Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 4-6)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ } . قرأ الأَخوان وحفص " قَالَ " على لفظ الخبر والضمير للرسول - صلى الله عليه وسلم - . والباقون : " قُلْ " على الأمر له . قوله : " فِي السَّمَاءِ " فيه أوجه : أحدها : أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من القول . والثاني : أنه حال من فاعل " يَعْلَمُ " وضعفه أبو البقاء ، وينبغي أن يمتنع . والثالث : أنه متعلق بـ " يَعْلَمُ " ، وهو قريب مما قبله . وحذف متعلق " السَّمِيِعُ العَلِيمُ " للعلم به . والمعنى : لا يخفى عليه شيء " وهو السميع " لأقوالهم " العليم " بأفعالهم . قال الزمخشري : فإن قلت : هلا قيل : يعلم السر لقوله " وأَسَرُّوا النَّجْوَى " قلت : القول عام يشمل السر والجهر ، فكان في العلم به العلم بالسر وزيادة ، فكان آكد في بيان الاطلاع على نجواهم من أن يقول : يعلم السر ، كما أن قوله : " يَعْلَمُ السِّرَّ " آكد من أن يقول : يعلم سرهم . فإن قلت : لم ترك الآكد في سورة الفرقان في قوله : { قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [ الفرقان : 6 ] ؟ قلت : ليس بواجب أن يجيء بالآكد في كل موضع ولكن يجيء بالتوكيد تارة وبالآكد أخرى . ثم الفرق أنه قدم هنا أنهم أسروا النجوى ، فكأنه قال : إن ربي يعلم ما أسروه ، فوضع القول موضع ذلك للمبالغة ، وثم قصد وصفه بـ { عَالِمِ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ } [ سبأ : 3 ] وإنما قدم " السميع " على " العليم " لأنه لا بد من سماع الكلام أولاً ثم من حصول العلم بمعناه . قوله : " أَضْغاث أَحْلاَم " خبر مبتدأ محذوف ، أي هو أضغاث والجملة نصب بالقول . واعلم أنه تعالى عاد إلى حكاية قولهم : { هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر } ثم قال { بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَٰثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ } فحكى عنهم هذه الأقوال الخمسة ، وترتيب كلامهم أن كونه بشراً مانع من كونه رسولاً لله . سلمنا أنه غير مانع ، ولكن لا نسلم أن هذا القرآن معجز ، ثم إما أن يساعد على أن فصاحة القرآن خارجة عن مقدور البشر ، قلنا : لم لا يجوز أن يكون ذلك سحراً ، وإن لم يساعد عليه فإن ادّعينا كونه في نهاية الركاكة ، قلنا : إنه أضغاث أحلام . وإن ادّعينا أنه متوسط بين الركاكة والفصاحة ، قلنا : إنه افتراه ، وإن ادّعينا أنه كلام فصيح ، قلنا : إنه من جنس فصاحة سائر الشعر . وعلى جميع هذه التقديرات فإنه لا يثبت كونه معجزاً . ولما فرغوا من تقدير هذه الاحتمالات قالوا : { فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ } والمراد أنهم طلبوا منه حالة لا يتطرق إليها شيء من هذه الاحتمالات . وقال المفسرون : إن المشركين اقتسموا القول فيه وفيما يقوله : فقال بعضهم " أضغاث أحلام " أي : أباطيلها وأهاويلها رآها في النوم . وقال بعضهم : " بَلْ افْتَرَاهُ " أي : اختلقه . وقال بعضهم : بل محمد شاعر ، وما جاءكم به شعر " فَلْيَأْتِنَا " محمد " بِآيَةٍ " إن كان صادقاً { كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ } من الرسل بالآيات ؟ قوله : " كَمَا أُرْسِلَ " يجوز في هذه الكاف وجهان : أحدهما : أن يكون في محل نعتاً لـ " آية " ، أي : بآية مثل آية إرسال الأولين ( ما ) مصدرية . الثاني : أن يكون نعتاً لمصدر محذوف ، أي إتياناً مثل إرسال الأولين . فأجابهم الله تعالى بقوله : { مَآ ءَامَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ } أي : قبل مشركي مكة " مِن قَرْيَةٍ " أتتهم الآيات " أَهْلَكْنَاهَا " أي : أهلكناهم بالتكذيب " أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ إِن جاءتهم آية " . والمعنى : أنهم في العتو أشد من الذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات ، وعاهدوا أنهم يؤمنون عندها ، فلما جاءتهم نكثوا وخالفوا ، فأهلكهم الله ، فلو أعطيناهم ما يقترحون لكانوا أشد نكثاً . قال الحسن : إنما لم يجابوا لأن حكم الله تعالى أن من كذب بعد الإجابة إلى ما اقترحه ، فلا بدّ من أن ينزل به عذاب الاستئصال ، وقد مضى حكمه في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة بخلافه فلذلك لم يجبهم . وتقدم الكلام في إعراب نظير قوله : { أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } . قوله : " نُوحِي إِلَيْهِم " . قرأ حفص : " نوحي " بنون العظمة مبنياً للفاعل ، أي نوحي نحن والباقون بالياء وفتح الحاء مبنياً للمفعول ، وقد تقدم في يوسف . وهذه الجملة في محل نصب نعتاً لـ " رِجَالاً " و " إِلَيْهِمْ " في القراءة الأولى منصوب المحل ، والمفعول محذوف ، أي : نوحي إليهم القرآن أو الذكر . ومرفوع المحلّ في القراءة الثانية لقيامه مقام الفاعل .