Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 5-7)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ } الآية . لما حكى عنهم الجدال بغير علم في إثبات الحشر والنشر ، وذمَّهم عليه ، ألزمهم الحجة ، وأورد الدلالة على صحة ذلك من وجهين : أحدهما : الاستدلال بخلقة الحيوان أولاً ، ثم بخلقة النبات ثانياً ، وهذا موافق لما أجمله في قوله : { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ يس : 79 ] . وقوله : { فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ الإسراء : 51 ] . فكأنه تعالى قال : { إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ } أي شك من البعث ففكروا في خلقتكم الأولى لتعلموا أن القادر على خلقكم أولاً قادر على خلقكم ثانياً . قوله : " مِنَ البَعْثِ " . يجوز أن يتعلق بـ " رَيْبٍ " ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة لـ " ريب " . وقرأ الحسن " البَعَثِ " بفتح العين ، وهي لغة كالطَّرَدِ والحَلَبِ في الطَّرْد والحَلْب بالسكون . قال أبو حيان : والكوفيون إسكان العين عندهم تخفيف فيما وسطه حرف حلق كالنَّهْر والنَّهَر ، والشَّعْر والشَّعَر ، والبصريون لا يقيمونه ، وما ورد من ذلك هو عندهم مما جاء فيه لغتان . وهذا يوهم ظاهره أن الأصل : البعث - بالفتح - وإنما خفف ، وليس الأمر كذلك وإنما محل النزاع إذا سمع الحلقي مفتوح العين هل يجوز تسكينه أم لا ؟ لا أنه كلما جاء ساكن العين من ألحقها يدعي أن أصلها بالفتح كما هو ظاهر عبارته . قوله : { فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } أي : خلقنا أصلكم وهو آدم من تراب نظيره قوله : { كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } [ آل عمران : 59 ] وقوله : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُم } [ طه : 55 ] . ويحتمل أن خلقة الإنسان من المني ودم الطمث وهما إنما يتولدان من الأغذية ، والأغذية إما حيوان أو نبات ، وغذاء الحيوان ينتهي إلى النبات قطعاً للتسلسل والنبات إنما يتولد من الأرض والماء فصحّ قوله : { إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } . فصل قال النووي في التهذيب : التراب معروف ؛ والمشهور الصحيح الذي قاله الفراء والمحققون أنه جنس لا يثنى ولا يجمع . ونقل أبو عمر الزاهد في شرح الفصيح عن المبرد أنه قال : هو جمع واحدته ترابة ، والنسبة إلى التراب ترابي . وذكر النحاس في كتابه صناعة الكتاب : في التراب خمس عشرة لغة فقال يقال : تراب وتَوْرب على وزن جعفر ، وتَوْرَاب ، وتَيْرب - بفتح أولهما - والإِثلب والأَثلَب الأول بكسر الهمزة واللام ، والثاني بفتحهما ، والثاء مثلثة فيهما ومنه قولهم : بفيه الأثلب ، وهو الكَثْكَث - بفتح الكافين وبالثاء المثلثة المكررة ، والكثكث - بكسر الكافين - والدِّقعِم - بكسر الدال والعين - والدَّقعاء بفتح الدال والمد ، والرَّغام - بفتح الراء والغين المعجمة - ومنه : أرغم الله أنفه ، أي : ألصقه بالرغام وهو البرا مقصور مفتوح الباء الموحدة كالعصا ، والكِلْخِم بكسر الكاف والخاء المعجمة وإسكان اللام بينهما ، والكِلْخ بكسر الكاف واللام وإسكان الميم بينهما والخاء أيضاً معجمة ، والعِثْير بكسر العين المهملة وإسكان الثاء المثلثة وبعدها مثناة من تحت مفتوحة . قوله : { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } والنطفة اسم للماء القليل ، أي ماء كان ، وهو هنا ماء الفحل ، وجمعها نطاف ، فكأنه سبحانه يقول : أنا الذي قلبت ذاك التراب اليابس ماء لطيفاً مع أنه لا مناسبة بينهما . والمراد من الخلق من النطفة الذرية . قوله : { ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ } والعلقة قطعة الدم الجامدة ، وجمعها عَلَق ولا شك أن بين الماء وبين الدم الجامد مباينة شديدة . وعن بعضهم وقد