Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 51-54)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . العامة على نصب " قَوْلَ " خبراً لـ " كَانَ " ، والاسم " أنْ " المصدرية وما بعدها . وقرأ أمير المؤمنين والحسن وابن أبي إسحاق برفعه على أنه الاسم ، و " أَنْ " وما في حَيِّزها الخبر ، وهي عندهم مرجُوحَةٌ ، لأنه متى اجتمع مَعْرِفَتَان فالأولى جعل الأعرف الاسم ، وإن كان سيبويه خيَّر في ذلك بين كل معرفتين ، ولم يفرِّق هذه التفرقة ، وتقدم تحقيق هذا في " آل عمران " . فصل قوله : { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } أي : إلى كتاب الله { وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ } وهذا ليس على طريق الخبر ، ولكنه تعليم أدب الشرع ، بمعنى أن المؤمنين ينبغي أن يكونوا هكذا ، { أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } أي : سمعنا الدعاء وأطعنا بالإجابة ، { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } قال ابن عباس : فيما ساءه وسره " وَيخْشَى اللَّهَ " فيما صدر عنه من الذنوب في الماضي " وَيَتَّقِه " فيما بقي من عمره { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَآئِزُون } الناجون . قوله : " وَيَتَّقِهِ " . القراء فيه بالنسبة إلى القاف على مرتبتين : الأولى : تسكينُ القاف ، ولم يقرأ بها إلاّ حفص . والباقون بكسرها . وأما بالنسبة إلى هاء الكناية فإنهم فيها على خمس مراتب : الأولى : تحريكُهَا مَفْصُولةً قولاً واحداً ، وبها قرأ ورشٌ وابن ذَكْوَانَ وخَلَفٌ وابن كثير والكسائيّ . الثانية : تسكينها قولاً واحداً ، وبها قرأ أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم . الثالثة : إسكان الهاء أو وصلها بياء ، وبها قرأ خلاَّد . الرابعة : تحريكها من غير صلة ، وبها قرأ قالون وحفص . الخامسة : تحريكها موصولة أو مقصورة ، وبها قرأ هشام . فأمَّا إسكان الهاء وقصرها وإشباعها فقد مرَّ تحقيقه مستوفًى . وأما تسكين القاف فإنهم حملوا المنفصل على المتَّصل ، وذلك أنهم يُسَكِّنُون عين " فَعل " فيقولون : كَبْد ، وكتف ، وصبر في كَبِد وكَتِف وصبِر ، لأنها كلمة واحدة ، ثم أجري ما أشبه ذلك من المنفصل مُجْرَى المتصل ، فإن " يَتَّقِه " صار منه " تَقِه " بمنزلة " كَتِف " فسكن كما يسكن ، ومنه : @ 3849 - قَالَتْ سُلَيْمَى اشْتَرْ لَنَا سَوِيقَا @@ بسكون الراء كما سكن الآخر : @ 3850 - فَبَاتَ مُنْتَصباً وَمَا تَكَرْدَسَا @@ وقول الآخر : @ 3851 - عَجِبْتُ لمَوْلُودٍ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ وَذِي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أَبَوَانِ @@ يريد : " مُنْتَصِباً " ، و " لَمْ يَلِدْهُ " . وتقدم في أول البقرة تحرير هذا الضابط في قوله : { فهي كالحجارة } [ البقرة : 74 ] و " هي " و " هو " ونحوها : وقال مكيٌّ : كان يجب على من سَكَّنَ القاف أن يضُمَّ الهاء ، لأنَّ هاء الكناية إذا سُكِّن ما قبلها ولم يكن الساكن ياءً ضُمَّتْ نحو " مِنْهُ " و " عَنْهُ " ، ولكن لما كان سكون القاف عارضاً لم يعتدَّ به ، وأبقى الهاء على كسرتها التي كانت عليها مع كسر القاف ، ولم يصلها بياء ، لأنَّ الياء المحذوفة قبل الهاء مُقَدَّرَةٌ مَنْويَّةٌ ، ( فبقي الحذف الذي في الياء قبل الهاء على أصله ) . وقال الفارسيُّ : الكسرة في الهاء لالتقاء الساكنين ، وليست الكسرة التي قبل الصلة ، وذلك أنَّ هاء الكناية ساكنةٌ في قراءته ، ولما أَجْرَى " تَقِهِ " مجرى كَتِفٍ ، وسكَّن القاف التقى ساكنان ، ولمَّا التقيا اضطر إلى تحريك أحدهما ، فإمَّا أن يحرِّك الأول أو الثاني ، ( و ) لا سبيل إلى تحريك الأول ، لأنه يعود إلى