Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 47-51)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } الآية . نزلت في النضر بن الحارث حيث قال : { إنْ كَان هَذَا هُوَ الحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاء } [ الأنفال : 32 ] . وهذا يدل على أنه - عليه السلام - كان يخوفهم بالعذاب إن استمروا على كفرهم ، ولهذا قال : { وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } ، فأنجز ذلك يوم بدر . ثم بين أن العاقل لا ينبغي له أن يستعجل عذاب الآخرة فقال : { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ } أي فيما ينالهم من العذاب وشدته { كَأَلْفِ سَنَةٍ } ، فبين تعالى أنهم لو عرفوا حال عذاب الآخرة وأنه بهذا الوصف لما استعجلوه . قاله أبو مسلم وقيل : المراد طول أيام الآخرة في المحاسبة . وقيل : إن اليوم الواحد وألف سنة بالنسبة إليه على السواء ، لأنه القادر الذي لا يعجزه شيء ، فإذا لم يستبعدوا إمهال يوم فلا يستبعدوا إمهال ألف سنة " مِمَّا تَعُدُّون " قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي " يَعُدُّون " بياء الغيبة ، لقوله : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ } وقرأ الباقون بالتاء ، لأنه أعمّ ، ولأنه خطاب للمسلمين . واتفقوا في " تنزيل " السجدة بالتاء . قال ابن عباس : يعني يوماً من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض وقال مجاهد وعكرمة : يوماً من أيام الآخرة ، لما روى أبو سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ صَعَالِيكِ المُهاجِرِينَ بالفَوْزِ التَّام يَوْمَ القِيَامَة تَدْخلونَ الجَنَّة قَبْلَ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ بِنِصْفِ يَوْم ، وذَلِكَ قَدر خَمْسمائةِ سَنَة " . قوله : { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ } أي : أمهلتها مع استمرارهم على ظلمهم ، فاغتروا بذلك التأخير ، " ثُمَّ أَخَذْتُهُم " بأن أنزلت العذاب بهم ومع ذلك فعذابهم مدخر ، وهو معنى قوله " وَإليَّ المَصِير " . فإن قيل : ما الفائدة في قوله أولاً " فكأين " بالفاء ، وهاهنا قال " وكأين " بالواو ؟ فالجواب : أن الأولى وقعت بدلاً من قوله { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [ الحج : 44 ] ، وأما هذه فحكمها ما تقدمها من الجملتين المعطوفتين بالواو ، أعني قوله : { وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ } . قوله : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أمر رسوله بأن يديم لهم التخويف والإنذار ، وأن لا يصده استعجالهم للعذاب على سبيل الهزء عن إدامة التخويف والإنذار ، وأن يقول لهم : إنما بعثت للإنذار فاستهزاؤكم بذلك لا يمنعني منه . قوله : { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } . لما أمر الرسول بأن يقول لهم : إني نذير مبين أردف ذلك بأن أمره بوعدهم ووعيدهم ، لأن هذه صفة المنذر ، فقال : { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } فجمع بين الوصفين ، وهذا يدل على أن العمل خارج عن مسمى الإيمان ، وبه يبطل قول المعتزلة ويدخل في الإيمان كل ما يجب من الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان ، ويدخل في العمل الصالح كل واجب وترك المحظور ، ثم بين تعالى أن من جمع بينهما فالله تعالى يجمع له بين المغفرة والرزق الكريم ، فالمغفرة عبارة عن غفران الصغائر ، أو عن غفران الكبائر بعد التوبة ، أو عن غفرانها قبل التوبة ، والأولان واجبان عند الخصم ، وأداء الواجب لا يسمى غفراناً فبقي الثالث وهو العفو عن أصحاب الكبائر من أهل القبلة . وأما الرزق الكريم فهو إشارة إلى الثواب ، والكريم : هو الذي لا ينقطع أبداً وقيل : هو الجنة . قوله : { وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } أي : اجتهدوا في ردها والتكذيب بها وسموها سحراً وشعراً وأساطير الأولين ، يقال لمن بذل جهده في أمر : إنه سعى فيه توسعاً ، كما إذا بلغ الماشي نهاية طاقته فيقال : إنه سعى ، وذكر الآيات وأراد التكذيب بها مجازاً ، قال الزمخشري : يقال : سعيت في أمر فلان إذا أصلحه أو أفسده بسعيه . قوله : " مُعَجِّزِينَ " قرأ أبو عمرو وابن كثير بتشديد الجيم هنا وفي حرفي سبأ . والباقون : " مُعَاجِزِين " في الأماكن الثلاثة . والجحدري كقراءة ابن كثير وأبي عمرو في جميع القرآن . وابن الزبير " مُعْجِزِين " بسكون العين فأما الأولى ففيها وجهان : أحدهما : قال الفارسي : معناه ناسبين أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى العجز نحو : فسقته ، أي : نسبته إلى الفسق . والثاني : أنها للتكثير ومعناها مثبطين الناس عن الإيمان . وأما الثانية فمعناها ظانين أنهم يعجزوننا ، وقيل : معاندين . وقال الزمخشري : عاجَزَه : سَابَقَه ، لأن كل واحد منهما في طلب إعجاز الآخر عن اللحاق به ، فإذا سبقه قيل : أَعْجَزَه وعَجَّزَه . فالمعنى : سَابِقِين أو مُسَابقين في زعمهم وتقديرهم طامعين أن كيدهم للإسلام يتم لهم والمعنى : سعوا في معناها بالفساد . وقال أبو البقاء : إن " مُعَاجِزِين " في معنى المُشَدَّد مثل : عَاهَد : عَهَّد ، وقيل : عاجَزَ سَابَق ، وعَجَّز : سَبَق . فصل اختلفوا في المراد هل معاجزين لله أو الرسول والمؤمنين ، والأقرب هو الثاني لأنهم إن أنكروا الله استحال منهم أن يطمعوا في إعجازه ، وإن أثبتوه فيبعد أن يعتقدوا أنهم يُعْجِزُونه ويغلبونه ، ويصح منهم أن يظنوا ذلك في الرسول بالحيل والمكايد . فأما القائلون بالأول فقال قتادة : ظانين ومقدرين أنهم يعجزوننا بزعمهم وأن لا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار ، أو يعجزوننا : يفوتوننا فلا نقدر عليهم كقوله تعالى { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا } [ العنكبوت : 4 ] ، أو يعجزون الله بإدخال الشُّبَهِ في قلوب الناس . وأما معاجزين فالمغالبة في الحقيقة ترجع إلى الرسول والأمة لا إلى الله تعالى . ثم قال : { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } أي : أنهم يدومون فيها .