Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 22-22)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ } الآية . يجوز أن يكون " يَأْتَلِ " : " يفتعل " ، من الألية ، وهي الحلف ، كقوله : @ 3821 - وَآلَتْ حَلْفَةً لَمْ تَحَلَّلِ @@ ونصر الزمخشري هذا بقراءة الحسن " ولا يَتَأَلَّ " من الأليَّة ، كقوله : " مَنْ يَتَأَلَّ عَلَى اللَّهِ يُكَذبْهُ " . ويجوز أن يكون " يفتعل " من أَلَوْتُ ، أي : قَصَّرْتُ ، كقوله تعالى : { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } [ آل عمران : 118 ] قال : @ 3822 - وَمَا المَرْءُ مَا دَامَتْ حُشَاشَةُ نَفْسِهِ بمُدْرِكِ أَطْرَافِ الخُطُوبِ وَلاَ آلِ @@ وقال أبو البقاء : وقرئ : " وَلاَ يَتَأَلَّ " على " يَتفعل " وهو من الألية أيضاً ، ومنه : @ 3823 - تَألَّى ابنُ أَوْسٍ حَلْفَةً لَيَرُدُّنِي إلى نِسْوَةٍ كَأَنَّهُنَّ مَفَائِدُ @@ قوله : " أَنْ يُؤْتُوا " هو على إسقاط الجار ، وتقديره على القول الأول : ولا يأتل أولو الفضل على أن لا يحسنوا . وعلى الثاني : ولا يقصر أولو الفضل في أن يحسنوا . وقرأ أبو حيوة وأبو البرهسيم وابن قطيب : " تؤتوا " بتاء الخطاب ، وهو التفات موافق لقوله : " أَلاَ تُحِبُّون " . وقرأ الحسن وسفيان بن الحسين " ولتعفوا ولتصفحوا " بالخطاب وهو موافق لما بعده . فصل المشهور أن معنى الآية : لا يحلف أولو الفضل ، فيكون " افتعال " من الألية . قال أبو مسلم : وهذا ضعيف لوجهين : أحدهما : أن ظاهر الآية على هذا التأويل يقتضي المنع عن الحلف على الإعطاء ، وهم أرادوا المنع على ترك الإعطاء ، فهذا المتأول قد أقام النفي مكان الإيجاب ، وجعل المنهي عنه مأموراً به . الثاني : أنه قلما يوجد في الكلام " أَفتعَلت " مكان " أفعلت " ( وإنما وجد مكان " فعلت " ) وهنا آليْتُ من الأليّة : " افْتَعَلْتُ " فلا يقال : أفعلت ، كما لا يقال من ألزمت التزمت ، ومن أعطيت اعتطيت . ثم قال في " يأتل " : إن أصله " يأتلي " ذهبت الياء للجزم لأنه نهي ، وهو من قولك : مَا ألوتُ فلاناً نصحاً ، ولم آل في أمري جُهْداً ، أي : ما قصرت . ولا يأل ولا يأتل ولم يأل والمراد : لا تقصروا في أن تحسنوا إليهم ، ويوجد كثيراً " افْتَعَلْتُ " مكان " فَعَلْتُ " ، تقول : كسبتُ واكتسبت ، وصنعتُ واصطنعتُ ، وهذا التأويل مروي عن أبي عبيدة . قال ابن الخطيب : " وهذا هو الصحيح دون الأول " . وأجاب الزجاج عن الأول بأن " لا " تحذف في اليمين كثيراً ، قال الله تعالى : { وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ } [ البقرة : 224 ] يعني : أن لا تبروا ، وقال امرؤ القيس : @ 3824 - فَقُلْتُ يَمِين اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِداً @@ أي : لا أبرح . وأجابوا عن السؤال الثاني أن جميع المفسرين الذين كانوا قبل أبي مسلم فسروا اللفظ باليمين ، وقول واحد منهم حجة في اللغة ، فكيف الكل ؟ ويعضده قراءة الحسن : " ولا يَتَأَلَّ " . فصل قال المفسرون معناه : ولا يحلف { أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ } أي : أولوا الغنى ، يعني : أبا بكر الصديق { أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } يعني : مِسْطَحاً ، وكان مسكيناً مهاجراً بدرياً ابن خالة أبي بكر حلف أبو بكر لا ينفق عليه " وَلْيَعْفُوا وليصْفَحُوا " عنهم خوضهم في أمر عائشة " أَلاَ تُحِبُّونَ " يخاطب أبا بكر { أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ ( لَكُمْ ) وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فلما قرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي بكر قال : " بلى إنما أحب أن يغفر الله لي " ورجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفق عليه ، وقال : " والله لا أنزعها منه أبداً " . وقال ابن عباس والصحابة أقسم ناس من الصحابة فيهم أبو بكر ألا يتصدقوا على رجل تكلم بشيء من الإفك ولا ينفعوهم فأنزل الله هذه الآية . فصل أجمع المفسرون على أن المراد من قوله : " أولُو الفَضْل " أبو بكر ، وهذا يدل على أنه كان أفضل الناس بعد الرسول ، لأن الفضل المذكور في الآية إما في الدنيا وإما في الدين ، والأول باطل ، لأنه تعالى ذكره في معرض المدح له ، والمدح من الله بالدنيا غير جائز ، ولأنه لو جاز ذلك لكان قوله : " والسَّعَة " تكريراً ، فتعين أن يكون المراد منه الفضل في الدين ، فلو كان غيره مساوياً له في الدرجة في الدين لم يكن هو صاحب الفضل ، لأن المساوي لا يكون فاضلاً ، فلما أثبت الله له الفضل غير مقيد بشخص دون شخص وجب أن يكون أفضل الخلق تُرك العمل به في حق الرسول - عليه السلام - فيبقى معمولاً به في حق الغير . وأجمعت الأمة على أن الأفضل إما أبو بكر أو عليّ ، فإذا تبين أنه ليس المراد عليًّا تعينت الآية في أبي بكر . وإنما قلنا : ليس المراد عليًّا ، لأن ما قبل الآية وما بعدها يتعلق بابنة أبي بكر ، ولأنه تعالى وصفه بأنه من أولي السعة ، وأن عليًّا - رضي الله عنه - لم يكن من أولي السَّعة في الدنيا في ذلك الوقت ، فثبت أن المراد منه أبو بكر قطعاً . فصل أجمعوا على أن مِسْطَحاً كان من البدريين ، وصح عنه عليه السلام أنه قال : " لَعَلَّ الله نظرَ إلى أهل بدر فقال : اعمَلُوا ما شِئْتُم ، فقد غفرت لكم " فكيف صدرت الكبيرة منه بعد أن كان بدريًّا ؟ والجواب : أنه لا يجوز أن يكون المراد منه : افعلوا ما شئتم من المعاصي ، فيأمر بها ، لأنا نعلم بالضرورة أن التكليف كان باقياً عليهم ، ولو حملناه على ذلك لأفضى إلى زوال التكليف عنهم ، ولو كان كذلك لما جاز أن يحدّ مِسْطح على ما فعل ، فوجب حمله على أحد أمرين : الأول : أنه تعالى علم توبة أهل بدر فقال : افعلوا ما شئتم من النوافل من قليل أو كثير ، فقد غفرت لكم وأعطيتكم الدرجات العالية في الجنة . والثاني : أن يكون المراد أنهم يوافون بالطاعة ، فكأنه تعالى قال : قد غفرتُ لكم لعلمي بأنَّكم تموتون على التوبة والإنابة ، فذكر حالهم في الوقت وأراد العاقبة . فصل دلت الآية على أن ( الأيمان على ) الامتناع من الخير غير جائز ، وإنما يجوز إذا حصلت داعية صارفة عنه . فصل مذهب الجمهور أنَّ من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها ، أنه ينبغي له أن يأتي الذي هو خير ثم يكفر عن يمينه . وقال بعضهم : إنه يأتي بالذي هو خير ، وذلك هو كفارته ، لأن الله تعالى أمر أبا بكر بالحنث ولم يوجب عليه كفارة . ولقوله عليه السـلام : " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فرأى غيرها خيراً مِنْهَا فليأتِ الذي هو خير ، وذلك كفارتـه " . واحتج الجمهور بقوله تعالى : { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ } [ المائدة : 89 ] ، وقوله : { ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ } [ المائدة : 89 ] ، وقوله لأيوب - عليه السلام - : { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ } [ ص : 44 ] وقد علمنا أن الحنث كان خيراً من تركه ، ولو كان الحنث فيها كفارتها لما أمر بضربها ، بل كان يحنث بلا كفارة ، وقال عليه السلام : " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمينٍ فرَأَى غيرَها خيراً منْهَا فليأتِ الَّذِي هو خيرٌ وليكفِّرْ عن يمينه " . وأما قولهم : إنَّ الله تعالى لم يذكر الكفارة في قصة أبي بكر ، فإن حكمها كان معلوماً عندهم . وأما قوله عليه السلام : " وليأت الذي هو خير ، وذلك كفارته " فمعناه : تكفير الذنب لا أنه الكفارة المذكورة في الكتاب . فصل روي عن عائشة أنها قالت : " فُضِلْتُ على أزواج النبي بعشر خصال : تزوج رسول الله بي بكراً دون غيري ، وأبواي مهاجران ، وجاء جبريل بصورتي وأمره أن يتزوج بي ، وكنت أغتسل معه في إنائه ، وجبريل ينزل عليه وأنا معه في لحاف ، وتزوج في شوال ، وبنى بي في ذلك الشهر وقبض بين سحري ونحري ، وأنزل الله عذري من السماء ، ودفن في بيتي ، وكل ذلك لم يساوني فيه غيري " . وقال بعضهم : " لقد برَّأ الله أربعة بأربعة : بَرأ يوسف { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ } [ يوسف : 26 ] ، وبرأ موسى من قول اليهود بالحجر الذي ذهب بثوبه ، وبرأ مريم بإنطاق ولدها ، وبرأ عائشة بهذه الآيات في كتابه المتلو على وجه الدهر " .