Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 70-72)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } الآية . لما قال : { ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } [ الحج : 69 ] أتبعه بما به يعلم أنه تعالى عالم بما يستحقه كل أحد ، ويقع الحكم بينهم بالعدل لا بالجور فقال لرسوله : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } ، وهذا استفهام معناه تقوية قلب الرسول - عليه السلام - والوعد له وإيعاد الكافرين بأن أفعالهم كلها محفوظة عند الله لا يضل عنه ولا ينسى . والخطاب مع الرسول والمراد سائر العباد لأن الرسالة لا تثبت إلا بعد العلم بكونه تعالى عالماً بكل المعلومات ، إذ لو لم يثبت ذلك لجاز أن يشتبه عليه الكاذب بالصادق ، فحينئذ لا يكون إظهار المعجزة دليلاً على الصدق ، وإذا كان كذلك استحال أن لا يكون الرسول عالماً بذلك ، فثبت أن المراد أن يكون خطاباً مع الغير ثم قال : { إِنَّ ذٰلِكَ فِي كِتَابٍ } أي : كله في كتاب يعني اللوح المحفوظ . وقال أبو مسلم : معنى الكتاب الحِفْظ والضَّبْط والشَّد ، يقال : كَتَبْتُ المزادة أكْتُبُها إذا خَرزْتها ، فحفظت بذلك ما فيها ، ومعنى الكتاب بين الناس حفظ ما يتعاملون به ، فالمراد بالآية أنه محفوظ عنده . وأيضاً فالقول الأول يوهم أن علمه مستفاد من الكتاب . وأجيب بأن هذا القول وإن كان صحيحاً نظراً إلى الاشتقاق لكن حمل اللفظ على المتعارف أولى ، ومعلوم أن الكتاب هو ما كتب فيه الأمور . فإن قيل : أي فائدة في ذلك الكتاب إذا كان محفوظاً ؟ فالجواب أن كتبه تلك الأشياء في ذلك الكتاب مع كونها مطابقة للموجودات دليل على أنه تعالى غني في علمه عن ذلك الكتاب . وفائدة أن الملائكة ينظرون فيه ، ثم يرون الحوادث داخلة في الوجود على وفقه فيصير ذلك دليلاً لهم زائداً على كونه تعالى عالماً بكل المعلومات وقوله : { إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } أي العلم بجميع ذلك على الله يسير . والمعنى : إن ذلك مما يتعذر على الخلق لكنه متى أراده الله تعالى كان ، فعبر عن ذلك بأنه يسير ، وإن كان هذا الوصف لا يستعمل إلا فينا من حيث تسهل وتصعب علينا الأمور ، وتعالى الله عن ذلك . ثم إنه تعالى بين ما يقدم الكفار عليه مع عظم نعمه ووضوح دلائله فقال : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } حجة { وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } أي : عن جهل ، وليس لهم به دليل عقلي فهو تقليد وجهل ، والقول الذي هذا شأنه يكون باطلاً . { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } أي وما للمشركين من نصير مانع يمنعهم من عذاب الله . قوله : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا } يعني القرآن " بَيِّنَاتٍ " لأنه متضمن للدلائل العقلية وبيان الأحكام . وقوله : " تَعْرِفُ " العامة على " تعرف " خطاباً مبنياً للفاعل ، " المُنْكَر " مفعول به . وعيسى بن عمر " يُعْرَف " بالياء من تحت مبنياً للمفعول ، " المنكر " مرفوع قائم مقامل الفاعل ، والمنكر اسم مصدر بمعنى الإنكار . وقوله : " الَّذِينَ كَفَرُوا " من إقامة الظاهر مقام المضمر للشهادة عليهم بذلك ، قال الكلبي : تَعْرِف في وجوههم الكراهية للقرآن . وقال ابن عباس : التجبر والترفع . وقال مقاتل : أنكروا أن يكون من الله . قوله : " يَكَادُونَ يَسْطُونَ " هذه حال إما من الموصول ، وإن كان مضافاً إليه لأن المضاف جزؤه وإما من الوجوه لأنها يُعَبَّرُ بها عن أصحابها كقوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ } [ عبس : 40 ] ثم قال : " أُولَئِكَ هُم " . و " يَسْطُونَ " ضُمن معنى يبطشون فتعدى تعديته ، وإلا فهو متعدّ بـ ( على ) . يقال : سطا عليه ، وأصله القهر والغلبة ، وقيل : إظهار ما يهول للإخافة ، ولفلان سطوة أي تسلط وقهر . وقال الخليل والفراء والزجاج : السطو شدة البطش والمعنى يهمون بالبطش والوثوب تعظيماً لإنكار ما خوطبوا به . أي : يكادون يبطشون { بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا } أي بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من شدة الغيظ ، يقال : سطا عليه وسطا به إذا تناوله بالبطش والعنف ثم أمر رسوله بأن يقابلهم بالوعيد فقال : { قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ } أي بشر لكم وأكره إليكم من هذا القرآن الذي تسمعون . أو من غيظكم على التالين وسطوكم عليهم أو مما أصابكم من الكراهة والضجر بسبب ما تلي عليكم . قوله : " النار " تقرأ بالحركات الثلاث ، فالرفع من وجهين : أحدهما : الرفع على الابتداء والخبر الجملة من " وعَدَهَا اللَّهُ " ، والجملة لا محل لها فإنها مفسرة للشر المتقدم كأنه قيل : ما شر من ذلك ؟ ( فقيل : النار وعدها الله . والثاني : أنها خبر مبتدأ مضمر كأنه قيل : ما شر من ذلك ) فقيل : النار أي : هو النار وحينئذ يجوز في " وَعَدَهَا اللَّهُ " الرفع على كونها خبراً بعد خبر ، وأجيز أن يكون بدلاً من النار . وفيه نظر من حيث إن المبدل منه مفرد ، وقد يجاب عنه بأن الجملة في تأويل مفرد ، ويكون بدل اشتمال ، كأنه قيل : النار وعدها الله الكفار . وأجيز أن تكون مستأنفة لا محل لها . ولا يجوز أن تكون حالاً ، قال أبو البقاء لأنه ليس في الجملة ما يصلح أن يعمل في الحال . وظاهر نقل أبي حيان عن الزمخشري أنه يجيز كونها حالاً فقال : وأجاز الزمخشري أن تكون " النَّارُ " مبتدأ و " وَعَدَها " خبر ، وأن تكون حالاً على الإعراب الأول انتهى . والإعراب الأول هو كون " النار " خبر مبتدأ مضمر . والزمخشري لم يجعلها حالاً إلا إذا نصبت " النار " أو جررتها بإضمار قد . هذا نصه وإنما منع ذلك لما تقدم من قول أبي البقاء ، وهو عدم العامل . وأما النصب فهو قراءة زيد بن علي وابن أبي عبلة . وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنها منصوبة بفعل مقدر يفسره الفعل الظاهر ، والمسألة من الاشتغال . الثاني : قال الزمخشري : إنها منصوبة على الاختصاص . الثالث : أن ينتصب بإضمار أعني ، وهو قريب مما قبله أو هو هو . وأما الجر فهو قراءة ابن إبي إسحاق وإبراهيم بن نوح ، على البدل من " شَرّ " والضمير في " وَعَدَهَا " قال أبو حيان : الظاهر أنه هو المفعول الأول ، على أنه تعالى وعد النار بالكفار أن يطعمها إياهم ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ ق : 30 ] ، ويجوز أن يكون الضمير هو المفعول الثاني و " الَّذِينَ كَفَرُوا " هو المفعول الأول ، كما قال : { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ } [ التوبة : 68 ] . قال شهاب الدين : وينبغي أن يتعين هذا الثاني ، لأنه متى اجتمع بعد ما يتعدى إلى اثنين شيئان ليس ثانيهما عبارة عن الأول ، فالفاعل المعنوي رتبته التقديم وهو المفعول الأول ، ونعني بالفاعل المعنوي من يتأتى منه فعل ، فإذا قلت : وعدت زيداً ديناراً . فالدينار هو المفعول ، لأنه لا يتأتى منه فعل ، وهو نظير أعطيت زيداً درهماً . فزيد هو الفاعل ، لأنه آخذ للدرهم . وقوله : " وَبِئْسَ المَصِير " المخصوص بالذم محذوف تقديره : وبئس المصير هي النار . فصل والمعنى : أن الذي ينالكم من النار أعظم مما ينالكم عند تلاوة هذه الآيات من الغضب والغم ، وهي النار وعدها الله الذين كفروا إذا ماتوا على كفرهم وبئس المصير هي .