سئل عن أصعب الأشياء فقال : وقع الزلق على العلق ، أي : على دم القتلى في المعركة . قوله : { ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ } المُضْغَة : القطعة من اللحم قدر ما يمضغ نحو الغُرْفَة ، والأكْلَة بمعنى المغروفة والمأكولة . قوله : { مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } العامة على الجر في " مُخَلَّقةٍ " وفي " غَيْر " على النعت . وقرأ ابن أبي عبلة بنصبهما على الحال من النكرة ، وهو قليل جداً ، وإن كان سيبويه قاسه . والمُخَلَّقَة : الملساء التي لا عيب فيها من قولهم : صخرة خلقاء ، أي : ملساء وخَلَّقْتُ السواك : سوَّيْتُه ومَلَّسْتُه . وقيل : التضعيف في " مُخَلَّقَة " دلالة على تكثير الخلق ؛ لأن الإنسان ذو أعضاء متباينة وخلق متفاوتة . قاله الشعبي وقتادة وأبو العالية وقال ابن عباس وقتادة : " مُخَلَّقة " تامة الخلق ، و " غير مخلقة " أي ناقصة الخلق . وأبو مجاهد : مصورة وغير مصورة ، وهو السقط . وقيل : المُخَلَّقَة من تمت فيه أحوال الخلق ، وغير المخلقة من لم يتم فيه أحوال الخلق قاله قتادة والضحاك . وقيل : المُخَلَّقة الولد الذي تأتي به المرأة لوقته ، وغير المخلقة السقط . وروى علقمة عن ابن مسعود قال : " إن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه ، وقال : أي رب مخلقة أو غير مخلقة ، فإن قال : غير مخلقة قذفها في الرحم دماً ولم يكن نسمة ، وإن قال : مخلقة ، قال الملك : أي رب أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد ، ما الأجل ما العمل ما الرزق وبأي أرض تموت ؟ فيقال له : اذهب إلى أم الكتاب فإنك تجد فيها كل ذلك ، فيذهب فيجدها في أم الكتاب فينسخها فلا يزال معه حتى يأتي على آخر صفته " . قوله : " لِنُبَيِّنَ لَكُم " أي : لنبين لكم كمال قدرتنا وحكمتنا في تصريف أطوار خلقكم لتستدلّوا بقدرته في ابتداء الخلق على قدرته على الإعادة وقيل : لنبين لكم أن تغيير الصفة والخلقة هو اختيار من الفاعل المختار ، ولولاه لما صار بعضه مخلقاً وبعضه غير مخلق وقيل : لنبين لكم ما تأتون وما تذرون وما تحتاجون إليه في العبادة . قوله : { وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ } على رفع " وَنُقِرُّ " ، لأنه مستأنف ، وليس علة لما قبله فينصب نسقاً على ما تقدم . وقرأ يعقوب ، وعاصم في رواية بنصبه . قال أبو البقاء : على أن يكون معطوفاً في اللفظ والمعنى مختلف ، لأن اللام في " لِنُبَيِّنَ " للتعليل واللام المقدرة مع " نُقِرُّ " للصيرورة . وفيه نظر ، لأن قوله : معطوفاً في اللفظ . يدفعه قوله : واللام المقدرة . فإن تقدير اللام يقتضي النصب بإضمار ( أن ) بعدها لا بالعطف على ما قبله . وعن عاصم أيضاً : " ثُمَّ نُخْرِجَكُمْ " بنصب الجيم . وقرأ ابن أبي عبلة " لِيُبَيِّنَ " و " يُقِرُّ " بالياء من تحت فيهما ، والفاعل هو الله تعالى كما في قراءة النون . وقرأ يعقوب في رواية " ونَقُرُّ " بفتح النون وضم القاف ورفع الراء من قرَّ الماء يقرُّه أي : صبَّه . وقرأ أبو زيد النحوي " ويَقر " بفتح الياء من تحت وكسر القاف ونصب الراء أي : ويقر الله وهو من قَرَّ الماء إذا صبه . وفي الكامل لابن جبارة " لنبين ، ونقر ، ثم نخرجكم " بالنصب فيهن يعني بالنون في الجميع ، المفضل بالياء فيهما مع النصب أبو حاتم ، وبالياء والرفع عن عمر بن شبة . انتهى . وقال الزمخشري : والقراءة بالرفع إخبار بأنه تعالى : يقر في الأرحام ما يشاء أن يقره . ثم قال : والقراءة بالنصب تعليل معطوف على تعليل ومعناه : جعلناكم مدرجين هذا التدريج لغرضين : أحدهما : أن نبين قدرتنا . والثاني : أن نقر في الأرحام من نقر حتى يولدوا وينشئوا ويبلغوا حد التكليف فأكلفهم ، ويعضد هذه القراءة قوله : { ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ } . قال شهاب الدين : تسميته