Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 26-30)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } أي : أعِنّي على هلاكهم بتكذيبهم إياي ( كأنه قال : أهلكهم بسبب تكذيبهم ) . وقيل : انصرني بدل ما كذبون كما تقول : هذا بذاك ، أي بدل ذاك ومكانه . وقيل : انصرني بإنجاز ما وعدتهم من العذاب ، وهو ما كذبوه فيه حين قال لهم : { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ الأعراف : 59 ] . ولمَّا أجاب الله دعاءه قال : { فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا } أي : بحفظنا وكلائنا ، كان معه من الله حُفّاظاً يكلأونه بعيونهم لئلا يتعرض له ولا يفسد عليه عمله . قيل : كان نوح نجاراً ، وكان عالماً بكيفية اتخاذ الفلك . وقيل : إن جبريل - عليه السلام - علّمه السفينة . وهذا هو الأقرب لقوله : " بأَعْيُنِنَا وَوَحْينَا " . { فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا } . واعلم أن لفظ الأمر كما هو حقيقة في طلب الفعل بالقول على سبيل الاستعلاء ، فكذا هو حقيقة في الشأن العظيم ، لأن قولك : هذا أمر تردد الذهن بين المفهومين فدل ذلك على كونه حقيقة فيهما . وقيل : إنما سماه أمراً تعظيماً وتفخيماً كقوله : { قَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } [ فصلت : 11 ] . قوله : " وَفَارَ التَّنُّور " تقدم الكلام في التنور في سورة هود . " فَاسْلُكْ فِيهَا " أي : ادخل فيها . يقال : سَلَك فيه دَخَلَهُ ، وسَلَكَ غيره وأَسْلَكَهُ { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } أي : من كل زوجين من الحيوان ( الذي يحضره في الوقت اثنين الذكر والأنثى لكيلا ينقطع نسل ذلك الحيوان ) وكل واحد منهما زَوْج ، لا كما تقوله العامة : إنَّ الزوجَ هو الاثنان . روي أنه لم يحمل إلاّ ما يَلِدُ ويَبيضُ . وقرئ : " مِنْ كُلٍّ " بالتنوين و " اثْنَيْن " تأكيد وزيادة بيان " وَأهْلَكَ " أي : وأدْخل أَهْلَك { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ } ولفظ ( على ) إنما يستعمل في المضارّ قال تعالى : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ } [ البقرة : 286 ] . وهذه الآية تدل على أمرين : أحدهما : أنه تعالى أمره بإدخال سائر مَنْ آمَنَ به ، وإن لم يكن من أهله . وقيل : المراد بأهله من آمَنَ دون من يتعمل به نسباً أو حسباً . وهذا ضعيف ، وإلاّ لما جاز الاستثناء بقوله : { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ } . والثاني : قال : { وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } يعني : كنعان ، فإنه - سبحانه - لَمَّا أخبر بإهلاكهم ، وجب أن ينهاه عن أن يسأله في بعضهم . لأنه إن أجابه إليه ، فقد صيّر خبره الصادق كذباً ، وإن لم يجبه إليه ، كان ذلك تحقيراً لشأن نوح - عليه السلام - ، فلذلك قال : " إِنَّهُم مُغْرَقُونَ " أي : الغرق نازل بهم لا محالة . قوله : { فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ } اعتدلت أنت ومن معك على الفلك ، قال ابن عباس : كان في السفينة ثمانون إنساناً ، نوح وامرأته سِوَى التي غرقت ، وثلاثة بنين ، سام ، وحام ، ويافث ، وثلاثة نسوة لهم ، واثنان وسبعون إنساناً ، فكل الخلائق نسل من كان في السفينة . روى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " وُلِد لنوح ثلاثة أولاد سَام ، وحَام ، ويَافِث ، فأمّا سام فأبو العرب وفارس والروم ، وأما يافث فأبو يأجوج ومأجوج والبربر ، وأما حام فأبو هذه الجلدة السوداء ويأجوج ومأجوج بنو عم الترك " . قال ابن الجوزي : وُلِد لحام كوش ، ونبرش ، وموغع ، وبوان ، ووُلِد لكوش نمرود ، وهو أول النماردة ، مَلِك بعد الطوفان ثلاثمائة سنة ، وعلى عهده قسّمت الأرض ، وتفرَّق الناس واختلفت الألسن ، ونمرود إبراهيم الخليل ، ومن وَلد نبرش الحرير ، ومن وَلد مُوغع يأجوج ومأجوج ، ومن وَلد بوان الصقالبة ، والنوبة ، والحبشة ، والهند ، والسند . ولما اقتسم أولاد نوح الأرض ، نزل بنو حام مجرى الجنوب والدبور ، فجعل الله فيهم الأدمة ، وبياضاً قليلاً ، ولهم أكثر الأرض ، وروي أن فالغ أبو غابر قسم الأرض بين أولاد نوح بعد موت نوح ، فنزل