ما فرَّ منه ، وهو ثقل " فَعِل " فحرَّك ثانيهما ( على غير ) أصل التقاء الساكنين ، فلذلك كسر الهاء ، ويؤيده قوله : @ 3852 - … … لَمْ يَلْدَه أبَوَانِ @@ وذلك أن أصله : لم " يَلِدْه " بكسر اللام وسكون الدال للجزم ، ثم لما سكن اللام التقى ساكنان ، فلو حرك الأول لعاد إلى ما فرَّ منه ، فحرك ثانيهما وهو الدال ، وحركها بالفتح وإن كان على خلاف أصل التقاء الساكنين مراعاة لفتحة الياء . وقد ردَّ أبو القاسم بن فيره قول الفارسي وقال : لا يصحُّ قوله : إنه كسر الهاء لالتقاء الساكنين ، لأن حفصاً لم يسكِّن الهاء في قراءته قطُّ وقد رد أبو عبد الله شارح قصيدته هذا الردَّ ، وقال : وعجبت من نفْيِهِ الإسكان عَنْهُ مع ثُبُوتِهِ عَنْهُ في { أَرْجِهْ } [ الأعراف : 111 ] و { فَأَلْقِهْ } [ النمل : 28 ] ، وإذا قَرَأَهُ في " أَرْجِهْ " و " فَأَلْقِهْ " احتمل أن يكون " يَتَّقِهْ " عنده قبل سكون القاف كذلك ، وربما يرجَّحَ ذلك بما ثبت عن عاصم من قراءته إيَّاه بسكون الهاء مع كسر القاف . قال شهاب الدين : لم يَعْنِ الشاطبيُّ بأنَّه لم يسكن الهاء قطّ ، الهاء من حيث هي هي ، وإنما ( عَنَى هَاء ) " يَتَّقِهْ " خاصة ، وكان الشاطبيّ أيضاً يعترض التوجيه الذي تقدم عن مكيّ ، ويقول : تعليله حذف الصلة بأن الياء المحذوفة قبل الهاء مقدَّرةٌ منويَّةٌ ، فبقي في حذف الصلة بعد الهاء على أصله غير مستقيم من قبل أنَّه قرأ " يُؤَدِّهِي " [ آل عمران : 75 ] وشبَّهه بالصلة ، ولو كان يعتبر ما قاله من تقدير الياء قبل الهاء لم يصلها . قال أبو عبد الله : هو وإن قرأ " يُؤَدِّ هِي " وشبَّهَهُ بالصلة فإنه قرأ : { يَرْضَهُ } [ الزمر : 7 ] بغير صلةٍ ، فَألحق مكيّ " يَتَّقِه " بـ " يَرْضَهْ " ، وجعله مما خرج فيه عن نظائره لاتّباع الأثر ، والجمع بين اللغتين ، ويرجح ذلك عنده لأنّ اللفظ عليه ، ولما كانت القاف في حكم المكسورة بدليل كسر الهاء بعدها صار كأنه " يَتَّقِهِ " بكسر القاف والهاء من غير صلةٍ ، كقراءة قالون وهشام في أحد وجهيه ، فعلَّله بما يُعَلِّل به قراءتهما ، والشاطبيُّ يرجح عنده حمله على الأكثر مما قرأ به ، لا على ما قلَّ وندر ، فاقتضى تعليله بما ذكر . قوله تعالى : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } . في " جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ " وجهان : أحدهما : أنه منصوب على المصدر بدلاً من اللفظ بفعله ، إذ أصل : أقسم بالله جهد اليمين : أقسم بجهد اليمين جهداً ، فحذف الفعل وقدَّم المصدر موضوعاً موضعه ، مضافاً إلى المفعول كـ { ضَرْبَ الرِّقَابِ } [ محمد : 11 ] ، قاله الزمخشري . والثاني : أنه حال ، تقديره : مُجتهدين في أيمانهم ، كقولهم : افعل ذلك جهدك وطاقتك . وقد خلط الزمخشريّ الوجهين فجعلهما وجهاً واحداً فقال بعد ما تقدَّم عنه : وحكم هذا المنصوب حكم الحال ، كأنه قيل : جاهدين أيمانهم وتقدم الكلام على { جَهْد أيْمَانِهِم } في المائدة [ 53 ] . فصل قال مقاتل : من حلف بالله فقد أجهد في اليمين ، وذلك أن المنافقين كانوا يقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أينما كنت نكن معك ، لئن خرجت خرجنا ، وإن أقمت أقمنا ، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا " فقال الله تعالى : " قُلْ " لهم " لاَ تُقْسِمُوا " لا تحلفوا ، وهاهنا تم الكلام . ولو كان قسمهم لما يجب لم يجز النهي عنه ، لأنّ من حلف على القيام بالبر والواجب لا يجوز أن ينهى عنه ، فثبت أنّ قسمهم كان لنفاقهم ، وكان باطنهم بخلاف ظاهرهم ، ومن نوى الغدر لا الوفاء فقسمه قبيح . قوله : " طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ " . في رفعها ثلاثة أوجه : أحدها : أنه خبر مبتدأ مضمر