Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 45-46)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ } الآية . لما استدل أولاً بأحوال السماء والأرض ، وثانياً بالآثار العلوية استدل ثالثاً بأحوال الحيوانات . قال ابن عطية : قرأ حمزة والكسائي : { واللَّهُ خَالِقُ كُلِّ دَابَّةٍ } على الإضافة ، فإن قيل : لم قال : { وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ } مع أن كثيراً من الحيوانات لم يُخْلَقْ من الماء ، كالملائكة خلقوا من النور ، وهم أعظم الحيوانات عدداً ، وكذلك الجن وهم مخلوقون من النار ، وخلق آدم من التراب لقوله : { خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } [ آل عمران : 59 ] وخلق عيسى من الريح لقوله : { فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } [ التحريم : 12 ] ونرى كثيراً من الحيوانات يتولد لا عن نطفة ؟ فالجواب من وجوه : أحسنها : ما قال القفال : إنَّ " مَاءٍ " صلة " كُلَّ دَابَّةٍ " وليس هو من صلة " خَلَق " والمعنى : أنَّ كلَّ دَابَّةٍ متولدة من الماء فهي مخلوقة لله تعالى . وثانيها : أنَّ أصل جميع المخلوقات الماء على ما روي : " أول ما خلق الله جوهرة فنظر إليها بعين الهيبة فصارت ماء ، ثم من ذلك الماء خلق النار والهواء والنور " . والمقصود من هذه الآية : بيان أصل الخلقة ، وكان أصل الخلقة الماء ، فلهذا ذكره الله تعالى . وثالثها : المراد من " الدَّابَّة " : التي تدب على وجه الأرض ، ومسكنهم هنالك ، فيخرج الملائكة والجن ، ولما كان الغالب من هذه الحيوانات كونهم مخلوقين من الماء ، إما لأنها متولدة من النطفة ، وإما لأنها لا تعيش إلا بالماء ، لا جرم أطلق عليه لفظ الكل تنزيلاً للغالب منزلة الكل . وقيل : الجار في قوله : " مِنْ مَاء " متعلق بـ " خَلَقَ " أي : خَلَقَ مِنْ ماءٍ كُلَّ دَابَّةٍ ، و " مِنْ " لابتداء الغاية . ويرد على هذا السؤال المتقدم . فإن قيل : لم نكر الماء في قوله : " مِنْ مَاءٍ " وعرفه في قوله : { مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } [ الأنبياء : 30 ] ؟ فالجواب : جاء هاهنا منكراً لأنّ المعنى : خلق كلّ دابة من نوع من الماء مختصاً بتلك الدابة ، وعرفه في قوله : { مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } [ الأنبياء : 30 ] لأنّ المقصود هناك : كونهم مخلوقين من هذا الجنس ، وهاهنا بيان أنّ ذلك الجنس ينقسم إلى أنواع كثيرة . قوله : { فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي } . إنما أطلق " مَنْ " على غير العاقل لاختلاطه بالعاقل في المُفَصَّل بـ " مِن " وهو " كُلَّ دَابَّةٍ " . وكان التعبير بـ " مَنْ " أولى ليوافق اللفظ . وقيل : لَمَّا وَصَفَهُمْ بِما يُوصف به العقلاء وهو المشيُ أطلق عليها " منْ " وفيه نظرٌ ، لأن هذه الصفة ليست خاصةً بالعقلاء ، بخلاف قوله تعالى : { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } [ النحل : 17 ] ، وقوله : @ 3845 - أَسِرْبَ القَطَا هَلْ مَنْ يُعِيرُ جَنَاحَهُ … @@ البيت . وقد تقدَّم خلاف القرَّاء في { خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ } في سورة " إبراهيم " . واستعير المشي للزَّحف على البطن ، كما استعير المشفر للشفة وبالعكس ، كما قالوا في الأمر المستمر : قد مشى هذا الأمر ، ويقال : فلان ما يمشي له أمر . فإن قيل : لم حصر القسمة في هذه الثلاثة أنواع من المشي ، وقد تجد من يمشي على أكثر من أربع كالعناكب والعقارب والرتيلات والحيوان الذي له أربعة وأربعون رجلاً ؟ فالجواب : هذا القسم الذي لم يذكر كالنادر ، فكان ملحقاً بالعدم . وأيضاً قال النقاش : إنه اكتفى بذكر ما يمشي على أربع عن ذكر ما يمشي على أكثر ، لأنّ جميع الحيوان إنما اعتماده على أربع ، وهي قوام مشيه ، وكثرة الأرجل لبعض الحيوان زيادة في الخِلْقَة ، لا يحتاج ذلك الحيوان في مشيه إلى جميعها . قال ابن عطية : والظاهر أن تلك الأرجل الكثيرة ليست باطلاً ، بل هي محتاج إليها في نقل الحيوان ، وهي كلها تتحرك في تصرفه . وجواب آخر وهو أن قوله تعالى : { يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } كالتنبيه على سائر الأقسام . وفي مصحف أبيّ بن كعب : " وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَكْثَر " فعم بهذه الزيادة جميع الحيوان ، ولكنه قرآن لم يثبت بالإجماع . قوله : { يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } لأنه هو القادر على الكل ، والعالم بالكل ، فهو المطلع على أحوال هذه الحيوانات ، فأي عقل يقف عليها ؟ وأي خاطر يصل إلى ذَرَّة من أسرارها ؟ بل هو الذي يخلق ما يشاء كما يشاء ، ولا يمنعه منه مانع . قوله : { لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ } . الأولى حمله على كل الأدلة . وقيل : المراد القرآن ، لأن كالمشتمل على كل الأدلة والعبر . { وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وتقدم الكلام في نظائر هذه الآية بين أهل السنة والمعتزلة .