Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 101-105)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } الآية لمَّا قال : { وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ المؤمنون : 100 ] ذكر أحوال ذلك اليوم فقال : { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } وقرأ العامة بضم الصاد وسكون الواو ، وهو آلة إذا نُفِخ فيها ظهر صوت عظيم جعله الله علامة لخراب الدنيا ولإعادة الأموات ، قال عليه السلام : " إِنَّه قَرْنٌ يُنفخُ فِيه " وقرأ ابن عباس والحسن : بفتح الواو جمع صُورة . والمعنى : فإذا نُفخ في الصور أَرْوَاحها وقرأ أبو رزين : بكسر الصاد وفتح الواو ، وهو شاذ . هذا عكس ( لُحَى ) بضم اللام جمع ( لِحْية ) بكسرها . وقيل : إنّ النفخ في الصور استعارة ، والمراد منه البعث والحشر . قوله : " فَلا أَنْسَابَ " الأنساب جمع نَسَب ، وهو القرابة من جهة الولادة ، ويُعبّر به عن التواصل ، وهو في الأصل مصدر قال : @ 3811 - لاَ نَسَبَ اليَوْمَ وَلاَ خُلَّةً اتسعَ الخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ @@ قوله : " بَيْنَهُم " يجوز تعلقه بنفس " أَنْسَابَ " ، وكذلك " يَوْمَئِذٍ " ، أي : فلا قربة بينهم في ذلك اليوم . ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنّه صفة لـ " أَنْسَابَ " ، والتنوين في " يَوْمَئِذٍ " عوض عن جملة تقديره : يومئذ نفخ في الصور . فصل من المعلوم أنَّه تعالى إذا أَعادهم فالأنساب ثابتة ، لأنّ المعاد هو الولد والوالد ، فلا يجوز أن يكونَ المراد نفي النسب حقيقة بل المراد نفي حكمه وذلك من وجوه : أحدها : أنّ من حق النسب أنْ يقع به التعاطف والتراحم كما يُقال في الدنيا : أسألك باللَّه والرحم أن تفعل كذا ، فنفى سبحانه ذلك من حيث أنَّ كل أحد من أهل النار يكون مشغولاً بنفسه ، وذلك يمنعه من الالتفات إلى النسب كما أنَّ الإنسان في الدنيا إذا كان في آلام عظيمة ينسى ولده ووالده . وثانيها : أنَّ من حق النسب أنْ يحصل به التفاخر في الدنيا ، وأنْ يسأل البعض عن أحوال البعض ، وفي الآخرة لا يَتَفَرغونَ لذلك . وثالثها : أنّ ذلك عبارة عن الخوف الشديد ، فكل امرئٍ مشغول بنفسه عن نسبه وأخيه وفصيلته التي تؤويه . قال ابن مسعود : يؤخذ العبد والأمة يوم القيامة على رؤوس الخلائق ينادي منادٍ ألا إنّ هذا فلان فمن له عليه حق فليأت إلى حقه ، فيفرح المرء يومئذ أن يثبت له الحق على أمه أو أخيه أو أبيه ثم قرأ ابن مسعود { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } وروى عطاء عن ابن عباس : أنّها النفخة الثانية . { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ } أي : لا يتفاخرون في الدنيا ولا يتساءلون سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا مَنْ أنت ؟ ومن أي قبيلة أنت ؟ ولم يرد أنّ الأنساب تنقطع . فإن قيل : أليس قد جاء في الحديث : " كل سَبَبٍ ونسب ينقطع إلا سَبَبِي ونَسَبِي " قيل معناه : لا ينفع يوم القيامة سبب ولا نسب إلاّ سببه ونسبه ، وهو الإيمان والقرآن . فإن قيل : قد قال ههنا " وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ " وقال : { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } [ المعارج : 10 ] . وقال { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [ الصافات : 27 ] . فالجواب : رُوي عن ابن عباس أنّ للقيامة أحوالاً ومواطن ، ففي موطن يشتد عليهم الخوف فيشغلهم عِظَم الأمر عن التساؤل فلا يتساءلون ، وفي موطن يفيقون إفاقة يتساءلون . وقيل : إذا نفخ في الصور نفخة واحدة شُغلوا بأنفسهم عن التساؤل ، فإذا نفخ فيه أخرى أقبل بعضهم على بعض وقالوا : { يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } [ يس : 52 ] . وقيل : المراد لا يتساءلون بحقوق النسب . وقيل : " لاَ يَتَسَاءَلُونَ " صفة للكفار لشدة خوفهم ، وأمّا قوله : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [ الصافات : 27 ] فهو صفة أهل الجنة إذا دخلوها . وعن الشعبي قالت عائشة : " يا رسول الله أما نتعارف يوم القيامة أسمع الله يقول : { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } فقال عليه السلام " ثلاثة مواطن تذهل فيها كُلُّ مرضعةٍ عما أرضعت عند رؤية القيامة وعند الموازين وعلى جسر جهنم " . قوله : { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } لمَّا ذكر القيامة شرح أحوال السعداء والأشقياء . قيل المراد بالموازين الأعمال فمن أُتِيَ بِمَا لَهُ قدر وخطر فهو الفائز المفلح ، ومن أتي بِمَا لاَ وزن له ولا قدر فهو الخاسر . وقال ابن عباس : الموازين جمع موزون وهي الموزونات من الأعمال الصالحة التي لها وزن وقدر عند الله من قوله : { فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً } [ الكهف : 105 ] أي : قدراً وقيل : ميزان له لسان وكفتان يوزن به الحسنات في أحسن صورة ، والسيّئات في أقبح صورة . وتقدّم ذلك في سورة الأنبياء . قوله : { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } قال ابن عباس : غبنوها بأن صارت منازلهم للمؤمنين . وقيل : امتنع انتفاعهم بأنفسهم لكونهم في العذاب . قوله : { فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } يجوز أن يكون " خَالِدُونَ " خبراً ثانياً لـ ( أُولَئِكَ ) ، وأن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي : هم خالدون . وقال الزمخشري : { فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } بدل من " خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ " ، ولا محل للبدل والمبدل منه ، لأنّ الصلة لا محل لها . قال أبو حيان : جعل " فِي جَهَنَّمَ " بدلاً من ( خَسِرُوا ) ، وهذا بدل غريب ، وحقيقته أن يكون البدل الفعل الذي تعلق به " فِي جَهَنَّمَ " أي : استقروا في جهنم وهو بدل شيء من شيء لأنّ من خسر نفسه استقر في جهنم . قال شهاب الدين : فجعل الشيخ الجار والمجرور البدل دون " خالدون " ، والزمخشري جعل جميع ذلك بدلاً ، بدليل قوله بعد ذلك : أو خبراً بعد خبر ، لـ " أُولَئِكَ " أو خبر مبتدأ محذوف . وهذان إنّما يليقان بـ " خَالِدُونَ " ، وأما " فِي جهنَّم " فمتعلق به ، فيحتاج كلام الزمخشري إلى جواب ، وأيضاً فيصير " خَالِدُونَ " معلقاً . وجوَّز أبو البقاء أن يكون الموصول نعتاً لاسم الإشارة ، وفيه نظر ، إذ الظاهر كونه خبراً له . قوله : " تَلْفَحُ " يجوز استئنافه ، ويجوز حَالِيته ، ويجوز كونه خبراً لـ " أُولَئِك " . واللَّفْحُ إصابة النار الشيء بِوَهجها وإحراقها له ، وهو أشدُّ من النفح ، وقد تقدّم النفح في الأنبياء . قوله : { وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } الكُلُوح تشمير الشفة العليا ، واسترخاء السفلى . قال عليه السلام في قوله : { وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } قال : " تَشْويه النَّارُ فَتَقْلِصُ شَفَتُه العُلْيَا حَتّى تَبْلغ وَسَطَ رَأْسِه ، وتَسْترخِي شَفَتُهُ السُفْلَى حَتّى تَبْلغَ سُرَّتَهُ " وقال أبو هريرة : يعظم الكافر في النار مسيرة سبع ليال ضرسه مثل أحد ، وشفاههم عند سررهم سود زرق خنق مقبوحون . ومنه كُلُوح الأسد أي : تكشيره عن أنيابه ، ودهرٌ كالح ( وبرد كالح ) أي : شديد وقيل الكُلُوح : تقطيب الوجه وتسوره ، وكَلَحَ الرجلُ يَكْلَحُ كُلُوحاً ( وكُلاَحاً ) . قوله : { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } يعني القرآن تخوفون بها { فكنتم بها تكذبون } قالت المعتزلة دلّت الآية على أنهم إنّما عُذِّبُوا بسوء أفعالهم ، ولو كان فعل العبد بخلق الله لما صحّ ذلك . والجواب : أن القادر على الطاعة والمعصية إنْ صدرت المعصية عنه لا لِمُرجح ألبتّة كان صدورها عنه اتفاقيّاً لا اختيارياً فوجب أن لا يستحق العقاب ، وإن كان لمرجح فذلك المرجح ليس من فعله وإلاّ لزم التسلسل فحينئذ يكون صدور تلك الطاعة عنه اضطرارياً لا اختيارياً فوجب أن لا يستحق الثواب .