تقديره : " أَمْرُنَا طَاعَةٌ " ، أو " المطلوب طَاعَةٌ " . والثاني : أنها مبتدأ والخبر محذوفٌ ، أي : ( أَمْثَل أَوْ أَوْلَى ) . وقد تقدَّم أَنَّ الخبر متى كان في الأصل مصدراً بدلاً من اللفظ بفعل وجب حذف مبتدأه ، كقوله : { صَبْرٌ جَمِيلٌ } [ يوسف : 83 ] ، ولا يبرز إلاّ اضطراراً ، كقوله : @ 3853 - فَقَالَتْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ أَمرُكَ طَاعَةٌ وإنْ كُنْتُ قَدْ كُلِّفْتُ مَا لَمْ أُعَوَّدِ @@ على خلاف في ذلك . والثالث : أن يكون فاعله بفعل محذوف ، أي : ولتكن طاعة ، ولتوجد طاعة . واستضعف ذلك بأنَّ الفعل لا يحذف إلاَّ ( إذا ) تقدَّم مشعر به ، كقوله : { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } [ النور : 36 ] في قراءة من بناه للمفعول ، أي : يُسَبِّحُهُ رِجَالٌ . أو يجاب به نفيٌ ، كقولك : بلى زيدٌ لمن قال : " لم يقم أحدٌ " . أو استفهام كقوله : @ 3854 - أَلاَ هَلْ أَتَى أُمَّ الحُوَيْرِثِ مُرْسَل بَلَى خَالِدٌ إنْ لَمْ تَعُقْه العَوَائِق @@ وقرأ زيد بن علي واليزيديّ : " طاعةً " بنصبها بفعل مضمر ، وهو الأصل . قال أبو البقاء : ولو قرئ بالنصب لكان جائزاً في العربية ، وذلك على المصدر ، أي : أطيعوا طاعةً وقولوا قولاً ، وقد دلَّ عليه قوله بعدها : { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ } قال شهاب الدين : ( قوله : ( ولو قرئ بالنصب لكان جائزاً ) قد تقدم النقل لقراءته ) . وأما قوله : ( وقولوا قولاً ) فكأنه سبق لسانه إلى آية القتال ، وهي : { فَأَوْلَىٰ لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } [ محمد : 20 ، 21 ] ولكن النصب هناك ممتنع أو بعيد . فصل المعنى : هذه طاعة بالقول باللسان دون الاعتقاد ، وهي معروفة ، أي : أمر عرف منكم أنكم تكذبون وتقولون ما لا تفعلون ، قاله مجاهد . وقيل : طاعة معروفة بنية خالصة أفضل وأمثل من يمين باللسان لا يوافقها الفعل . وقال مقاتل بن سليمان : لتكن منكم طاعة معروفة . هذا على قراءة الرفع . وأما على قراءة النصب فالمعنى : أطيعوا الله طاعةً و { ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي : لا يخفى عليه شيء من سرائركم ، فإنه فاضحكم لا محالة ، ومجازيكم على نفاقكم ، ثم قال : { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ ( وَأَطِيعُواْ ) ٱلرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ } أي : عن طاعة الله ورسوله " فَإِنَّمَا عَلَيْه " أي : على الرسول " مَا حُمِّلَ " كلِّف وأمر به من تبليغ الرسالة { وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ } من الإجابة والطاعة . وقرأ نافع في رواية : { فَإنَّمَا عَلَيْهِ مَا حَمل } بفتح الحاء والتخفيف أي : فعليه إثم ما حمل من المعصية . { وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ } أي : تصيبوا الحق ، وإن عصيتموه ، فـ { مَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } ، و " البَلاَغُ " بمعنى : التبليغ . و " المُبِينُ " : الواضح . قوله : " فَإِنْ تَوَلَّوا " يجوز أن يكون ماضياً ، وتكون الواو ضمير الغائبين ويكون في الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة ، وحسَّن الالتفات هنا كونه لم يواجههم بالتولِّي والإعراض ، وأن يكون مضارعاً حذفت إحدى تاءيه ، والأصل : " تَتَوَلَّوا " ، ويُرَجّح هذا قراءة البزِّيِّ : بتشديد ( التاء " فَإنْ ) تَّولَّوا " . وإن كان بعضهم يستضعفها للجمع بين ساكنين على غير حدِّهما . ويرجّحه أيضاً الخطاب في قوله : { وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ } ، ودعوى الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ثانياً بعيد .