سام سرة الأرض فكانت فيهم الأدمة والبياض ، ونزل بنو يافث مجرى الشمال والصبا فكانت فيهم الحمرة والشقرة ، ونزل بنو حام مجرى الجنوب والدبور فتغيرت ألوانهم . روى ابن شهاب قال : قيل لعيسى ابن مريم - عليه السلام - أَحْيِ حام بن نوح - فقال : أروني قبره . فأروه ، فقام ، فقال : يا حام بن نوح احْيَ بإذن الله - عزّ وجلّ - فَلَمْ يَخْرُج ، ثم قالها الثانية ، فخرج ، وإذا شِقّ رأسه ولحيته أبيض ، فقال : ما هذا ، قال : سمعتُ الدعاء الأول فظننتُ أنه من الله - تعالى - فشاب له شقي ، ثم سمعت الدعاء الثاني فعلمت أنه من الدنيا فخرجتُ ، قال : مذ كم مِتَّ ؟ قال : منذ أربعة آلاف سنة ، ما ذهبت عنّي سكرة الموت حتى الآن . وروي أن الذي أحياه عيسى ابن مريم سام بن نوح ، والله أعلم . وروي عن النمر بن هلال قال : الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ فاثنا عشر ألف للسودان ، وثمانية للروم ، وثلاثة للفرس وألف للعرب قال مجاهد : ربع من لا يلبس الثياب من السودان مثل جميع الناس . قوله : { فَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي نَجَّانَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } الكافرين ، وإنما قال : " فَقُل " ولم يقل : فقولوا ، لأنّ نوحاً كان نبياً لهم وإمامهم ، فكان قوله قولاً لهم مع ما فيه من الإشعار بفضل النبوة وإظهار كبرياء الربوبية ، وأن رتبة ذلك المخاطب لا يترقى إليها إلا ملك أو نبي . قال قتادة : علمكم الله أن تقولوا عند ركوب السفينة : { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا } [ هود : 41 ] ، وعند ركوب الدابة : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا } [ الزخرف : 13 ] ، وعند النزول : { وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً } [ المؤمنون : 29 ] . قال الأنصاري : وقال لنبينا : { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } [ الإسراء : 80 ] ، وقال : { فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } [ النحل : 98 ] فكأنه - تعالى - أمرهم أن لا يغفلوا عن ذكره في جميع أحوالهم . قوله : { وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً } قرأ أبو بكر بفتح ميم ( مَنْزِلاً ) وكسر الزاي ، والباقون بضم الميم وفتح الزاي و ( المَنْزل ) و ( المُنْزَل ) كل منهما يحتمل أن يكون اسم مصدر ، وهو الإنزال أو النزول ، وأن يكون اسم مكان النزول أو الإنزال ، إلا أنّ القياس " مُنْزَلاً " بالضم والفتح لقوله : " أَنْزِلْنِي " . وأما الفتح والكسر فعلى نيابة مصدر الثلاثي مناب مصدر الرباعي كقوله : { أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } [ نوح : 17 ] ، وتقدم نظيره في " مُدْخَل " و " مَدْخَل " في سورة النساء واختلفوا في المنزل ، فقيل : نفس السفينة ، وقيل : بعد خروجه من السفينة منزلاً من الأرض مباركاً . والأول أقرب ، لأنه أُمِرَ بهذا الدعاء حال استقراره ، فيكون هو المنزل دون غيره . ثم قال : { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ } ، وذلك أن الإنزال في الأمكنة قد يقع من غير الله كما يقع من الله ، لأنه يحفظ من أنزله في سائر أحواله . ثم بين تعالى أنّ فيما ذُكِر من قصة نوح وقومه " آيات " دلالات وعبر في الدعاء إلى الإيمان ، والزجر عن الكفر ، فإنّ إظهار تلك المياه العظيمة ، ثم إذهابها لا يقدر عليه إلا القادر على كل المقدورات ، وظهور تلك الواقعة على وفق قول نوح - عليه السلام - يدل على المعجز العظيم ، وإفناء الكفار ، وبقاء الأرض لأهل الطاعة من أعظم أنواع العبر . قوله : { وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } " إِنْ " مخففة ، و " اللام " فارقة . وقيل : " إِنْ " نافية و " اللام " بمعنى " إِلاَّ " وتقدم ذلك مراراً فعلى الأول معناه : وقد كنا ، وعلى الثاني : ما كنا إلا مبتلين ، فيجب على كل مكلَّف أن يعتبر بهذا الذي ذكرناه . وقيل : المراد لمعاقبين من كذب الأنبياء ، وسلك مثل طريقة قوم نوح . وقيل : المراد كما عاقب بالغرق من كذب فقد نمتحن من لم يكذب على وجه المصلحة لا على وجه التعذيب ، لكيلا يقدر أن كل الغرق يجري على وجه واحد .