Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 94-97)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } الآية . لمَّا ذَكَرَ أَمْرَ الأُمَّةِ وتفرقهم ، وأنهم راجعون إلى حيث لا أمر إلا له أتبع ذلك بقوله : { فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ } لا نجحد ولا نبطل سعيه . والكفران مصدر بمعنى الكفر ، قال : @ 3733 - رَأَيْتُ أُنَاساً لاَ تَنَامُ خُدُودُهُمْ وَخَدِّي وَلاَ كُفْرَانَ لِلَّهِ نَائِمُ @@ و " لِسَعْيِهِ " متعلق بمحذوف ، أي : نكفر لسعيه ، ولا يتعلق بـ " كُفْرَانَ " لأنه يصير مطولاً ، والمطول ينصب وهذا مبني . والضمير في " لَهُ " يعود على السعي . والمعنى : لا بطلان لثواب عمله ، وهو كقوله : { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } [ الإسراء : 19 ] . فالكفران مثل في حرمان الثواب ، والشكر مثل في إعطائه . فقوله : " فَلاَ كُفْرَانَ " المراد نفي الجنس للمبالغة ، لأنَّ نفي الماهية يستلزم نفي جميع أفرادها . ثم قال : { وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } أي : لسعيه كاتبون إمَّا في أم الكتاب ، أو في الصحف التي تعرض يوم القيامة ، والمراد من ذلك ترغيب العباد في الطاعات . قوله تعالى : { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ } قرأ الأخوان وأبو بكر ورويت عن أبي عمرو " وَحِرْمُ " بكسر الحاء وسكون الراء وهما لغتان كالحِلّ والحَلاَل . وقرأ ابن عباس وعكرمة " وحَرِمَ " بفتح الحاء وكسر الراء وفتح الميم على أنه فعل ماض وروي عنهما أيضاً وعن أبي العالية بفتح الحاء والميم وضم الراء بزنة كَرُم ، وهو فعل ماض أيضاً . ( وروي عن ابن عباس أيضاً فتح الجميع وهو فعل ماض أيضاً ) . وعن اليماني بضم الحاء وكسر الراء ( مشددة وفتح الميم ماضياً مبنياً للمفعول . وروى عكرمة بفتح الحاء وكسر الراء ) وتنوين الميم . فمن جعله اسماً ففي رفعه وجهان : أحدهما : أنه مبتدأ ، وفي الخبر حينئذ ثلاثة أوجه : أحدها : قوله : " لا يَرْجِعُونَ " وفي ذلك حينئذ أربعة تأويلات : التأويل الأول : أن " لا " زائدة ، والمعنى : وممتنع على قرية قدرنا إهلاكها لكفرهم رجوعهم إلى الإيمان إلى أن تقوم الساعة . وممن ذهب إلى زيادتها أبو عمرو مستشهداً عليه بقوله تعالى : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } [ الأعراف : 12 ] يعني أحد القولين . التأويل الثاني : أنها غير زائدة ، وأن المعنى : أنهم غير راجعين عن معصيتهم وكفرهم . التأويل الثالث : أنَّ الحرام قد يراد به الواجب ، ويدل عليه قوله تعالى : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ } [ الأنعام : 151 ] وترك الشرك واجب ويدل عليه قول الخنساء : @ 3743 - وَإِنَّ حَرَاماً لا أَرَى الدَّهْرَ بَاكِياً عَلَى شَجْوِةِ إلاَّ بَكَيْتُ عَلَى صَخْر @@ أي : واجباً . وأيضاً فمن الاستعمال إطلاق أحد الضدين على الآخر ، وهو مجاز مشهور قال تعالى : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] ومن ثمَّ قال الحسن والسدي : لا يرجعون عن الشرك . وقال قتادة : لا يرجعون إلى الدنيا . التأويل الرابع : قال مسلم بن بحر : حرام ممتنع ، وأنهم لا يرجعون ، فيكون عدم رجوعهم واجباً ، وإذا امتنع الانتفاء وجب الرجوع ، فيكون المعنى : إن رجوعهم إلى الحياة في الدار الآخرة واجب ، ويكون الغرض منه إبطال قول من ينكر البعث ، وتحقيقه ما تقدم أنه لا كفران لسعي أحد وأنه - تعالى - مجازيه يوم القيامة . وقول ابن عطية قريب من هذا فإنه قال : وَمُمْتَنِعٌ على الكفرة المهلكين أنهم لا يرجعون ( بل هم راجعون ) إلى عذاب الله وأليم عقابه ، فتكون " لاَ " على بابها والحرام على بابه . الوجه الثاني : أن الخبر محذوف ، تقديره : وحرام توبتهم أو رجاء بعثهم ، ويكون { أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } علة لما تقدم من معنى الجملة . فيكون حينئذ في " لاَ " احتمالان : الاحتمال الأول : أن تكون زائدة ، ولذلك قال أبو البقاء في هذا الوجه بعد تقديره الخبر المتقدم : إذا جعلت ( لا ) زائدة . قلت : والمعنى عنده لأنهم يرجعون إلى الآخرة وجزائها . الاحتمال الثاني : أن تكون غير زائدة بمعنى ممتنع توبتهم ، أو رجاء بعثهم لأنهم لا يرجعون إلى الدنيا فيستدركوا فيها ما فاتهم من ذلك . الوجه الثالث : أن يكون هذا المبتدأ لا خبر له لفظاً ولا تقديراً ، وإنما وقع شيئاً يقوم مقام خبره من باب أقائم أخواك ، قال أبو البقاء : والجيد أن يكون ( أنهم ) فاعلاً سد مسد الخبر . وفي هذا نظر ، لأنَّ ذلك يشترط فيه أن يعتمد الوصف على نفي أو استفهام وهنا لم يعتمد المبتدأ على شيء من ذلك اللهم إلا أن ينحو نحو الأخفش فإنه لا يشترط ذلك ، وهو الظاهر ، وحينئذ يكون في ( لا ) الوجهان المتقدمان من الزيادة وعدمها باختلاف معنيين ، أي : امتنع رجوعهم إلى الدنيا أو عن شركهم ، إذا قدرتها زائدة ، أو امتنع عدم رجوعهم إلى عقاب الله في الآخرة ، إذا قدرتها غير زائدة . الوجه الثاني : من وجهي رفع " حَرَامٌ " : أنه حبر مبتدأ محذوف ، فقدره بعضهم : الإقالة والتوبة حرام ، وقدره أبو البقاء : أي : ذلك الذي ذكر من العمل الصالح حرام وقال الزمخشري : وحرام على قرية أهلكناها ذاك ، وهو المذكور في الآية المتقدمة من العمل الصالح ، والسعي المشكور غير المكفور ، ثم علل فقيل : إنَّهم لا يرجعون عن الكفر ، فكيف لا يمتنع ذلك . وقرأ العامة " أَهْلَكْنَاهَا " بنون العظمة . وقرأ أبو عبد الرحمن وقتادة " أَهْلَكْتُهَا " بتاء المتكلم . ومن قرأ " حَرِمٌ " بفتح الحاء وكسر الراء وتنوين الميم فهو في قراءة صفة على فَعِل نحو حَذِر ، وقال : @ 3735 - وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالِي ولاَ حَرِمُ @@ ومن قرأه فعلاً ماضياً فهو في قراءته مسند لـ " أن " وما في حيزها ، ولا يخفى الكلام في ( لا ) بالنسبة إلى الزيادة وعدمها ، فإن المعنى واضح مما تقدم . وقرىء " إِنَّهُمْ " بالكسر على الاستئناف ، وحينئذ فلا بُدَّ من تقدير مبتدأ يتم به الكلام تقديره : ذلك العمل الصالح حرام ، وتقدم تحرير ذلك . قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ } الآية . تقدم الكلام على ( حَتَّى ) الداخلة على ( إذا ) مشبعاً . وقال الزمخشري هنا : فإن قُلْت : بم تعلقت ( حَتَّى ) واقعة غاية له وأية الثلاث هي ؟ قلت : هي متعلقة بـ " حَرَام " وهي غاية له ، لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم القيامة ، وهي حتى التي يحكى بعدها الكلام ، والكلام المحكي هو الجملة من الشرط والجزاء أعني : إذا وما في حيزها . وأبو البقاء نحا هذا النحو ، فقال : و " حَتَّى " متعلقة في المعنى بـ " حَرَام " . أي : يستمر الامتناع إلى هذا الوقت ، ولا عمل لها في " إذَا " . قال الحوفي : هي غاية ، والعامل فيها ما دل عليه المعنى من تأسفهم على ما فرطوا فيه من الطاعة حين فاتهم الاستدراك . وقال ابن عطية : " حَتَّى " متعلقة بقوله : " وَتَقَطَّعُوا " ، ويحتمل على بعض التأويلات المتقدمة أن تتعلق بـ " يَرْجِعُونَ " ، ويحتمل أن تكون حرف ابتداء ، وهو الأظهر بسبب ( إذا ) لأنها تقتضي جواباً للمقصود ذكره . قال أبو حيان : وكون ( حَتَّى ) متعلقة بـ " تَقَطَّعُوا " فيه بعد من حيث كثرة الفصل لكنه من حيث المعنى جَيِّد ، وهو أنهم لا يزالون مختلفين على دين الحق إلى قرب مجيء الساعة ، فإذا جاءت الساعة انقطع ذلك كله . وتلخص في تعلق ( حَتَّى ) أوجه : أحدها : أنها متعلقة بـ " حَرَام " . والثاني : أنها متعلقة بمحذوف دلَّ عليه المعنى ، وهو قول الحوفي . الثالث : أنها متعلقة بـ " تَقَطَّعُوا " . الرابع : أنها متعلقة بـ " يَرْجِعُونَ " . وتلخص في ( حتى ) وجهان : أحدهما : أنَّها حرف ابتداء ، وهو قول الزمخشري وابن عطية فيما اختاره . والثاني : إنها حرف جر بمعنى ( إلى ) . وقرأ " فُتِّحَتْ " بالتشديد ابن عامر ، والباقون بالتخفيف . وتقدم ذلك أول الأنعام وفي جواب " إذَا " أوجه : أحدها : أنه محذوف ، فقدره أبو إسحاق : قالوا يا ويلنا ، وقدره غيره ، فحينئذ يبعثون ، وقوله : { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ } عطف على هذا المقدر . والثاني : أنَّ جوابها الفاء في قوله : " فَإِذَا هِيَ " قاله الحوفي والزمخشري وابن عطية ، فقال الزمخشري : و " إذا " هي للمفاجأة ، وهي تقع في المجازاة سادة مسد الفاء كقوله تعالى : { إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } [ الروم : 36 ] ، فَإِذَا جاءت الفاء معها تعاونتا على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد ، ولو قيل : ( إذَا هِيَ شَاخِصَةٌ ) كان سديداً . وقال ابن عطية : والذي أقول : إنَّ الجواب في قوله : { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ } وهذا هو المعنى الذي قصد ذكره ، لأنه رجوعهم الذي كانوا يكذبون به وحرم عليهم امتناعه . وقوله : " يَأْجُوج " هو على حذف مضاف ، أي سدّ يأجوج ومأجوج ، وتقدم الكلام فيهما وهما قبيلتان من جنس الإنس ، يقال : الناس عشرة أجزاء تسعة أجزاء منها يأجوج ومأجوج يخرجون حيت يفتح السد . قيل : السد يفتحه الله ابتداء . وقيل : بل إذا جعل الله الأرض دكاً زالت تلك الصلابة من أجزاء الأرض فحينئذ ينفتح السد . قوله : " وَهُمْ " قال أكثر المفسرين : " هُم " كناية عن " يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ " . وقال مجاهد : كناية عن جميع العالم بأسرهم أي : يخرجون من قبورهم ، ومن كل موضع ، فيحشرون إلى موقف الحساب . والأول أظهر وإلا لتكلف النظم ، ولأنه روي في الخبر أن يأجوج ومأجوج لا بدَّ وأن يسيروا في الأرض ، ويقبلوا على الناس من كل موضع مرتفع . وقرأ العامة " يَنْسِلُونَ " بكسر السين . وأبو السمال وابن أبي إسحاق بضمها . والحَدَب : النشز من الأرض . أي : المرتفع ، ومنه الحدب في الظهر ، وكل كُدْيَة أو أَكْمَةٍ فهي حدبة ، وبها سمي القبر لظهوره على وجه الأرض والنَّسَلاَنُ : مقاربة الخطا مع الإسراع كالرملِ يقال : نَسَلَ يَنْسِلُ وَيَنْسُلُ بالفتح في الماضي والكسر والضمّ في المضارع ، ونَسَلَ وعَسَلَ واحد قال الشاعر : @ 3736 - عَسَلاَنَ الذئبِ أَمْسَى قَارِباً بَرَدَ اللَّيْلُ عَلَيْهِ فَنَسَلْ @@ والنَّسْلُ من ذلك ، وهو الذُّرّيةُ ، أطلق المصدر على المفعول ، وَنَسَلْتُ ريشَ الطائِر من ذلك . وقدم الجار على متعلقة لتراخي رؤوس الآي . وقرأ عبد الله وابن عباس : " جَدَث " بالثاء المثلثة والجيم اعتباراً بقوله : { فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } [ يس : 51 ] . وقرىء بالفاء ، وهي بدل منها قال الزمخشري : الثاء للحجاز ، والفاء لتميم . وينبغي أن يكونا أصلين ، لأنَّ كلاً منهما لغة مستقلة ، ولكن كثر إبدال الثاء من الفاء ، قالوا مغثور في مغفور ، وقالوا فُمَّّ في ثُمَّ ، فأبدلت هذه من هذه تارة ، وهذه من هذه أخرى . " ( روى حذيفة بن أسد الغفاري قال : اطلع النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا ونحن نتذاكر ، فقال : " مَا تَذْكُرُونَ ؟ " قالوا : نذكر الساعة قال : إنها لن تقوم حَتى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيات فذكر الدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى ابن مريم ، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف ، خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم ) . " قوله : { وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ } . المراد بالوعد الموعود وهو يوم القيامة . ( وسمي الموعود وعداً تجوّزاً . قال الفراء وجماعة : الواو في قوله : " وَاقْتَرَبَ " مقحمة معناه : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق ، كقوله : { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ } [ الصافات : 103 ، 104 ] أي : ناديناه . ويدل عليه ما روى حذيفة قال : لو أنَّ رجلاً اقتنى فُلُوًّا بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة . وقال قوم : لا يجوز طرح الواو ، وجعلوا جواب { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ } في قوله : " يَا وَيْلَنَا " يكون مجازاً لأنّ التقدير : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج واقترب الوعد الحق قالوا يا ويلنا قد كنا في غفلة ) . قوله : { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ } " إذَا " هنا للمفاجأة ، و " هِيَ " فيها أوجه : أجودها : أن يكون ضمير القصة ، و " شَاخِصَةٌ " خبر مقدم ، و " أَبْصَارُ " مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر لـ " هِيَ " ، لأنها لا تفسر إلا بجملة مصرح بخبرها ، وهذا مذهب البصريين . الثاني : أن تكون " شَاخِصَةٌ " مبتدأ ، و " أَبْصَارُ " فاعل سد مسد الخبر ، وهذا يتمشى على رأي الكوفيين ، لأن ضمير القصة يفسر عندهم بالمفرد العامل عمل الفعل فإنه في قوة الجملة . الثالث : قال الزمخشري : " هِيَ " ضمير مبهم يوضحه الأبصار ويفسره كما فسر " الَّذِينَ ظَلَمُوا " " وَأَسَرُّوا " . ولم يذكر غيره . قال شهاب الدين : وهذا قول الفراء ، فإنه قال في ضمير الأبصار : تقدمت لدلالة الكلام ومجيء ما يفسرها ، وأنشد شاهداً على ذلك : @ 3737 - فَلاَ وَأَبِيهَا لا تَقُولُ خَلِيلَتِي أَلاَ فَرَّ عَنِّي مَالِكُ بْنُ أَبِي كَعْبِ @@ الرابع : أن تكون " هِيَ " عماداً ، وهو قول الفراء أيضاً قال : لأنه يصلح موضعها هو ، فتكون كقوله : { إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ } [ النمل : 9 ] ومثله : { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ } [ الحج : 46 ] وأنشد : @ 3738 - بِثَوب ودينارٍ وشاة ودرهم فَهَلْ هُوَ مَرْفُوع بِمَا هَاهُنَا رَاس @@ وهذا لا يتمشى إلا على أحد قولي الكسائي ، وهو أنه يجيز تقدم الفصل مع الخبر المتقدم نحو : هو خير منك زيد . الأصل زيد هو خير منك . وقال أبو حيان : أجاز هو القائم زيد ، على أنَّ زيداً هو المبتدأ ، والقائم خبره ، وهو عماد ، وأصل المسألة : زيد هو القائم . قال شهاب الدين : وفي التمثيل نظر ، لأنّ تقديم الخبر هنا ممتنع لاستوائهما في التعريف بخلاف المثال المتقدم . فيكون أصل الآية الكريمة : فإذا أبصار الذين كفروا هي شاخصة ، فلما قدم الخبر ، " شَاخِصَة " ، قدم معها العماد . وهذا أيضاً إنما يجيء على مذهب من يرى وقوع العماد قبل النكرة غير المقارنة للمعرفة . الخامس : أن تكون " هِيَ " مبتدأ وخبره مضمر ، فيتم الكلام حينئذ على " هِيَ " ويبتدأ بقوله : " شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ " ، والتقدير : فإذا هي بارزة ، أي : الساعة بارزة أو حاضرة و " شَاخِصَةٌ " خبر مقدم ، و " أَبْصَارُ " مبتدأ مؤخر . ذكره الثعلبي . وهو بعيد جداً لتنافر التركيب ، وهو التعقيد عند علماء البيان . قوله : " يَا وَيْلَنَا " معمول لقول محذوف ، أي : يقولون يَا وَيْلَنَا . وفي هذا القول المحذوف وجهان : أحدهما : أنه جواب " حتى إذا " كما تقدم . والثاني : في محل نصب على الحال من " الَّذِينَ كَفَرُوا " قاله الزمخشري . قوله : { قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا } يعني في الدنيا حيث كذبناه وقلنا : إنه غير كائن ، بل كنا ظالمين أنفسنا بتلك الغفلة وتكذيب محمد ، وعبادة الأوثان .