Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 3-3)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ أبو البرهسيم " وَحَرَّم " مبنياً للفاعل مشدداً . وزيد بن علي " حَرُم " بزنة كَرم . واختلفوا في معنى الآية وحكمها : فقال مجاهد وعطاء بن أبي رباح وقتادة والزهري والشعبي ، ورواية العوفي عن ابن عباس : " قَدِمَ المهاجرون المدينة وفيهم فقراء لا مال لهم ولا عشائر ، وبالمدينة نساء بغايا يكرين أنفسهن ، وهُنَّ يومئذ أخصب أهل المدينة ، فرغب ناس من فقراء المسلمين في نكاحهن لينفقن عليهم ، فاستأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية " وحرم على المؤمنين أن يتزوجوا تلك البغايا ، لأنهنَّ كنَّ مشركات . وقال عكرمة : نزلت في نساء بمكة والمدينة ، منهن تسع لهن رايات البيطار يعرفن بها منزلهن : أم مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي ، وكان الرجل ينكح الزانية في الجاهلية يتخذها مأكلة ، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن على تلك الجهة ، فاستأذن رجل من المسلمين نبي الله - صلى الله عليه وسلم - في نكاح " أمِّ مهزول " واشترطت له أن تنفق عليه ، فأنزل الله هذه الآية . فإن قيل : قوله تعالى : { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } ظاهره خبر وليس الأمر كذلك ، لأن الزاني قد ينكح المؤمنة العفيفة ، والزانية قد ينكحها المؤمن العفيف ، وأيضاً فقوله : { وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } ليس كذلك ، فإن المؤمن يحل له التزويج بالمرأة الزانية . فالجواب من وجوه : أحدها - وهو أحسنها - : ما قاله القفال : إن اللفظ وإن كان عاماً لكن المراد منه الأعم الأغلب ، لأن الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنا لا يرغب في نكاح المرأة الصالحة ، وإنما يرغب في فاسقة مثله أو في مشركة ، والفاسقة لا ترغب في نكاح الرجل الصالح ، بل تنفر عنه ، وإنما ترغب فيمن هو من جنسها من الفسقة والمشركين ، فهذا على الأعم الأغلب ، كما يقال " لا يفعَل الخيرَ إلاّ الرجلُ التقيُّ " وقد يفعل الخيرَ من ليس بتقي ، فكذا هاهنا . وأما قوله : { وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } فالجواب من وجهين : الأول : أن نكاح المؤمن الممدوح عند الله الزانية ورغبته فيها فحرم عليه لما فيه من التشبه بالفساق ، وحضور موقع التهمة ، والتسبب لسوء المقالة فيه ، والغيبة ، ومجالسة الخطائين فيها التعرض لاقتراف الآثام ، فكيف بمزاوجة الزواني والفجار . وثانيها : أن صرف الرغبة بالكلية إلى الزواني وترك الرغبة في الصالحات محرم على المؤمنين ، لأن قوله : { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً } معناه : أنَّ الزاني لا يرغب إلا في زانية ، فهذا محرم على المؤمنين ، ولا يلزم من حرمة هذا الحصر حرمة التزويج بالزانية ، فهذا هو المعتمد في تفسير الآية . الوجه الثاني : أن الألف واللام في قوله : " الزَّاني " وفي قوله : " المُؤْمِنينَ " وإن كان للعموم ظاهراً لكنه مخصوص بالأقوام الذين نزلت فيهم كما قدمناه آنفاً . الوجه الثالث : أن قوله : { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً } وإن كان خبراً في الظاهر لكن المراد منه النهي ، والمعنى : كل من كان زانياً فلا ينبغي أن ينكح إلا زانية ، { وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } هكذا كان الحكم في ابتداء الإسلام . وعلى هذا الوجه ذكروا قولين : أحدهما : أن ذلك الحكم باق إلى الآن حتى يحرم على الزاني والزانية التزويج بالعفيفة والعفيف وبالعكس ، وهذا مذهب أبي بكر وعمر وعليّ وابن