المحل ، لأنه مرفوع المحل إذ " مَن " مزيده فيه ، وسيأتي . وفي جعله نعتاً لـ " ذِكْرٍ " إشكال من حيث إنه قد تقدم غير الصريح على الصريح ، وتقدم تحريره في المائدة . الخامس : أن يتعلق بمحذوف على سبيل البيان . وقرأ ابن عبلة " محدثٌ " رفعاً نعتاً لـ " ذِكرٍ " على المحل ، لأن " مِنْ " مزيدة فيه لاستكمال الشرطين . وقال أبو البقاء : ولو رفع على موضع " من ذكر " جاز . كأنه لم يطلع عليه قراءةً وزيد بن عليّ " مُحْدَثاً " نصباً على الحال من " ذِكْرٍ " ، وسوغ ذلك وصفه بـ " مِنْ رَبِّهِمْ " إن جعلناه صفة أو واعتماده على النفي . ويجوز أن يكون من الضمير المستتر في " مِن ربهِمْ " إن جعلناه صفة . قوله : " إلاَّ اسْتَمَعُوهُ " هذه الجملة حال من مفعول " يأتيهم " وهو استثناء مفرغ ، و " قد " معه مضمرة عند قوم . " وهم يلعبون " حال من فاعل " اسْتَمَعُوهُ " أي استمعوه لاعبين . فصل قال مقاتل : معنى " مُحْدَثٍ " يحدث الله الأمر بعد الأمر . وقيل : الذكر المحدث ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - وبينه من السنن والمواعظ سوى ما في القرآن ، وأضافه إلى الرب ، لأنه أمره بقوله إِلاَّ " اسْتَمَعُوهُ " لاعبين لا يعتبرون ولا يتعظون . فصل استدلت المعتزلة بهذه الآية على حدوث القرآن ، فقالوا : القرآن ذكر ، والذكر محدث ، فالقرآن محدث ، وبيان أن القرآن ذكر قوله تعالى في صفة القرآن : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } [ يوسف : 104 ] ، [ ص : 87 ] ، [ التكوير : 27 ] { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ } [ الحجر : 9 ] { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُّبِينٌ } [ يس : 69 ] و { وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ } [ الأنبياء : 50 ] . وبيان أن الذكر محدث قوله : { مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ } وقوله : { مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ } [ الشعراء : 5 ] فالجواب من وجهين : الأول : أن قوله تعالى : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } [ يوسف : 104 ] [ ص : 87 ] [ التكوير : 27 ] وقوله { وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ } [ الأنبياء : 50 ] إشارة إلى المركب من الحروف والأصوات ، وذلك مما لا نزاع فيه بل حدوثه معلوم بالضرورة ، وإنما النزاع في قدر كلام الله تعالى بمعنى آخر . الثاني : أن قوله : { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ } لا يدل على حدوث كل ما كان ذكراً ، كما أن قول القائل : لاَ يَدْخل هذه البلدة رجلٌ فاضلٌ إِلا يبغضونه فإنه لا يدل على أن كل رجل يجب أن يكون فاضلاً بل على أن من الرجال من هو فاضل ، وإذا كان كذلك فالآية لا تدل إلا على أن بعض الذكر محدث ، فيصير نظم الكلام : القرآن ذكر ، وبعض الذكر محدث ، وهذا لا ينتج شيئاً ، فظهر أن الذي ظنوه قاطعاً لا يفيد ظناً ضعيفاً فضلاً عن القطع . قوله : " لاهيةً " يجوز أن تكون حالاً من فاعل " اسْتَمَعُوهُ " عند من يجيز تعدد الحال ، فيكون الحالان مترادفين . وأن يكون حالاً من فاعل " يلعبون " فيكون الحالان متداخلين وعبر الزمخشري عن ذلك فقال : { وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ } حالان مترادفتان أو متداخلتان وإذا جعلناهما حالين مترادفتين ففيه تقديم الحال غير الصريحة وفيه من البحث ما في باب النعت . ( و " قُلوبهم " مرفوع بـ " لاَهِيَةً " ) . وقال البغوي : " لاَهِيَة " نعت تقدم الاسم ، ومن حق النعت أن يتبع الاسم في الإعراب ، فإذا تقدم النعت الاسم فله حالتان فصل ووصل ، فحالته في الفصل النصب كقوله تعالى { خُشَّعاً أَبْصَٰرُهُمْ } [ القمر : 7 ] و { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا } [ الإنسان : 14 ] و { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ } ، وفي الوصل حالة ما قبله من الإعراب كقوله : { أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا } [ النساء : 75 ] والعامة على " لاَهِيَةً " ، وابن أبي عبلة على الرفع على أنها خبر ثان لقوله " وهُمْ " عند من يُجوِّز ذلك ، أو خبر مبتدأ محذوف عند من لا يجوّزه . قوله : { وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } يجوز في محل " الذين " ثلاثة أوجه : الرفع ، والنصب ، والجر . فالرفع من ستة أوجه : أحدها : أنه بدل من ( واو ) " أسَرُّوا " تنبيهاً على اتصافهم بالظلم الفاحش وعزاه ابن عطية لسيبويه ، وغيره للمبرد . الثاني : أنه فاعل ، والواو علامة جمع دلت على جمع الفاعل كما تدل التاء على تأنيثه ، وكذلك يفعلون في التثنية فيقولون : قاما أخواك وأنشدوا : @ 3704 - يَلُومُونَنِي فِي اشْتِرَاءِ النَّخيـ ـخِيلِ أَهْلِي وَكُلُّهُمُ أَلْوَمُ @@ وإليه ذهب الأخفش وأبو عبيدة ، وضعف بعضهم هذه اللغة وبعضهم حسنها فنسبها لأَزْدِ شَنُوءَة . وتقدمت هذه المسألة في المائدة عند قوله تعالى : { ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ } [ المائدة : 71 ] . الثالث : أن يكون " الذين " مبتدأ " وأسَرُّوا " جملة خبرية قدمت على المبتدأ ويعزى للكسائي . الرابع : أن يكون " الذين " مرفوعاً بفعل مقدر فقيل تقديره : يقول الذين ، واختاره النحاس ، قال : والقول كثيراً ما يضمر ، ويدل عليه قوله بعد ذلك : { هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ } . وقيل : تقديره : أسرها الذين ظلموا . الخامس : أنه خبر مبتدأ مضمر تقديره : هم الذين ظلموا . السادس : أنه مبتدأ وخبره الجملة من قوله : { هَلْ هَٰـذَا إِلاَّ بَشَرٌ } ( ولا بد من إضمار القول على هذا القول تقديره : الذين ظلموا يقولون هل هذا إلا بشر ) والقول يضمر كثيراً . والنصب من وجهين : أحدهما : الذم . والثاني : إضمار " أعني " . والجرّ من وجهين أيضاً : أحدهما : النعت . والثاني : البدل من " للناس " ، ويعزى هذا للفراء ، وفيه بعد . قوله : " هَلْ هذَا " إلى قوله : " تُبْصِرونَ " يجوز في هاتين الجملتين الاستفهاميتين أن تكونا في محل نصب بدلاً من " النَّجْوَى " وأن تكونا في محل نصب بإضمار القول . قالهما الزمخشري . وأن تكونا في محل نصب على أنهما محكيتان بـ " النَّجْوَى " ، لأَنها في معنى القول " وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ " جملة حالية من فاعل " تَأْتُونَ " . فصل اعلم أن الله - تعالى - ذم الكفار بهذا الكلام ، وزجر غيرهم عن مثله ، لأنهم إذا استمعوا وهم يلعبون لم يحصلوا إلاعلى مجرد الاستماع الذي قد تشارك فيه البهيمة الإنسان ، ثم أكد ذمهم بقوله : " لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ " واللاهية من لهي عنه إذا ذهل وغفل . وقدم ذكر اللعب على اللهو كما في قوله تعالى : { إِنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } [ محمد : 36 ] تنبيهاً على أن اشتغالهم باللعب الذي معناه الذهول والغفلة والسخرية والاستهزاء مُعَلَّل باللهو الذي معناه الذهول ، فإنهم إنما أقدموا على اللعب لذهولهم عن الحق . وقوله : " وَأَسَرُّوا النَّجْوَى " فيه سؤال ، وهو أن النجوى اسم من التناجي ، وهو لا يكون إلا خفية ، فما معنى قوله : " وَأَسَرُّوا " ؟ فالجواب : أنهم بالغوا في إخفائها ، وجعلوها بحيث لا يفطن أحد لتناجيهم . فإن قيل : لِمَ قال : { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } ؟ فالجواب : أن إبدال " الَّذِينَ ظَلَمُوا " من " أَسَرُّوا " إشعار بأنهم الموسومون بالظلم الفاحش فيما أسروا به . أو جاء على لغة من قال : أكلوني البراغيث وقوله : { هَلْ هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } قال الزمخشري : هذا الكلام كله في محل النصب بدلاً من " النَّجْوَى " أي : وَأسروا هذا الحديث ، وهو قولهم : { هَلْ هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } . ويحتمل أن يكون التقدير : وَأَسروا النجوى وقالوا هذا الكلام وإِنما أسروا هذا الحديث لوجهين : أحدهما : إنما كان ذلك شبه التشاور فيما بينهم ، والتحاور في طلب الطريق إلى هدم أمره ، وعادة المتشاورين أن يجتهدوا في كتمان سرهم عن أعدائهم . الثاني : يجوز أن يسروا نجواهم بذاك ، ثم يقولوا لرسول الله والمؤمنين : إن كان ما تدعونه حقاً ( فَأخْبِرُونا بما أسررناه ) . واعلم أنهم طعنوا في نبوته - عليه السلام - بأمرين : أحدهما : أنه بشر مثلهم . والثاني : أن الذي أتى به سحر . وكلا الطعنين فاسد ، أما الأول ، فلأن النبوة تقف صحتها على المعجزات والدلائل لا على الصور ، إذ لو أرسل الملك إليهم لما علم كونه نبياً بصورته ، وإنما كان يعلم بالعلم ، فإذا أظهر ذلك على من هو بشر فيجب أن يكون نبياً ، بل الأولى أن يكون المبعوث إلى البشر بشراً ، لأن المرء إلى القبول من أشكاله أقرب ، وهو به أقيس . وأما الثاني وهو أن ما أتى به الرسول من القرآن ظاهره الوعيد لا مرية فيه ، ولا لبس ، وقد كان عليه السلام يتحداهم بالقرآن مدة من الزمان حالاً بعد حال ، وهم أرباب الفصاحة والبلاغة ، وكانوا في نهاية الحرص على إبطال أمره ، وأقوى الأمور في إبطال أمره معارضة القرآن ، فلو قدروا على المعارضة لامتنع أن لا يأتوا بها ، لأن الفعل عند توفر الدواعي وارتفاع الصارف واجب الوقوع ، فلما لم يأتوا بها دلَّنا ذلك على أنه في نفسه معجز ، وأنهم عرفوا حاله فكيف يجوز أن يقال : إنه سحر والحال ما ذكرناه وكل ذلك يدل على أنهم كانوا عالمين بصدقه إلا أنهم كانوا يموهون على ضعفائهم بمثل هذا القول ، وإن كانوا فيه مكابرين . والمعنى : " أفَتَأْتُونَ " تحضرون " السِّحْرَ وَأَنْتُم " تعلمون أنه سحر .