Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 97-100)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } الآية لما أدَّب رسوله بقوله : { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ المؤمنون : 96 ] أتبعه بما يقوي على ذلك وهو الاستعاذة بالله من أمرين : أحدهما : من همزات الشياطين . والهَمَزَاتُ جمع همزَة ، وهي النخسة والدفع بيدٍ وغيرها ، وهي كالهزِّ والأزّ ، ومنه مِهْمَازُ الرائض ، والمِهْمَاز مفْعَالٌ من ذلك كالمِحْرَاث من الحَرْث والهَمَّازُ الذي يصيب الناس ، كأنه يدفع بلسانه وينخس به . فصل معنى " أعُوذُ بِكَ " أمتنع وأعتصم بك { مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } نزعاتهم وقال الحسن : وساوسهم . وقال مجاهد : نفخهم ونفثهم . وقال أهل المعاني : دفعهم بالإغواء إلى المعاصي . قال الحسن : كان عليه السلام يقول بعد استفتاح الصلاة : " " لا إله إلاّ الله ثلاثاً ، الله أكبر ثلاثاً ، اللهم إني أعوذ بك من هَمَزَاتِ الشياطين هَمْزِهِ ونَفْثِه ونَفْخِه " . فقيل : يا رسول الله ما همزه ؟ قال : " الموتة التي تأخذ ابن آدم " أي : الجنون . قيل : فَمَا نَفْثه ؟ قال : " الشعْر " قيل : فما نفخُه ؟ قيل : " الكِبْر " " . والثاني : قوله : { وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ } أي : في شيء من أموري ، وإنما ذكر الحضور ، لأن الشيطان إذا حَضَر وسوس . قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ } الآية في ( حَتَّى ) هذه أوجه : أحدها : أنها غاية لقوله : " بِمَا يَصِفُونَ " . والثاني : أنها غاية " لِكَاذِبُونَ " . ويبين هذين الوجهين قول الزمخشري : " حَتَّى " يتعلق بـ " يَصِفُونَ " أي : لا يزالون على سوء الذكر إلى هذا الوقت ، والآية فاصلة بينهما على وجه الاعتراض والتأكيد . ثم قال : أو على قوله : " وإنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ " . قال شهاب الدين : قوله : ( أو على قوله كذا ) كلام محمول على المعنى ، إذ التقدير : " حَتَّى " معلقة على " يَصِفُونَ " أو على قوله : " لَكَاذِبُونَ " وفي الجملة فعبارته مشكلة . الثالث : قال ابن عطية : " حَتَّى " في هذا الموضع حرف ابتداء ، ويحتمل أن تكون غاية مجردة بتقدير كلام محذوف ، والأوَّل أبْيَن ، لأنّ ما بعدها هو المعنيّ به المقصود ( ذكره ) . قال أبو حيان : فتوهم ابن عطية أن " حَتَّى " إذا كانت حرف ابتداء لا تكون غاية ، وهي وإن كانت حرف ابتداء فالغاية معنى لا يفارقها ، ولم يبيّن الكلام المحذوف المقدر . وقال أبو البقاء : ( حَتَّى ) غاية في معنى العطف . قال أبو حيّان : والذي يظهر لي أن قبلها جملة محذوفة تكون " حَتَّى " غاية لها يدل عليها ما قبلها ، التقدير : فلا أكون كالكفار الذين تهزمهم الشياطين ويحضرونهم حتى إذا جَاءَ ، ونظير حذفها قول الشاعر : @ 3806 - فَيَا عَجَباً حَتَّى كُليْبٌ تسُبُّني @@ أي : يسبني الناس كُلهم حتى كليب إلاَّ أن في البيت دلّ ما بعدها عليها بخلاف الآية الكريمة . قوله : { رَبِّ ٱرْجِعُونِ } . في قوله : " ارْجِعُونِ " بخطاب الجمع ثلاثة أوجه : أجودها : أنه على سبيل التعظيم كقوله : @ 3807 - فَإِنْ شِئْتُ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمُ وَإِنْ شِئْتُ لَمْ أَطْعَمْ نُقَاخاً وَلاَ بَرْدَا @@ وقال الآخر : @ 3808 - أَلاَ فَارْحَمُونِي يَا إلهَ مُحَمَّدٍ @@ وقد يؤخذ من هذا البيت ما يرّد على ابن مالك حيث قال : إنه لم نعلم أحداً أجاز للداعي أن يقول : يَا رَحْيَمُون قال : لئّلا يُوهم خلاف التوحيد ، وقد أخبر تعالى عن نفسه بهذه الصفة وشبهها للتعظيم في مواضع من كتابه الكريم كقوله : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] . الثاني : أنه نادى ربه ثم خاطب ملائكة ربه بقوله : " ارْجِعُونِ " . ويجوز على هذا الوجه أن يكون على حذف مضاف ، أي : ملائكة ربي ، فحذف المضاف ثم التفت إليه في عود الضمير كقوله : { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا } [ الأعراف : 4 ] . ثم قال : { أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } [ الأعراف : 4 ] التفاتاً لـ " أهل " المحذوف . الثالث : أنّ ذلك يدل على تكرير الفعل كأنه قال : ارْجعنِي ارجعنِي نقله أبو البقاء وهو يشبه ما قالوه في قوله : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ } [ ق : 24 ] أنه بمعنى : أَلْقِ أَلْقِ ثنّى الفعل للدلالة على ذلك ، وأنشدوا : @ 3809 - قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِل @@ أي : قف قف . فصل اعلم أنّه تعالى أخبر أنَّ هؤلاء الكفار الذين ينكرون البعث يسألون الرجعة إلى الدنيا عند معاينة الموت فقال : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ ( قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ ) } ولم يقل : ارجعني ، وهو يسأل الله وحده الرجعة لما تقدّم في الإعراب . وقال الضحّاك : كنت جالساً عند ابن عباس فقال : مَنْ لَمْ يُزَكِّ ولم يَحُج سأل الرجعة عند الموت ، فقال رجل : إنما يسأل ذلك الكفار . فقال ابن عباس : أنا أقرأ عليك به قرآناً { وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبِّ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ } [ المنافقون : 10 ] . وقال عليه السلام : " إذا حضر الإنسان الموت جمع كل شيء كان يمنعه من حقه بين يديه فعنده يقول : { رَبِّ ٱرْجِعُونِ لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ } " . واختلفوا في وقت مسألة الرجعة ، فالأكثرون على أنه يسأل حال المعاينة وقيل : بل عند معاينة النار في الآخرة ، وهذا القائل إنَّما ترك ظاهر هذه الآية لمَّا أخبر الله - تعالى - عن أهل النار في الآخرة أنهم يسألون الرجعة . قوله : { لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ } أي : ضيّعتُ . أي : أقول لا إله إلاَّ الله . وقيل : أعمل بطاعة الله تعالى . وقيل : أعمل صالحاً فيما قصّرتُ ، فيدخل فيه العبادات البدنية والمالية ، وهذا أقرب ، لأنهم تمنوا الرجعة ليصلحوا ما أفسدوه . فإن قيل : قوله تعالى : { لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً } كيف يجوز أن يسأل الرجعة مع الشك . فالجواب : ليس المراد بـ " لَعَّلَ " الشك فإِنَّه في هذا الوقت باذل للجهد في العزم على الطاعة إن أعطي ما سأل ، فهو مِثْل من قَصّر في حق نفسه ، وعرف سوء عاقبة ذلك التقصير ، فيقول : مكنُونِي من التدارك لعلى أتدارك فيقول هذه الكلمة مع كونه جازماً بأنه سيتدارك . ويحتمل أيضاً أنَّ الأمر المستقبل إذا لم يعرفوه أوردُوا الكلام الموضوع للترجي والظن دون اليقين فقد قال تعالى : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ الأنعام : 28 ] . قوله : " كَلاَّ " كلمة ردع وزجر أي : لا ترجع . معناه المنع طلبوا ، كما يقال لطالب الأمر المُسْتبعد : هَيْهَات . ويحتمل أن يكون ذلك إخباراً بأنهم يقولون ذلك ، وأنّ هذا الخبر حق ، فكأنّه تعالى قال : حقاً إنّها كلمة هو قائلها . والأول أقرب . قوله : " إِنَّهَا كَلِمةٌ " من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل كقوله : " أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد " يعني قوله : @ 3810 - أَلاَ كُلُّ شَيءٍ مَا خَلاَ اللَّهَ بَاطِل @@ وقد تقدم طرف من هذا في آل عمران . و " هُوَ قَائِلُهَا " صفة لـ " كَلِمَة " . والمراد بالكلمة : سؤاله الرجعة : كلمة هو قائلها ولا ينالها ، وقيل : معناه لا يخليها ولا يسكت عنها لاستيلاء الحسرة عليه . قوله : " وَمِنْ وَرَائِهِمْ " أي : أمامهم وبين أيديهم . " بَرْزَخٌ " البرزخ : الحاجز بين المسافتين وقيل : الحجاب بين الشيئين أن يصل أحدهما إلى الآخر ، وهو بمعنى الأَوّل . وقال الراغب : أصلة برْزَه بالهاء فعُرّب ، وهو في القيامة الحائل بين الإنسان وبين المنازل الرفيعة والبرزخ قبل البعث المنع بين الإنسان وبين الرجعة التي يتمناها . قال مجاهد : حجاب بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا . ( وقال قتادة : بقيّة الدنيا ) . قال الضحاك : البرزخ ما بين الموت إلى البعث . وقيل : القبر وهم فيه إلى يوم يبعثون .