Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 20-21)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } جواب " لولا " محذوف ، أي : لعاجلكم بالعقوبة . قال ابن عباس : يريد مسطحاً وحسان وحَمْنة . ويجوز أن يكون الخطاب عاماً . وقيل : جوابه في قوله : { مَا زَكَى مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ } . وقيل : جوابه : لكانت الفاحشة تشيع فتعظم المضرة ، وهو قول أبي مسلم . والأقرب أن جوابه محذوف ، لأن قوله من بعد : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُمْ } كالمنفصل من الأول ، فلا يكون جواباً للأول خصوصاً ( وقد ) وقع بين الكلامين كلام آخر . قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ } الآية قرئ " خُطُوَاتِ " بضم الطاء وسكونها . والخُطُوات : جمع خُطْوة وهو من خَطَا الرجلُ يَخْطُو خَطْواً فإذا أردت الواحدة قلت : خَطْوَة مفتوحة الأول ، والمراد بذلك : السيرة . والمعنى : لا تتبعوا آثار الشيطان ولا تسلكوا مسالكه في إشاعة الفاحشة ، والله تعالى وإن خص بذلك المؤمنين ، فهو نهي لكل المكلفين ، لأن قوله : { وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ } منع لكل المكلفين من ذلك والفحشاء : ما أفْرَط قُبْحُهُ . والمُنْكَر : ما تنكره النفوس ، فتنفر عنه ولا ترتضيه . قوله : " فإنه يأمر " في هذه الهاء ثلاثة أوجه : أحدها : أنها ضمير الشأن ، وبه بدأ أبو البقاء . والثاني : أنها ضمير الشيطان . وهذان الوجهان إنما يجوزان على رأي من لا يشترط عود الضمير على اسم الشرط من جملة الجزاء . والثالث : أنه عائد على " مَنْ " الشرطية . قوله : " مَا زَكَى " . العامة على تخفيف الكاف ، يقال : زَكَا يَزْكُو ، وفي ألفه الإمالة وعدمها . وقرأ الأعمش وابن محيصن وأبو جعفر بتشديدها . وكتبت ألفه ياء ، وهو شاذ ، لأنه من ذوات الواو كغزا ، وإنما حمل على لغة من أمال ، أو على كتابة المشدد . فعلى قراءة التخفيف يكون " مِنْ أحَدٍ " فاعلاً . وعلى قراءة التشديد يكون مفعولاً ، و " مِنْ " مزيدة على كلا التقديرين ، والفاعل هو الله تعالى . فصل قال مقاتل : ما زَكَا : ما صلح . وقال ابن قتيبة : ما ( ظهر ) . وقيل : من بلغ في الطاعة لله مبلغ الرضا ، ( يقال : زكا الزرع ) ، فإذا بلغ المؤمن في الصلاح في الدين ما يرضاه ( تعالى ) سمي زكياً ، فلا يقال : زكى إلا إذا وجد زاكياً ، كما لا يقال لمن ترك الهدى : هداه الله مطلقاً ، بل يقال : هداه الله فلم يهتد . ودلت الآية على أن الله تعالى هو الخالق لأفعال العباد ، لأن التزكية كالتسويد والتحمير ، فكما أن التسويد يحصل السواد ، فكذا التزكية تحصل الزكاء في المحل . والمعتزلة حملوه هنا على فعل الإلطاف ، أو على الحكم بكون العبد زكياً ، وهو خلاف الظاهر ، ولأن الله تعالى قال : { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ } علق التزكية على الفضل والرحمة ، وخلق الإلطاف واجباً فلا يكون معلقاً بالفضل والرحمة ، وأما الحكم بكونه زكياً فذلك واجب ، لأنه لولا الحكم له لكان كذباً ( و ) الكذب على الله محال ، فكيف يجوز تعليقه بالمشيئة ؟ . فصل قال ابن عباس في رواية عطاء : هذا خطاب للذين خاضوا في الإفك ، ومعناه : ما ظهر من هذا الذنب ولا صلح أمره بعد الذي فعل ، أي : ما قبل منكم توبة أحد أبداً ، { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي } يطهر " مَنْ يَشَاءُ " من الذنب بالرحمة والمغفرة { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي : يسمع أقوالكم في القذف ، وأقوالكم في البراءة و " عَلِيمٌ " بما في قلوبهم من محبة إشاعة الفاحشة أو من كراهتها ، وإذا كان كذلك وجب الاحتراز عن معصيته .