Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 37-41)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { خُلِقَ ٱلإنسَانُ مِنْ عَجَلٍ } الآية . في المراد بالإنسان قولان : أحدهما : أنه النوع ، وذلك أنهم كانوا يستعجلون العذاب { ويقولون متى هذا الوعد } . ( والمعنى أن بنيته من العجلة وعليها طبع كما قال : { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } [ الإسراء : 11 ] ) . فإن قيل : مقدمة الكلام لا بد وأن تكون مناسبة للكلام وكون الإنسان مخلوقاً من العجل يناسب كونه معذوراً فيه فلم رتب على هذه المقدمة قوله : " فَلاَ تَسْتَعْجِلُون " ؟ فالجواب أنه تعالى نبه بهذا على أن ترك الاستعجال حالة مرغوب فيها . القول الثاني : أن المراد بالإنسان شخص معين ، فقال ابن عباس في رواية عطاء : نزلت هذه الآية في النضر بن الحرث . وقال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي والكلبي ومقاتل والضحاك : المراد آدم عليه السلام . وروى ابن جريج وليث بن أبي سليم قال : خلق آدم بعد كل شيء من آخر نهار يوم الجمعة ، فلما دخل الروح رأسه ولم يبلغ أسفله نظر إلى ثمار الجنة ، فلما دخل الروح جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن يبلغ الروح إلى رجليه عجلان إلى ثمار الجنة فوقع فقيل { خُلِقَ ٱلإنسَانُ مِنْ عَجَلٍ } والقول الأول أولى ، لأن الغرض ذم القوم ، وذلك لا يحصل إلا إذا حملنا لفظ الإنسان على النوع . قوله : " من عجل " فيه قولان : أحدهما : أنه من باب القلب ، والأصل : خُلِقَ العَجَلُ مِنَ الإنْسَانِ لشدة صدوره منه وملازمته له وإلى هذا ذهب أبو عمرو ، ويؤيده قراءة عبد الله : " خُلِقَ العَجَلُ مِنَ الإنْسَانِ " . والقلب موجود في كلامهم قال الشاعر : @ 3714 - حَسَرْتُ كَفِّي عَنِ السِّرْبَالِ آخذُهُ @@ يريد : حسرت السربال عن كفي . ومثله في الكلام : إذا طلعت الشِّعرى استوى العود على الحِرْباء وقالوا : عرضت الناقة على الحوض ، وتقدم منه أمثلة إلا أن بعضهم يخصه بالضرورة وتقدم فيه ثلاثة مذاهب . والثاني : أنه لا قلب فيه ، وفيه ثلاثة تأويلات أحسنها أن ذلك على المبالغة جعل ذات الإنسان كأنها خلقت من نفس العجلة دلالة على شدة اتصاف الإنسان بها ، وأنها مادته التي أخذ منها كما قيل للرجل الذي هو حاد : نار تشعل والعرب قد تسمي المرء بما يكثر منه ، فتقول : ما أنت إلا أكل ونوم ، وما هو إلا إقبال وإدبار ، قال الشاعر : @ 3715 - تَرْتَعُ مَا رَتَعَتْ حتى إذَا ادَّكرَتْ فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارُ @@ ويتأكد هذا بقوله : { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } [ الإسراء : 11 ] . قال المبرد : { خُلِقَ ٱلإنسَانُ مِنْ عَجَلٍ } أي من شأنه العجلة كقوله { خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ } [ الروم : 54 ] أي : ضُعَفاء . ومثله في المبالغة من جانب النفي قوله عليه السلام : " لست من الدَّدِ وَلاَ الدَّدُ مِنِّي " ، والدُّدُ : اللعب ، وفيه لغات : دَدٌ محذوف اللام ودَدَا مقصوراً كعصا ، ودَدَنٌ بالنون . وألفه في إحدى لغاته مجهولة الأصل لا يدري أهي عن ياء أو واو . وقيل : { خُلِقَ ٱلإنسَانُ مِنْ عَجَلٍ } أي بسرعة ، وتعجيل من غير ترتيب خلق سائر الآدميين من النطفة ثم العلقة ثم المضغة ثم العظام ثم أنشأناه خلقاً آخر . وقال أبو عبيدة : العَجَل الطين بلغة حمير قال شاعرهم : @ 3716 - والنَّبْعُ في الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ مَنْبِتُهُ والنَّخْلُ يَنْبُتُ بَيْنَ المَاءِ وَالعَجَلِ @@ قال الزمخشري بعد إنشاده عجز هذا البيت : والله أعلم بصحته . قال شهاب الدين : وهو معذور . وهذا الجار يحتمل تعلقه بـ " خُلِقَ " على المجاز أو الحقيقة المتقدمتين . وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال كأنه قال : خلق الإنسان عجلاً . قاله أبو البقاء . وقرأ العامة " خُلِقَ " مبنياً للمفعول " الإنسان " مرفوعاً لقيامه مقام الفاعل . وقرأ مجاهد وحميد وابن مقسم " خَلَقَ " مبنياً للفاعل " الإنسان " نصباً مفعولاً به . فإن قيل : القوم استعجلوا الوعيد على وجه التكذيب ، ومن هذا حاله لا يكون مستعجلاً على الحقيقة . فالجواب : أن استعجالهم بما توعدهم من عقاب الآخرة أو هلاك الدنيا يتضمن استعجال الموت ، وهم عالمون بذلك فكانوا مستعجلين حقيقة . قوله : " سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي " مواعيدي ؛ قيل : هي الهلاك المعجل في الدنيا والآخرة ، ولذلك قال " فَلاَ تَسْتَعْجِلُون " أي أنه سيأتي لا محالة في وقته ، فلا تطلبوا العذاب قبل وقته ، فأراهم يوم بدر . وقيل : كانوا يستعجلون القيامة . وقيل : الآيات : أدلة التوحيد وصدق الرسول . وقيل : الآيات آثار القرون الماضية بالشام واليمن . قوله : { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } هذا هو الاستعجال المذموم على سبيل الاستهزاء ، وهو كقوله : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ } [ العنكبوت : 53 ] فبين تعالى أنهم يقولون ذلك لجهلهم وغفلتهم . قوله : " مَتَى هَذَا " " مَتَى " خبر مقدم ، فهي في محل رفع . وزعم بعض الكوفيين أنها في محل نصب على الظرف ، والعامل فيها فعل مقدر رافع لـ " هَذَا " التقدير : متى يجيء هذا الوعد ، أو متى يأتي ونحوه والأول أشهر . قوله : " لو يعلم " جوابها مقدر ، لأنه أبلغ في الوعيد فقدره الزمخشري : لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال ولكن جهلهم هو الذي هونه عندهم وقدره ابن عطية : لما استعجلوا . وقدره الحوفي : لسارعوا . وقدره غيره : لعلموا صحة البعث . وقال البغوي : لما أقاموا على كفرهم ، ولما استعجلوا بقولهم { مَتَى هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } . و " حين " مفعول به لعلموا ، و ليس منصوباً على الظرف ، أي : لو يعلمون وقت عدم كف النار . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون " يعلم " متروكاً بلا تعدية بمعنى : لو كان معهم علم ولم يكونوا جاهلين لما كانوا مستعجلين ، و " حين " منصوب بمضمر أي حين { لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ } يعلمون أنهم كانوا على الباطل . وعلى هذا فـ " حين " منصوب على الظرف ، لأنه جعل مفعول العلم أنهم كانوا . وقال أبو حيان : والظاهر أن مفعول ( يَعْلَمُ ) محذوف لدلالة ما قبله ، أي : لو يعلم الذين كفروا مجيء الموعد الذي سألوا عنه واستبطأوه ، و " حِينَ " منصوب بالمفعول الذي هو مجيء ، ويجوز أن يكون من باب الإعمال على حذف مضاف ، وأعمل الثاني ، والمعنى : لو يعلمون مباشرة النار حيت لا يكفونها عن وجوههم . فصل ثم إنه تعالى ذكر في رفع هذا الحزن عن قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجهين : الأول : أنه بيَّن ما لصاحب هذا الاستهزاء من العقاب الشديد فقال { لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } أي : لو يعلمون الوقت الذي يسألون عنه بقولهم { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلوَعْدُ } وهو وقت صعب شديد تحيط بهم فيه النار من قدّام ومن خلف ، فلا يقدرون على دفعها عن أنفسهم ، ولا يجدون ناصراً ينصرهم كقوله : { فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَا } [ غافر : 29 ] . وإنما خص الوجوه والظهور ، لأن مس العذاب لها أعظم موقعاً . قال بعضهم : { وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ } السياط . قوله " بَغْتَةً " نصب على الحال ، أي : مباغتة . والضمير في " تَأتيهم " يعود على النار ، وقيل : على الحين ، لأنه في معنى الساعة . وقيل : على الساعة التي تضطرهم فيها إلى العذاب . وقيل : على الوعد ، لأنه في معنى النار التي وعدوها قاله الزمخشري . وفيه تكلّف . وقرأ الأعمش : " بَلْ يَأْتِيهِمْ " بياء الغيبة " بَغْتَةً " بفتح الغين " فَيَبْهَتَهُمْ " بالياء أيضاً . فأما الياء فأعاد الضمير على الحين أو على الوعد ، وقيل : على " النَّار " وإنما ذكر ضميرها ، لأنها في معنى العذاب ، ثم راعى لفظ " النَّارِ " فأنث في قوله : " رَدَّهَا " . وقوله " بَلْ تَأتِيهِمْ " إضراب انتقال . وقال ابن عطية : " بَلْ " استدراك مُقَدَّرٌ قبله نفيٌّ تقديره : إنَّ الآيات لا تأتي على حسب اقتراحهم . وفيه نظر ، لأنه يصير التقدير : لا تأتيهم الآيات على حسب اقتراحهم بل تأتيهم بغتة ، فيكون الظاهر أن الآيات تأتي بغتة ، وليس ذلك مراداً قطعاً . وإن أراد أن يكون التقدير : بل تأتيهم الساعة أو النار ، فليس مطابقاً لقاعدة الإضراب . فصل لما بين شدة هذا العقاب بين أن وقت مجيئه غير معلوم لهم { بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً } وهم غير محتسبين ولا مستعدين " فَتَبْهَتهُمْ " أي : تدعهم حيارى واقفين { لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } في ردها ، { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أي لا يمهلون لتوبة أو معذرة . وإنما لم يعلم المكلفين وقت الموت ( والقيامة لما ) فيه من المصلحة ، لأن المرء مع كتمان ذلك أشد حذراً وأقرب إلى التلافي . ثم ذكر الوجه الثاني في دفع الحزن عن قلب الرسول - عليه السلام - فقال : { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي : عقوبة استهزائهم . و " حَاقَ " وحَقّ بمعنى كزَالَ وزَلَّ ، والمعنى : فكذلك يحيق بهؤلاء وبال استهزائهم .