مثل هذه الأفعال المسندة إلى الله تعالى غرضاً لا يجوز . وقرأ ابن وثاب " نِشَاء " بكسر النون وهو كسر حرف المضارعة كما تقدم في قوله : " نسْتَعِينُ " . والمراد بالأجل المسمى يعني نقر في الأرحام ما نشاء فلا نمحه ولا نسقطه إلى أجل مسمى وهو حد الولادة ، وهو آخر ستة أشهر أو تسعة أشهر أو أربع سنين كما شاء وقدر تام الخلق والمدة . قوله : { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } أي : تخرجون من بطون أمهاتكم ، " طِفْلاً " حال من مفعول " نُخْرِجُكُم " ، وإنما وحِّدَ ، لأنه في الأصل مصدر كالرضا والعدل ، فيلزم الإفراد والتذكير ، قاله المبرد ، وإما لأنه مراد به الجنس ، ولأنه العرب تذكر الجمع باسم الواحد قال تعالى : { وَالْمَلآئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } [ التحريم : 4 ] وإما لأن المعنى نخرج كل واحد منكم ، نحو : القوم يشبعهم رغيف ، أي : كل واحد منهم . وقد يطابق به ما يراد به فيقال : طفلان وأطفال ، وفي الحديث : " سُئِلَ عَنْ أَطْفَالِ المُشْرِكِينَ " والطفل يطلق على الولد من حين الانفصال إلى البلوغ . وأما الطفل - بالفتح - فهو الناعم ، والمرأة طفلة ، قال : @ 3746 - وَلَقَدْ لَهَوْتُ بِطَفْلَةٍ ميَّالةٍ بَلْهَاءَ تُطْلِعُنِي عَلَى أَسْرَارِهَا @@ وقال : @ 3747 - أَحْبَبْتُ فِي الطَّفْلَةِ القُبَلاَ لاَ كَثِيراً يُشْبِه الحولا @@ أما الطَّفَل : بفتح الفاء والطاء - فوقت ( ما بعد العصر ، من قولهم : طفلت الشمس : إذا مالت للغروب ، وأطفلت المرأة أي صارت ذات طفل ) . قوله : { ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ } الأَشُدُّ : كمال القوة والعقل ، وهو من ألفاظ الجموع التي لا واحد لها ، فبنيت لذلك على لفظ الجمع ، والمعنى : أنه سهل في تربيتكم وأغذيتكم أموراً كثيراً إلى بلوغ أشدكم ، فنبه بذلك على الأحوال التي بين خروج الطفل من بطن أمه وبين بلوغ الأشد ، لأن بين الحالتين وسائط . قوله : { وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ } العامة على ضم الياء من " يُتَوَفَّى " وقرأت فرقة " يَتَوفَّى " بفتح الياء ، وفيه تخريجان : أحدهما : أن الفاعل ضمير الباري تعالى ، أي : يتوفاه الله تعالى . كذا قدره الزمخشري . الثاني : أن الفاعل ضمير " من " أي : يتوفى أجله وهذه القراءة كالتي في البقرة { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ } [ البقرة : 234 ، 240 ] أي : مدتهم . ومعنى الآية : { وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ } على قوته وكماله ، { وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } وهو الهرم والخوف فيصير كما كان في أوان الطفولية ضعيف البنية سخيف العقل قليل الفهم . وروي عن أبي عمرو ونافع أنهما قرآ " العُمْر " بسكون الميم وهو تخفيف قياسي نحو عُنْق في عُنُق . قوله : " لِكَيْلاَ يَعْلَم " هذا الجار يتعلق بـ " يرد " وتقدم نظيره في النحل والمعنى يبلغ من السن ما يتغير عقله فلا يعقل شيئاً . فإن قيل : إنه يعلم بعض الأشياء كالطفل فالجواب : المراد أنه يزول عقله فيصير كأنه لا يعلم شيئاً . لأن مثل ذلك قد يذكر في النفي مبالغة . ومن الناس من قال هذه الحال لا تحصل للمؤمنين لقوله تعالى : { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ التين : 5 ، 6 ] وهو ضعيف ، لأن معنى قوله " ثُمَّ رَدَدْنَاهُ " دلالة على الذم ، فالمراد ما يجري مجرى العقوبة ، ولذلك قال { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } [ التين : 6 ] وهذا تمامِ الاستدلال بخلقة الحيوان . وأما الاستدلال بخلقة النبات فهو قوله تعالى : { وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً } فنصب " هَامِدَةً " على الحال ، لأن الرؤية بصرية . والهمود : الخشوع والسكون ، وهمدت الأرض : يبست