Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 98-100)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ } أتى هنا بـ " مَا " وهي لغير العقلاء ، لأنه متى اختلط العاقل بغيره يُخَيّر الناطق بين ( مَا ) ، و ( مَنْ ) . وقرأ العامة : " حَصَبُ " بالمهملتين والصاد مفتوحة ، وهو ما يحصب أي : يرمى في النار ولا يقال له حصب إلا وهو في النار ، فأما قبل ذلك فهو حطب وشجر وغير ذلك . وقيل : يقال له حصب قبل الإلقاء في النار . قيل : هو الحطب بلغة أهل اليمن . وقال عكرمة : هو الحطب بالحبشية . وقرأ ابن السميفع وابن أبي عبلة ورويت عن ابن كثير بسكون الصاد ، وهو مصدر ، فيجوز أن يكون واقعاً موقع المفعول ، أو على المبالغة ، أو على حذف مضاف . وقرأ ابن عباس بالضاد معجمة مفتوحة أو ساكنة وهو أيضاً ما يرمى به في النار ، ومنه المِحْضَبِ عُودٌ يُحَرَّك به النار لتوقد ، وأنشد : @ 3739 - فَلاَ تَكُ في حَرْبِنَا مِحْضَباً فَتَجْعَلَ قَوْمَكَ شَتَّى شُعُوبَا @@ وقرأ أمير المؤمنين وأبيّ وعائشة وابن الزبير " حَطَبُ " بالطاء ، ولا أظنها إلا تفسيراً لا قراءة . فصل المعنى " إنَّكُمْ " أيُّها المشركون { وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } يعني الأصنام " حَصَبُ جَهَنَّم " أي : وقودها ، وهذا تشبيه . وأصل الحصب الرمي ، قال تعالى : { أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً } [ القمر : 34 ] أي : ريحاً ترميهم بالحجارة . قوله : { أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } . جوز أبو البقاء في هذه الجملة ثلاثة أوجه : أحدها : أن تكون بدلاً من " حَصَبُ جَهَنّم " . يعني : أن الجملة بدل من المفرد الواقع خبراً ، وإبدال الجملة من المفرد إذا كان أحدهما بمعنى الآخر ، جائز ، إذ التقدير : إنكم أنتم لها واردون . والثاني : أن تكون الجملة مستأنفة . والثالث : أن تكون في محل نصب على الحال من " جَهَنَّمَ " وفيه نظر من حيث مجيء الحال من المضاف إليه في غير مواضع المستثناة . ومعنى { أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } أي : فيها داخلون . وإنما جاءت اللام في " لَهَا " لتقدمها تقول : أنت لزيد ضارب . كقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } [ المؤمنون : 8 ] ، [ المعارج : 32 ] والمعنى : أنه لا بُدَّ وأن تردوها ، ولا معدل لكم من دخولها . فصل " روى ابن عباس أنه - عليه السلام - دخل المسجد وصَنَادِيد قريش في الحَطِيم . وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً ، فجلس إليهم ، فعرض له النضر بن الحرث فكلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أفحمه ، ثم تلا عليهم { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } الآية . فأقبل عبد الله بن الزِّبَعْرَى فرآهم يتهامسون ، فقال : فيم خوضكم ؟ فأخبره الوليد بن المغيرة بقول رسول الله . فقال ابن الزبعرى : أنت قلت ذلك ؟ قال نعم . قال : خصمتك ورب الكعبة ، أليس اليهود عبدوا عُزَيْراً ، والنصارى عبدوا المسيح ، وبنو مليح عبدوا الملائكة . فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يجب ، فضحك القوم ، ونزل قوله تعالى : { وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقَالُوۤاْ أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } " [ الزخرف : 57 ، 58 ] . ونزل في عيسى والملائكة { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } [ الأنبياء : 101 ] . وفي رواية أخرى أنه - عليه السلام - قال : " بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك " فأنزل - تعالى - { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } [ الأنبياء : 101 ] يعني عزيراً والمسيح والملائكة . قال ابن الخطيب : واعلم أنَّ سؤال ابن الزبعرى غير متوجه من وجوه : أحدها : أنَّ ذلك الخطاب كان مع مشركي مكة ، وهم كانوا يعبدون الأصنام فقط . وثانيها : أنه لم يقل : ومن تعبدون بل قال : " وَمَا تَعْبُدُونَ " . كلمة " مَا " لا تتناول العقلاء ، وأما قوله تعالى : { وَمَا بَنَاهَا } [ الشمس : 5 ] وقوله : { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } [ الكافرون : 2 ] فحمول على الشيء ، ونظيره هاهنا أن يقال : إنكم والشيء الذي تعبدون من دون الله ، لكن لفظ الشيء لا يفيد العموم فلا يتوجه سؤال ابن الزبعرى . وثالثها : أنَّ مَنْ عَبَد الملائكة لا يَدَّعِي أنهم آلهة وقال سبحانه { لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ ءَالِهَةً مَّا وَرَدُوهَا } . ورابعها : أنه ثبت العموم لكنه مخصوص بالدلائل العقلية والسمعية في حق الملائكة والمسيح وعزير لبراءتهم من الذنوب والمعاصي ، ووعد الله إياهم بكل مكرمة ، وهو المراد بقوله سبحانه { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } [ الأنبياء : 101 ] . وخامسها : الجواب الذي ذكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أنهم كانوا يعبدون الشياطين . فإن قيل : الشياطين عقلاء ولفظ " مَا " لا يتناولهم ، فكيف قال ذلك ؟ قلنا : كأنه - عليه السلام - قال : لو ثبت لكم أنه يتناول العقلاء فسؤالكم أيضاً غير لازم من هذا الوجه . فإما ما قيل : إنه - عليه السلام - سكت عند إيراد ابن الزبعرى هذا السؤال ، فهو خطأ ، لأنه لا أقل من أنه - عليه السلام - كان يتنبّه لهذه الأجوبة التي ذكرها المفسرون ، لأنه أعلم منهم باللغة وبتفسير القرآن ، فكيف يجوز أن تظهر هذه الأجوبة لغيره ، ولم يظهر له منها شيء . فإن قيل : يجوز أن يسكت عليه السلام انتظاراً للبيان . قلنا : كان البيان حاضراً معه ، فلم يجز عليه السكوت ، لكي لا يتوهم عليه الانقطاع من سؤالهم . ومن الناس من أجاب عن سؤال ابن الزبعرى ، فقال : إن الله - تعالى - يُصَوِّرُ لهم في النار ملكاً على صورة مَنْ عبدوه وحينئذ تبقى الآية على ظاهرها وهذا ضعيف من وجهين : الأول : أنَّ القوم لم يعبدوا تلك الصورة وإنما عبدوا شيئاً آخر لم يحصل معهم في النار . الثاني : أنَّ الملك لا يصير حصب جهنم في الحقيقة ، وإن صح أن يدخلها ، فإنَّ خزنة النار يدخلونها مع أنهم ليسوا حصب جهنم . فصل الحكمة في أنهم قرنوا بآلهتهم أمور : أحدها : أنَّهم لا يزالون بمقارنتهم في زيادة غم وحسرة لأنهم ما وقعوا في ذلك العذاب إلا بسببهم ، والنظر إلى وجه العدوّ باب من العذاب . وثانيها : أنّهم قَدَّرُوا أن يشفعوا لهم في الآخرة ، فإذا وجدوا الأمر على عكس ما قَدَّرُوا لم يكن شيء أبغض إليهم منهم . وثالثها : أنَّ إلقاءها في النار يجري مجرى الاستهزاء بها . ورابعها : قيل ما كان منها حجراً أو حديداً يحمى فيعذب بعبادها ، وما كان خشباً يجعل جمرة يعذب بها صاحبها . قوله تعالى : { لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ ءَالِهَةً مَّا وَرَدُوهَا } اعلم أنّ قوله : " وَمَا تَعْبُدُونَ " بالأصنام أليق ، لدخول لفظ " مَا " وهذا الكلام بالشياطين أليق ، لقوله : " هَؤُلاَءِ " ويحتمل أن يريد الشياطين والأصنام وغلب العقلاء ونبه الله - تعالى - على أنه مَنْ يرمى في النار لا يمكن أن يكون إلهاً . قال ابن الخطيب : وهنا سؤال ، وهو أنَّ قوله { لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ ءَالِهَةً مَّا وَرَدُوهَا } لكنهم وردوها ، فهم ليسوا ءَالهة ، وهذه الحجة إما أن يكون ذكرها لنفسه أو لغيره ، فإن ذكرها لنفسه فلا فائدة فيه ، لأنه كان عالماً بأنها ليست آلهة ، وإن ذكرها لغيره فإما أن يذكرها لمن يُصَدق بنبوته ، ( أو ذكرها لمن يُكَذّب بنبوته ) فإن ذكرها لِمَنْ يُصَدّق بنبوته فلا حاجة إلى هذه الحجة ، لأنّ كل مَنْ صدق بنبوته لم يقل بالإهية هذه الأصنام ، وإن ذكرها لمن كذب بنبوته فذلك المكذب لا يسلم أنّ تلك الآلهة يردون النار ، فكان ذكر هذه الحجة لا فائدة فيه كيف كان . وأيضاً فالقائلون بإلاهيتها لم يعتقدوا إلا كونها تماثيل الكواكب أو صورة الشفعاء ، وذلك لا يمنع من دخولها النار . وأجيب عن ذلك بأن المفسرين قالوا : المعنى لو كان هؤلاء - يعني الأصنام - آلهة على الحقيقة ما وردوها ، أي : ما دخل عابدوها النار . قوله : " ءَالِهَةً " العامة على النصب خبراً لـ " كَانَ " . وقرأ طلحة بالرفع وتخريجها كتخريج قوله : @ 3740 - إذَا مُتَّ كَانَ النَّاسُ صِنْفَانِ @@ ففيها ضمير الشأن . قوله : { وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ } يعني : العابدين والمعبودين ، وهو تفسير لقوله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } . وقوله : { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ } قال الحسن : الزفير هو اللهيب ، أي : يرتفعون بسبب لهب النار حتى إذا ارتفعوا وأرادوا الخروج ضربوا بمقامع الحديد ، فهوَوا إلى أسفلها سبعين خريفاً . قال الخليل : الزفير أن يملأ الرجل صدره غماً ثم يتنفس . قال أبو مسلم : قوله : " لَهُمْ " عام لكل مُعَذب ، فيقول : لهم زفير من شدة ما ينالهم والضمير في قوله : " وَهُمْ فِيهَا " يرجع إلى المعبودين أي : لا يسمعون صراخهم وشكواهم ، ومعناه أنهم لا يغيثونهم ، وشبهه : ( سمع الله لمن حمده ) ، أي : أجاب الله دعاه . وقوله : { وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ } على قول أبي مسلم محمول على الأصنام . ومن حمله على الكفار فيحتمل ثلاثة أوجه : أحدها : أنَّ الكفار يحشرون صماً كما يحشرون عمياً زيادة في عذابهم . والثاني : لا يسمعون ما ينفعهم ، لأنهم إنما يسمعون أصوات المعذبين ، أو كلام مَنْ يتولى تعذيبهم من الملائكة . والثالث : قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : ( إنَّ الكفار يجعلون في توابيت من نار ، ثم يجعل تلك التوابيت في توابيت أخر ، ثم تلك التوابيت في توابيت أخر من نار عليها مسامير من نار ، فلذلك لا يسمعون شيئاً ، ولا يرى أحد منهم أنَّ أحداً يعذب غيره . والأول ضعيف ، لأنَّ أهل النار يسمعون كلام أهل الجنة ، فلذلك يستغيثون بهم على ما ذكره الله تعالى في سورة الأعراف ) .