مسعود . ثم في هؤلاء من يسوّي بين الابتداء والدوام فيقول : كما لا يحل للمؤمن أن يتزوج بالزانية فكذلك لا يحل له إذا زنت تحته أن يقيم عليها . ومنهم من يفصل لأن في جملة ما يمنع من التزويج ما لا يمنع من دوام النكاح كالإحرام والعدة . والقول الثاني : أن هذا الحكم صار منسوخاً . واختلفوا في ناسخه : فقال الجبائي : إن ناسخه هو الإجماع وعن سعيد بن المسيب أنه منسوخ بعموم قوله تعالى : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 3 ] ، { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ } [ النور : 32 ] . قال المحققون : هذان الوجهان ضعيفان ، أما قول الجبائي فلأنه ثبت في أصول الفقه أن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به ، وأيضاً فالإجماع الحاصل عقيب الخلاف لا يكون حجة ، والإجماع في هذه المسألة مسبوق بمخالفة أبي بكر وعمر وعلي ، فكيف يصح ؟ وأما قوله : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 3 ] فلا يصلح أن يكون ناسخاً ، لأنه لا بد من أن يشترط فيه ألا يكون هناك مانع من النكاح من سبب أو نسب أو غيرهما . ولقائل أن يقول : لا يدخل فيه تزويج الزانية من المؤمنين ، كما لا يدخل فيه تزويجها من الأخ وابن الأخ ، وأن للزنا تأثيراً في الفرقة ما ليس لغيره ، ألا ترى أنه إذا قذفها يتبعها بالفرقة على بعض الوجوه ؟ ولا يجب مثل ذلك في سائر ما يوجب الحد ، ولأن الزنا يورث العار ، ويؤثر في الفراش ، ففارق غيره . واحتج من ادعى النسخ بأن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " يا رسول الله إن امرأتي لا تردّ يد لامس " ، قال : " طَلِّقْهَا " . قال : " إني أحبها ، وهي جميلة " ، قال : " استمتع بها " وفي رواية : " فأمسكها إذن " . وروي أن عمر بن الخطاب ضرب رجلاً وامرأة في زنا وحرص أن يجمع بينهما ، فأبى الغلام . وبأن ابن عباس سُئِل عن رجل زنا بامرأة فهل له أن يتزوجها ؟ فأجازه ابن عباس ، وشبهه بمن سرق ثمر شجرة ثم اشتراه . وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سُئِل عن ذلك فقال : " أَوَّلُهُ سِفَاحٌ وآخِرُهُ نِكاح ، والحرامُ لا يُحَرِّمُ الحلال " . الوجه الرابع : أن يحمل النكاح على الوطء ، والمعنى : أن الزاني لا يطأ حين يزني إلا زانية أو مشركة ، وكذا الزانية { وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي : وحرم الزنا على المؤمنين ، وهذا تأويل أبي مسلم ، وهو قول سعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم ، ورواية الوالبي عن ابن عباس . قال الزجاج : " وهذا التأويل فاسد من وجهين : الأول : أنه ما ورد النكاح في كتاب الله إلا بمعنى التزوج ، ولم يرد البتة بمعنى الوطء . الثاني : أن ذلك يخرج الكلام عن الفائدة ، لأنا لو قلنا : المراد أن الزاني لا يطأ إلا الزانية فالإشكال عائد ، لأنا نرى الزاني قد يطأ العفيفة حين يتزوج بها ، ولو قلنا : المراد أن الزاني لا يطأ إلا الزانية حين يكون وطؤه زنا ، فهذا كلام لا فائدة فيه " . فإن قيل : أي فرق بين قوله : { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً } وبين قوله : { ٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ } ؟ فالجواب أن الكلام الأول يدل على أن الزاني لا يرغب إلا في نكاح الزانية ، بخلاف الزانية فقد ترغب في نكاح غير الزاني ، فلا جرم بيَّن ذلك بالكلام الثاني . فإن قيل : لم قدم الزانية على الزاني في أول السورة وهاهنا بالعكس ؟ فالجواب : سبقت تلك الآية على عقوبتها لخيانتها ، فالمرأة هي المادة في الزنا ، وأما هاهنا فمسوقة لذكر النكاح ، والرجال أصل فيه ، لأنه هو الراغب الطالب .