Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 42-44)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُمْ } الآية لما بين أن الكفار في الآخرة { لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِم ٱلنَّارَ } [ الأنبياء : 39 ] بسائر ما وصفهم به أتبعه بأنهم في الدنيا أيضاً لولا أن الله تعالى يحرسهم ويحفظهم لما بقوا في السلامة ، فقال لرسوله : " قُلْ " لهؤلاء الكفار الذين يستهزئون ويغترون بما هم عليه { مَن يَكْلَؤُكُم بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } وهذا كقول الرجل لمن حصل في قبضته ولا مخلص له منه : من ينصرك مني ؟ وهل لك مخلص ؟ والكلاءة : الحفظ ، أي يحفظكم بالليل والنهار " مِنَ الرَّحْمَـنِ " إن نزل بكم عذابه . يقال : كَلأَهُ الله يَكْلَؤُهُ كِلاَءَةً بالكسر كذا ضبطه الجوهري فهو كالىء ومكلوء . قال ابن هرْمة : @ 3717 - إنَّ سُلَيْمَى وَاللهُ يَكْلَؤُهَا ضَنَّتْ بِشَيءٍ مَا كَانَ يَزْرَؤُهَا @@ واكْتَلأْتُ منه : احترست ، ومنه سُمِّيَ النبات كلأ ، لأنَّ به تقوم بنية البهائم وتحرس . ويقال : بلغ الله بك أكلأ العمر . والمُكَلأُ موضع يحفظ فيه السفن . وفي الحديث : " نَهَى عَنْ بَيْعِ الكَالِىء بَالكَالِىء " أي : بيع الدين بالدين كأنَّ كُلاًّ من رب الدينين يكلأ الآخر أي : يراقبه . ( وقال ابن عباس : المعنى : مَنْ يمنعكم من عذاب الرحمن . وقرأ الزهري وابن القعقاع " يَكْلُوكُمْ " بضمة خفية دون همز . وحكى الكسائي والفراء " يَكْلَوْكُمْ " بفتح اللام وسكون الواو . قال شهاب الدين : ولم أعرفها قراءة . وهو قريب من لغة من يخفف أكلت الكلأ على الكلو وقفاً إلا أنه أجرى الوصل مجرى الوقف ) . قوله : " مِنَ الرَّحمنِ " متعلق بـ " يَكْلَؤُكُم " على حذف مضاف أي من أمر الرحمن أو بأسه كقوله : { يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } [ الرعد : 11 ] . " وبِاللَّيْلِ " بمعنى في الليل ، وإنما ذكر الليل والنهار ، لأن كل واحد من الوقتين آفات تختص به ، والمعنى : من يحفظكم بالليل إذا نمتم وبالنهار إذا تصرفتم في معاشكم . وخص هاهنا اسم الرحمن بالذكر تلقيناً للجواب حتى يقول العاقل أنت الكالىء يا إلهنا لكل الخلائق برحمتك كما في قوله : { مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ } [ الانفطار : 6 ] . فخص اسم الكريم تلقيناً . قوله : " بَلْ هُمْ " إضراب عما تضمنه الكلام الأول من النفي ، إذ التقدير : ليس لهم كالىء ولا مانع غير الرحمن . والمراد بـ " ذِكْرِ رَبِّهِمْ " القرآن ومواعظ الله " مُعْرِضُونَ " لا يتأملون في شيء منها ليعرفوا أنه لا كالىء لهم سواه ، ويتركوا عبادة الأصنام التي لا تحفظهم ولا تنعم عليهم . قوله : { أَمْ لَهُمْ ءَالِهَةٌ } " أَمْ " منقطعة ، أي بل ألهم ؟ فالميم صلة والمعنى : ألهم آلهة تمنعهم ، وقد تقدم ما فيها . وقوله : " من دُونِنَا " فيه وجهان : أحدهما : أنه متعلق بـ " تَمْنَعُهُمْ " قبل ، والمعنى : ألهم آلهة تجعلهم في منعة وعز ، وإلى هذا ذهب الحوفي . والثاني : أنه متعلق بمحذوف ، لأنه صفة لـ " آلهة " ، أي آلهة من دوننا تمنعهم ، ولذلك قال ابن عباس إن في الكلام تقديماً وتأخيراً . ثم وصف الآلهة بالضعف فقال : { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ } وهذا مستأنف لا محل له ، ويجوز أن يكون صفة لـ " آلهة " ، وفيه بعد من حيث المعنى . قال ابن الخطيب : " لا يستطيعون " خبر مبتدأ محذوف ، أي فهذه الآلهة لا تستطيع حماية أنفسها عن الآفات ، وحماية النفس أولى من حماية الغير ، فإذا لم تقدر على حماية نفسها فكيف تقدر على حماية غيرها . قوله : { وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } . قال ابن عباس : يجاورون ، تقول العرب : أنا لك جار وصاحب من فلان ، أي مجير عنه . وقال مجاهد : يُنْصَرُونَ . وقال قتادة : لا يصحبون من الله بخير . { بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاَءِ } الكفار " وَءَابَاءَهُمْ " في الدنيا ، أي أمهلناهم . وقيل : أعطيناهم النعمة . { حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ } أي امتد بهم الزمان فاغتروا . { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِن أَطْرَافِهَا } أي : أفلا يرى هؤلاء المشركون بالله المستعجلون بالعذاب آثار قدرتنا في أنا ننقص الأرض من جوانبها نأخذ الواحد بعد الواحد من المشركين ونفتح البلاد والقرى من حول مكة ، ونزيدها في ملك محمد ، أما كان لهم عبرة في ذلك فيؤمنوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - . " أَفَهُمُ الغَالِبُونَ " أم نحن ، وهو استفهام تقريع . قال ابن عباس ومقاتل والكلبي : " نَنقُصُهَا " بفتح البلدان . وروي عن ابن عباس رواية أخرى : المراد نقصان أهلها . وقال عكرمة : تخريب القرى وموت أهلها . وقيل : موت العلماء ، وهذه الرواية إن صحت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يعدل عنها وإلا فالأظهر هاهنا ما يتعلق بالغلبة ، ولذلك قال : " أَفَهُمُ الغَالِبُونَ " . قال القفال : نزلت هذه الآية في كفار مكة ، فكيف يدخل فيها العلماء والفقهاء .