Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 67-69)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ } لما عدد نعمه وأنه لرؤوف رحيم بعباده ، وإن كان منهم من يكفر ولا يشكر ، أتبعه بذكر نعمه بما كلَّف ، فقال : { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً } . وحذف الواو من قوله : " لِكُلِّ أُمَّةٍ " لأنه لا تعلق لهذا الكلام بما قبله فحذف العاطف . قال الزمخشري : لأن تلك وقعت مع ما يدانيها ويناسبها من الآي الواردة في أمر النسائك فعطفت على أخواتها ، وأما هذه فواقعة مع أباعد عن معناها فلم تجد معطفاً . قوله : " هم ناسكوه " هذه الجملة صفة لـ " مَنْسَكاً " . وقد تقدم أنه يقرأ بالفتح والكسر ، وتقدم الخلاف فيه هل هو مصدر أو مكان . وقال ابن عطية : " نَاسِكُوه " يعطي أن المنسك المصدر ، ولو كان مكاناً لقال : ناسكون فيه . يعني أن الفعل لا يتعدى إلى ضمير الظرف إلا بواسطة ( في ) . وما قاله غير لازم ، لأنه قد يتسع في الظرف فيجري مجرى المفعول فيصل الفعل إلى ضميره بنفسه ، وكذا ما عمل عمل الفعل . ومن الاتساع في ظرف الزمان قوله : @ 3777 - وَيَوْمٍ شَهِدْنَاهُ سُلَيْماً وَعَامِراً قَلِيْلٍ سِوَى الطَّعْنِ النِّهَالِ نَوَافِلُه @@ ومن الاتساع في ظرف المكان قوله : @ 3778 - وَمَشْرَبٍ أَشْرَبُه وشيلٍ لاَ آجِنُ المَاءِ وَلاَ وَبِيْلُ @@ يريد أشرب فيْه . فصل روي عن ابن عباس : المَنْسَك شريعة عاملون بها ، ويؤيده قوله تعالى : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } [ المائدة : 48 ] . وروي عنه أنه قال : عيداً يذبحون فيه . وقال مجاهد وقتادة : قربان يذبحون . وقيل : موضع عبادة . وقيل : مألفاً يألفونه والأول أولى لأن المنسك مأخوذ من النسك وهو العبادة ، وإذا وقع الاسم على عبادة فلا وجه للتخصيص . فإن قيل : هلا حملتموه على الذبح ، لأن المنسك في العرف لا يفهم منه إلا الذبح وهلا حملتموه على موضع العبادة وعلى وقتها ؟ فالجواب عن الأول : لا نسلم أن المنسك في العرف مخصوص بالذبح ، لأن سائر أفعال الحج تسمى مناسك قال عليه السلام : " خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم " . وعن الثاني : أن قوله : " هُمْ نَاسِكُوه " أليق بالعبادة منه بالوقت والمكان . " فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ " قرأ الجمهور بتشديد النون ، وقرئ بالنون الخفيفة وقرأ أبو مجلز " فَلاَ يَنْزِعُنَّكَ " من نَزَعتهُ من كذا أي قلعته منه . وقال الزجاج : هو من نَازعتُه فَنَزَعْتُه أَنْزِعُه أي : غلبته في المنازعة . ومجيء هذه الآية كقوله تعالى : { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا } [ طه : 16 ] وقولهم : لا أَرَيَّنَكَ ههنا . فصل معنى الكلام على قراءة أبي مجلز : أي اثبت في دينك ثباتاً لا يطمعون أن يخدعوك ليزيلوك عنه وعلى قراءة : " يُنَازِعُنَّكَ " فيه قولان : الأول : قال الزجاج : إنه نهي له عن منازعتهم كما تقول : لا يضاربك فلان أي : لا تضاربه . قال بعض المفسرين : { فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلأَمْرِ } في أمر الذبائح ، نزلت في بُدَيْل بن ورقاء وبشر بن سفيان ويزيد بن حُبَيش قالوا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : مَا لَكُمْ تَأْكُلُونَ مَا تَقْتُلون بأَيْدِيْكُمْ وَلاَ تَأْكُلُونَ مَا قَتَلَ اللَّه . والثاني : أن المراد أن عليهم اتباعك وترك مخالفتك ، وقد استقر الآن الأمر على شرعك ، وعلى أنه ناسخ لكل ما عداه ، فكأنه قال : كل أمة بقيت منها بقية يلزمها أن تتحول إلى اتباع الرسول - عليه السلام - فلذلك قال : { وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ } أي : لا تخص بالدعاء أمة دون أمة ، فكلهم أمتك فادعهم إلى شريعتك ، فإنك على هدى مستقيم والهدى يحتمل أن يكون نفس الدين ، وأن يكون أدلة الدين ، وهو أولى . كأنه قال : ادعهم إلى هذا الدين فإنك من حيث الدلالة على طريقة واضحة ، ولهذا قال : " وَإِنْ جَادَلُوْك " أي فإن عدلوا عن هذه الأدلة إلى المراء والتمسك بعادتهم { فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي أنه ليس بعد إيضاح الأدلة إلا هذا الجنس الذي يجري مجرى الوعيد والتحذير من يوم القيامة الذي يتردد بين جنة وثواب لمن قَبِل وبين نار وعقاب لمن رَدّ وأنكر . فقال : { ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } فتعرفون حينئذ الحق من الباطل .