Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 55-55)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } الآية . تقدير النظم : بلِّغ أيها الرسول وأطيعوا أيها المؤمنون فقد { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ } أي : الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح أن يستخلفهم في الأرض فيجعلهم الخلفاء والغالبين والمالكين ، كما استخلف عليها من قبلهم في زمن داود وسليمان عليهما السلام - وغيرهما ، وأنه يمكن لهم دينهم ، وتمكينه ذلك بأن يؤيدهم بالنصر والإعزاز ، ويبدلهم من بعد خوفهم من العدوّ أمناً ، بأن ينصرهم عليهم فيقتلوهم ، ويأمنوا بذلك شرهم . قال أبو العالية : مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الوحي بمكة عشر سنين مع أصحابه ، وأمروا بالصبر على أذى الكفار ، فكانوا يصبحون ويمسون خائفين ، ثم أمروا بالهجرة إلى المدينة ، وأمروا بالقتال ، وهم على خوفهم لا يفارق أحد منهم سلاحه ، فقال رجل منهم : ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ، ونضع السلاح فأنزل الله هذه الآية : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ } أدخل اللام لجواب اليمين المضمرة ، يعني : والله ليستخلفنهم في الأرض ليورثنهم أرض الكفار من العرب والعجم فيجعلهم ملوكها وسكانها { كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } . ( قال قتادة : داود وسليمان وغيرهما من الأنبياء . وقيل ) : { كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني : بني إسرائيل ، حيث أهلك الجبابرة بمصر والشام ، وأورثهم أرضهم وديارهم . روى عدي بن حاتم قال : " أتينا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أتى إليه رجل فشكى إليه الفاقة ، ثم أتاه آخر فشكى إليه قطع النسل ، فقال : " يا عدي هل رأيت الحيرة ؟ " قلت : لم أرها وقد أتيت فيها : قال : " فإن طالت بك حياة فلترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله " قلت فيما بيني وبين نفسي : فأين قد سعوا البلاد ، " وإن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى " . قلت : كسرى بن هرمز ، " ولئن طالت بك حياة لترين الرجل من مكة يخرج ملأ كفه من ذهب ، أو ذهب يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله ، وليلقين الله أحدكم يوم القيامة وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له ، وليقولن : " ألم أبعث إليك رسولاً فيبلغك ؟ فيقول : بلى ، فيقول : ألم أعطك مالاً وأتفضل عليك " فيقول : بلى ، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا الجنة ، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم " قال عدي : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اتقوا النار ولو بشقّ تمرة ، فمن لم يجد تمراً فبكلمة طيبة " - قال عدي فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله تعالى وكنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز ، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " يخرج ( الرجل ملأ كفه ) " . قوله : " لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ " فيه وجهان : أحدهما : هو جواب قسم مضمر ، أي : أقسم ليستخلفنهم ، ويكون مفعول الوَعْدِ محذوفاً تقديره : وَعَدَهُم الاسْتِخْلاَف ، لدلالة قوله : " لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ " عليه . والثاني : أن يُجْرَى " وَعَدَ " مجرى القسم لتحقُّقه ، فلذلك أجيب بما يجاب به القسم . قوله : " كَمَا اسْتَخْلَفَ " أي : اسْتِخْلاَفاً كَاسْتِخْلاَفِهِمْ . والعامة على بناء اسْتَخْلَفَ للفاعل . وأبو بكر بناه للمفعول . فالموصول منصوب على الأول ومرفوع على الثاني . قوله : " ولَيُبَدِّلَنَّهُمْ " . قرأ ابن كثير وأبو بكر : " وَليُبْدلَنَّهُمْ " بسكون الباء وتخفيف الدال من أبدل وتقدم توجيهها في الكهف في قوله : { أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا } [ الكهف : 81 ] . قوله : " يَعْبُدُونَنِي " فيه سبعة أوجه : أحدها : أنه مستأنف ، أي : جواب لسؤالٍ مقدر ، كأنه قيل : ما بالهم يُسْتَخْلَفُونَ ويؤمنون ؟ فقيل : " يَعْبُدُونَنِي " . والثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر ، أي : هم يَعْبُدُونَنِي ، والجملة أيضاً استئنافية تقتضي المدح . الثالث : أنه حال من مفعول " وَعَدَ اللَّهُ " . الرابع : أنه حال من مفعول " لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ " . الخامس : أن يكون حالاً من فاعله . السادس : أن يكون حالاً من مفعول " لَيُبَدِّلَنَّهُمْ " . السابع : أن يكون حالاً من فاعله . قوله : " لاَ يُشْرِكُونَ " . يجوز أن يكون مستأنفاً ، وأن يكون حالاً من فاعل " يَعْبُدُونَنِي " أي : يعبدونني موحدين ، وأن يكون بدلاً من الجملة التي قبله الواقعة حالاً ، وتقدم ما فيها . فصل دلّ قوله : " وَعَدَ اللَّهُ " على أنه متكلم ، لأن الوعد نوع من أنواع الكلام ، والموصوف بالنوع موصوف بالجنس ، ولأنه تعالى ملك مطاع ، والملك المطاع لا بُدّ وأن يكون بحيث يمكنه وعد أوليائه ووعيد أعدائه ، فثبت أنه سبحانه متكلم . فصل ودلت الآية على أنه سبحانه يعلم الأشياء قبل وقوعها خلافاً لهشام بن الحكم ، فإنه قال : لا يعلمها قبل وقوعها . ووجه الاستدلال أنه تعالى أخبر عن وقوع شيء في المستقبل إخباراً على التفصيل . وقد وقع المخبر مطابقاً للخبر ، ومثل هذا الخبر لا يصح إلا مع العلم . فصل ودلت الآية على أنه تعالى حي قادر على جميع الممكنات لقوله : " لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأَرْضِ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً " وقد فعل كل ذلك ، وصدور هذه الأشياء لا يصح إلا من القادر على كل الممكنات المقدورات . فصل ودلت الآية على أنه سبحانه هو المستحق للعبادة ، لأن قال : " يَعْبُدُونَنِي " . وقالت المعتزلة : الآية تدل على أن فعل الله تعالى معلل بالغرض ، لأنَّ المعنى : لكي يعبدونني . وقالوا أيضاً : الآية تدل على أنه سبحانه يريد العبادة من الكل ، لأنّ من فعل فعلاً لغرض ، فلا بدَّ وأن يكون مريداً لذلك الغرض . فصل ودلت الآية على أنه سبحانه منزه عن الشريك ، لقوله : { لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً } وذلك يدل على نفي الإله الثاني ، وعلى أنه لا يجوز عبادة غير الله سبحانه . فصل ودلت الآية على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنه أخبر عن الغيب بقوله : { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } { وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً } وقد وجد هذا المخبر موافقاً للخبر ، ومثل هذا الخبر معجز ، والمعجز دليل الصدق ، فدل على صدق محمد عليه السلام . فصل دلت الآية على أنّ العمل الصالح خارج عن مسمى الإيمان ، خلافاً للمعتزلة ، لأنه عطف العمل الصالح على الإيمان ، والمعطوف خارج عن المعطوف عليه . فصل دلت الآية على إمامة الأئمة الأربعة ، لأنه تعالى وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الحاضرين في زمان محمد - عليه السلام - بقوله : " مِنْكُمْ " بأنه يستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ، وأن يمكن لهم دينهم المرضي ، وأن يبدلهم بعد الخوف أمناً ، ومعلوم أن المراد بهذا الوعد بعد الرسول هؤلاء ، لأن استخلاف غيره لا يكون إلا بعده ، ومعلوم ألا نبيّ بعده ، لأنه خاتم الأنبياء ، فإذن المراد بهذا الاستخلاف طريقة الإمامة ، ومعلوم أن بعد الرسول لا يحصل هذا الاستخلاف إلاّ في أيام أبي بكر وعمر وعثمان ، لأنّ في أيامهم كان الفتوح العظيم ، وحصل التمكن ، وظهر الدين والأمن ، ولم يحصل ذلك في أيام عليّ - كرم الله وجهه - لأنه لم يتفرغ لجهاد الكفار ، لاشتغاله بمحاربة من خالفه من أهل الصلاة ، فثبت بهذا دلالة الآية على صحة خلافة هؤلاء . فإن قيل : الآية متروكة الظاهر ، لأنها تقتضي حصول الخلافة