ودرست ، وهمد الثوب : بلي ، قال الأعشى : @ 3748 - فَالَتْ قُتَيْلَة مَا لجِسْمِكَ شَاحِباً وَأَرَى ثِيَابَكَ بَاليَاتٍ هُمَّدَا @@ والاهتزاز التحرك ، وتجوز به هنا عن إنبات الأرض نباتها بالماء . والجمهور على " رَبَتْ " أي : زادت من ربا يربو . وقرأ أبو جعفر وعبد الله بن جعفر وأبو عمرو في رواية " وربأت " بالهمز أي ارتفعت . يقال : ربأ بنفسه عن كذا ، أي : ارتفع عنه ، ومنه الربيئة ، وهو من يطلع على موضع عال لينظر للقوم ما يأتيهم ، وهو عين القوم ، ويقال له : ربيء أيضاً قال الشاعر : @ 3749 - بَعَثْنَا رَبيْئاً قَبْلَ ذَلِكَ مُخْملا كَذِئْبِ الغَضَا يَمْشِي الضّراءَ وَيَتَّقِي @@ قوله : { مِن كُلِّ زَوْجٍ } . فيه وجهان : أحدهما : أنه صفة للمفعول المحذوف ، تقديره : وأنبتت ألواناً أو أزواجاً من كل زوج . والثاني : أن ( من ) زائدة ، أي أنبتت كل زوج ، وهذا ماش عند الكوفيين والأخفش والبهيج : الحسن الذي يسر ناظره ، وقد بَهُج بالضم بهاجة وبَهْجَةً أي حسن وأبهجني كذا أي : سرني بحسنه . فصل المعنى : { وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً } يابسة لا نبات فيها ، { فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ } المطر " اهْتَزَّت " تحركت بالنبات ، والاهتزاز الحركة على سرور ، ورَبَتْ أي : ارتفعت وزادت ، وذلك أن الأرض ترتفع وتنتفخ ، فذلك تحركها . وقيل : فيه تقديم وتأخير معناه : ربت واهتزت . قال المبرد : أراد اهتزت وربا نباتها فحذف المضاف . والاهتزاز في النبات أظهر يقال : اهتز النبات ، أي : طال ، وإنما أنث لذكر الأرض . { وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } وهذا مجاز لأن الأرض لا تنبت وإنما المنبت هو الله تعالى ، لكنه يضاف إليها توسعاً . ومعنى من كل نوع من أنواع النبات والبهجة : حسن الشيء ونضارته ، ثم إنه تعالى لما قرر هذين الدليلين رتب عليهما ما هو المطلوب وذلك قوله تعالى { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } الآية . " ذلك " فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه مبتدأ والخبر الجار بعده ، والمشار إليه ما تقدم من خلق بني آدم وتطويرهم ، والتقدير : ذلك الذي ذكرنا من خلق بني آدم وتطويرهم حاصل بأن الله هو الحق وأنه إلى آخره . الثاني : أن " ذلك " خبر مبتدأ مضمر أي : الأمر ذلك . الثالث : أن " ذلك " منصوب بفعل مقدر ، أي : فعلنا ذلك بسبب أن الله تعالى هو الحق فالباء على الأول مرفوعة المحل ، وعلى الثاني والثالث منصوبة . قوله : { وأن الساعة آتية } فيه وجهان : أحدهما : أنه عطف على المجرور بالباء ، أي : ذلك بأن الساعة . والثاني : أنه ليس معطوفاً عليه ، ولا داخلاً في حيز السببية ، وإنما هو خبر والمبتدأ محذوف لفهم المعنى ، والتقدير : والأمر أن الساعة آتية و { لاَّ رَيْبَ فِيهَا } يحتمل أن تكون هذه الجملة خبراً ثانياً ، وأن تكون حالاً . فصل المعنى : ذلك لتعلموا أن الله هو الحق ، والحق هو الموجود الثابت فكأنه تعالى بَيَّن أن هذه الوجوه المتنافية وتواردها على الأجسام يدل على وجود الصانع . { وَأَنَّهُ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } وهذا تنبيه على أنه لما لم يستبعد من الإله إيجاد هذه الأشياء ، فكيف يستبعد منه إعادة الأموات . { وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي : وأن الذي يصح منه إيجاد هذه الأشياء لا بد وأن يجب اتصافه بهذه القدرة لذاته ، ومن كان كذلك كان قادراً على الإعادة . { وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور } والمعنى : أنه تعالى لما أقام الدلائل على أن الإعادة في نفسها ممكنة ، وأنه سبحانه قادر على كل الممكنات وجب القطع بكونه قادراً على الإعادة وإذا ثبت الإمكان والصادق أخبر عن وقوعه ، فلا بد من القطع بوقوعه .