Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 3-4)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ } الآية . في النظم وجهان : الأول : أنه أخبر فيما تقدم عن أهل القيامة وشدتها ، ودعا الناس إلى تقوى الله ، ثم ميز في هذه الآية قوماً من الناس الذين ذكروا في الأولى وأخبر عن مجادلتهم . الثاني : أنه تعالى بيَّن أنه مع هذا التحذير الشديد بذكر زلزلة الساعة وشدائدها ، قال : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } . قوله : " مَنْ يُجَادِلُ " يجوز أن تكون " مَنْ " نكرة موصوفة ، وأن تكون موصولة ، و " فِي اللَّهِ " أي : في صفاته ، و " بِغَيْرِ عِلْمٍ " مفعول أو حال من فاعل " يُجَادِلُ " وقرأ زيد بن عليّ " وَيَتْبَع " مخففاً . فصل قال المفسرون : نزلت في النضر بن الحارث ، كان كثير الجدل ، وكان يقول : الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين ، وكان ينكر البعث ، وإحياء من صار تراباً ، ويتبع في جداله في الله بغير علم كل شيطان مريد . والمَرِيد : المتمرد المستمر في الشر . يريد شياطين الإنس ، وهم رؤساء الكفار الذين يدعون من دونهم إلى الكفر . وقيل : أراد إبليس وجنوده ، قال الزجاج المريد والمارد : المرتفع الأملس . يقال : صخرة مرداء ، أي : ملساء . ويجوز أن يستعمل في غير الشيطان إذا جاوز [ حد ] مثله . قوله : { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ } قرأ العامة " كُتِبَ " مبنياً للمفعول ، وفتح " أَنّ " في الموضعين . وفي ذلك وجهان : أحدهما : أن " أَنَّه " وما في حيزه في محل نصب لقيامه مقام الفاعل ، فالهاء في " عَلَيْه " ، وفي " أَنَّه " تعودان على " من " المتقدمة . و " مَنْ " الثانية يجوز أن تكون شرطية ، والفاء جوابها ، وأن تكون موصولة والفاء زائدة في الخبر لشبه المبتدأ بالشرط ، وفتحت " أن " الثانية ، لأنها وما في حيزها في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره : فشأنه وحاله أنه يضله ، أو يقدر " فَأَنَّه " مبتدأ والخبر محذوف أي : فله أنه يضله . الثاني : قال الزمخشري : ومن فتح فلأن الأول فاعل كتب ، والثاي عطف عليه . قال أبو حيان : وهذا لا يجوز ؛ لأنك إذا جعلت " فَأَنَّه " عطفاً على " أنه " بقيت " أنه " بلا استيفاء خبر ، لأن " من تولاه " " من " فيه مبتدأة فإن قدرتها موصولة فلا خبر لها حتى تستقل خبراً لـ " أَنَّه " ، وإن جعلتها شرطية فلا جواب لها ، إذ جعلت " فأنه " عطفاً على " أنه " . قال شهاب الدين : وقد ذهب ابن عطية إلى مثل قول الزمخشري فإنه قال : و " أنه " في موضع رفع ( على المفعول الذي لم يسم فاعله . و " أنه " الثانية عطف على الأولى مؤكد وهذا رد واضح . وقرئ " كُتِبَ " مبنياً للفاعل ، أي : كتب الله ، فـ ( أن ) وما في حيزها في محل نصب ) على المفعول به ، وباقي الآية على ما تقدم . وقرأ الأعمش والجعفي عن أبي عمرو " إنه ، فإنه " بكسر الهمزتين . وقال ابن عطية : وقرأ أبو عمرو " إنه ، فإنه " بالكسر فيهما وهذا يوهم أنه مشهور عنه ، وليس كذلك . وفي تخريج هذه القراءة ثلاثة أوجه ، ذكرها الزمخشري : الأول : أن يكون على حكاية المكتوب كما هو ، كأنه قيل : كتب عليه هذا اللفظ ، كما تقول : كتب عليه إن الله هو الغني الحميد . الثاني : أن يكون على إضمار قيل . الثالث : أن " كتب " فيه معنى قيل . قال أبو حيان : أمّا تقدير قيل يعني فيكون " عليه " في موضع مفعول ما لم يسم فاعله ، و " أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّه " الجملة مفعول لم يسم لقيل المضمر ، وهذا ليس مذهب البصريين فإن الجملة عندهم لا تكون فاعلاً فلا تكون مفعول ما لم يسم فاعله . وكان أبو حيان قد اختار ما بدأ به الزمخشري أولاً ، وفيه ما فَرَّ منه وهو أنه أسند الفعل إلى الجملة فاللازم مشترك ، وقد تقدم تقرير مثل هذا في أول البقرة . ثم قال : وأما الثاني يعني أنه ضمن " كُتِبَ " معنى القول - ، فليس مذهب البصريين ، لأنه لا تكسر " أن " عندهم إلا بعد القول الصريح ، لا ما هو بمعناه . والضميران في " عَلَيه " و " أَنَّه " عائدان على " مَنْ " الأولى كما تقدم ، وكذلك الضمائر في " تَوَلاَّه " و " فَأَنَّه " والمرفوع في " يضله ويهديه " لأن من الأولى هو المحدث عنه والضمير المرفوع في " تولاه " والمنصوب في " يضله ويهديه " عائد على " من " الثانية . وقيل : الضمير في " عليه " لـ " كُلَّ شَيْطَانٍ " ، والضمير في " فَأَنَّه " للشأن . وقال ابن عطية : الذي يظهر لي أن الضمير الأول في " أنه " يعود على " كُلَّ شَيْطَانٍ " وفي " فأنه " يعود على " من " الذي هو المتولى . فصل قيل : معنى " كُتِبَ عَلَيْه " مثل ، أي : كأنما كتب إضلال من يتولاه عليه لظهور ذلك في حاله . وقيل : كتب عليه في أم الكتاب . واعلم أن هذا الكلام يحتمل أن يكون راجعاً إلى " مَنْ يُجَادِلُ " ، وأن يرجع إلى الشياطين . فإن رجع إلى " مَنْ يُجَادِلُ " فإنه يرجع إلى لفظه الذي هو موحد فكأنه قال : كتب : من يتبع الشيطان أضله عن الجنة وهداه إلى النار ، وذلك زجر منه ، فكأنه قال : كتب على من هذا حاله أن يصير أهلاً لهذا الوعد . وإن رجع إلى الشيطان كان المعنى ويتبع كل شيطان مريد قد كتب عليه أنه من يتولاه فهو ضال . وعلى هذا الوجه أيضاً يكون زجراً عن اتباعه .