لكل من آمن وعمل صالحاً ، ولم يكن الأمر كذلك ، نزلنا عنه ، ولكن لم لا يجوز أن يكون المراد من قوله : " لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ " هو أنه تعالى أسكنهم في الأرض ، ومكنهم من التصرف ، لأنّ المراد خلافة الله ، ويدل عليه قوله : { كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } واستخلاف من كان قبلهم لم يكن بطريق الأمانة ، فوجب أن يكون الأمن في حقهم أيضاً ، كذلك نزلنا عنه ، لكن هاهنا ما يدل على أنه لا يجوز حمله على خلافة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن من مذهبكم أنه - عليه السلام - لم يستخلف أحداً ، وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : " أنزلتكم كما نزلت نبي الله " فعبر عنه بلفظ الجمع على سبيل التعظيم كقوله تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } [ القدر : 1 ] ، وقال في حق علي - رضي الله عنه - : { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } [ المائدة : 55 ] ، نزلنا عنه ، ولكن نحمله على الأئمة الاثني عشر ؟ والجواب عن الأول : أن كلمة " مِنْ " للتبعيض ، فقوله : " مِنْكُمْ " يدل على أنَّ المراد من هذا الخطاب بعضهم . وعن الثاني : أن الاستخلاف بالمعنى الذي ذكرتموه حاصل لجميع الخلق ، والمذكور هاهنا في معرض البشارة ، فلا بدَّ وأن يكون مغايراً له . وأما قوله تعالى : { كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } فالذين كانوا قبلهم قد كانوا خلفاء تارة بسبب النبوة وتارة بسبب الملك ، فالخلافة حاصلة في الصورتين . وعن الثالث : أنه وإن كان مذهبنا أنه عليه السلام لم يستخلف أحداً بالتعيين ، ولكن قد استخلف بذكر الوصف والأمر والإخبار ، فلا يمتنع في هؤلاء أنه تعالى استخلفهم ، وأن الرسول استخلفهم ، وعلى هذا الوجه قالوا في أبي بكر - رضي الله عنه - خليفة رسول الله ، والذي قيل : إنه عليه السلام لم يستخلف أريد به على وجه التعيين ، وإذا قيل : استخلف فالمراد على طريق الوصف والأمر . وعن الرابع : أن حمل لفظ الجمع على الواحد مجاز ، وهو خلاف الأصل . وعن الخامس : أنه باطل لوجهين : أحدهما : قوله تعالى : " مِنْكُمْ " يدل على أنّ الخطاب كان مع الحاضرين ، وهؤلاء الأئمة ما كانوا حاضرين . الثاني : أنه تعالى وعدهم القوة والشوكة والبقاء في العالم ، ولم يوجد ذلك فيهم . فثبت بهذا صحة إمامة الأئمة الأربعة ، وبطل قول الرافضة الطاعنين على أبي بكر وعمر وعثمان ، وعلى بطلان قول الخوارج ، الطاعنين على عثمان وعلي . قوله : { وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ } أراد كفر النعمة ، ولم يرد الكفر بالله تعالى ، { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } العاصون لله عز وجل . قال المفسرون : أول من كفر بهذه النعمة وجحد حقها الذين قتلوا عثمان ، فلما قتلوه غير الله ما بهم وأدخل عليهم الخوف حتى صاروا يقتتلون بعد أن كانوا إخواناً . روى حميد بن هلال قال : قال عبد الله بن سلام في عثمان : إن الملائكة لم تزل محيطة بمدينتكم هذه منذ قدمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى اليوم ، فوالله لئن قتلتموه لتذهبون ثم لا تعودون أبداً ، فوالله لا يقتله رجل منكم إلا لقي الله أجذم لا يد له ، وإن سيف الله لم يزل مغموداً عنكم ، والله لئن قتلتموه ليسللنه الله - عز وجل - ثم لا يغمده عنكم إما قال أبداً ، وإما قال إلى يوم القيامة ، فما قتل نبي قط إلا قتل به سبعون ألفاً ، ولا خليفة إلا قتل به خمسة وثلاثون ألفاً . وروى علي بن الجعد قال : أخبرني حماد - وهو ابن سلمة - عن ابن دينار عن سعيد بن جهمان عن سَفِينَة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " الخلافة ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكاً ، ثم قال : أمسك خلافة أبي بكر سنتين ، وخلافة عمر عشر ، وعثمان اثني عشر ، وعلي ست " قال علي : " قلت لحماد : سفينة القائل لسعيد : أمسك ؟ قال : نعم " .