Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 56-57)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّـلاَةَ } فيه وجهان : أحدهما : أنه معطوف على { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ ( وَأَطِيعُواْ ) ٱلرَّسُولَ } [ النور : 54 ] وليس ببعيدٍ أن يقع بين المعطوف والمعطوف عليه فاصل ، وإن طال ، لأنّ حق المعطوف أن يكون غير المعطوف عليه ، قاله الزمخشري . قال شهاب الدين : وقوله : ( لأن حقَّ المعطوف … إلى آخره ) لا يظهر عِلَّةً للحكم الذي ادَّعاه . والثاني : أَنَّ قوله : " وَأَقِيمُوا " من باب الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، وحسنه الخطاب في قوله قبل ذلك : " مِنْكُمْ " ثم قال : { وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } أي : افعلوها على رجاء الرحمة . قوله : " لاَ تَحْسَبَّن " . قرأ العامة : " لاَ تَحْسَبَّنَ " بتاء الخطاب ، والفاعل ضمير المخاطب ، أي : لا تحسبن أَيُّها المخاطب ، ويمتنع أو يبعد جعله للرسول - عليه السلام - لأنَّ مثل هذا الحُسبان لا يُتصوَّرُ منه حتى يُنْهى عنهُ . وقرأ حمزة وابن عامر : " لاَ يَحْسَبَّن " بياء الغيبة ، وهي قراءة حسنةٌ واضحةٌ ، فإنَّ الفاعل فيها مضمرٌ ، يعودُ على ما دلَّ السياق عليه ، أي : " لاَ يَحْسَبَّن حاسِبٌ واحدٌ " . وإما على الرسول لتقدُّمِ ذكره ، ولكنه ضعيف للمعنى المتقدم ، خلافاً لمن لَحَّنَ قارئ هذه القراءة كأبي حاتم وأبي جعفر والفراء . قال النحاس : ما عَلِمْت أحداً من أهل العربية بصرياً ولا كوفياً إلا وهو يُلَحِّنُ قراءة حمزة ، فمنهم من يقول : هي لحنٌ ، لأنه لم يأت إلا مفعولُ واحدٌ لـ " يَحْسَبن " . وقال الفراء : هو ضعيفٌ ، وأجازه على حذف المفعول الثاني والتقدير : " لاَ يَحْسَبن الذين كفروا أنفسهم معجزين " قال شهاب الدين : وسبب تلحينهم هذه القراءة : أنهم اعتقدوا أنَّ " الَّذِينَ " فاعل ، ولم يكن في اللفظ إلا مفعولٌ واحدٌ ، وهو " مُعْجِزِينَ " فلذلك قالوا ما قالوا . والجواب عن ذلك من وجوهٍ : أحدها : أنَّ الفاعل مضمر يعود على ما تقدم ، أو على ما يفهم من السياق ، كما سبق تحريره . الثاني : أنَّ المفعول الأول محذوف تقديره : ولاَ يَحْسَبن الَّذِين كفروا أنفسهم معجزين ، إلاّ أن حذف أحد المفعولين ضعيف عند البصريين ، ومنه قول عنترة : @ 3855 - وَلَقَدْ نَزَلْتِ فَلاَ تَظُنِّي غَيْرَهُ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ المُحَبِّ المُكْرَمِ @@ أي : تظني غيره واقعاً . ولما نحا الزمخشريُّ إلى هذا الوجه قال : وأن يكون الأصل : لا يحسبنهم الذين كفروا معجزين . ثم حذف الضمير الذي هو المفعول الأول ، وكان الذي سوّغ ذلك أن الفاعل والمفعولين لما كانت لشيء واحد اقتنع بذكر اثنين عن ذكر الثالث . فقدّر المفعول الأول ضميراً متصلاً . قال أبو حيان : وقد رَدَدْنَا هذا التخريج في أواخر " آل عمران " في قوله : { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ } [ آل عمران : 188 ] في قراءة من قرأ بالغيبة ، وجعل الفاعل : " الَّذِين يَفْرَحُونَ " ، وملخصه : أنَّ هذا ليس من الضمائر التي يُفَسِّرها ما بعدها ، فلا يتقدَّر " لاَ يَحْسَبَنَّهُمْ " إذ لا يجوز ظنَّهُ زيدٌ قائماً ، على رفع ( زيدٌ ) بـ ( ظنه ) . وقد تقدم هذا الرد في الموضع المذكور . الثالث : أن المفعولين هما قوله : { مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ } قاله الكوفيون . ولما نحا إليه الزمخشري قال : والمعنى : لا يحسبن الذين كفروا أحداً يُعْجِزُ الله في الأرض يطمعوهم في مثل ذلك ، وهذا معنى قويٌّ جَيِّدٌ . قال شهاب الدين : قيل : هو خطأ ، لأنَّ الظاهر تعلق " فِي الأَرْض " بـ " مُعْجِزينَ " فجعلهُ مفعولاً ثانياً كالتهيئة للعمل والقطع عنه ، وهو نظير : " ظَنَنْتُ قَائِماً فِي الدَّارِ " . قوله : " وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ " فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن هذه الجملة عطفٌ على الجملة التي قبلها من غير تأويل ولا إضمار ، وهو مذهب سيبويه ، أعني : عطف الجمل بعضها على بعض وإن اختلفت أنواعها خبراً وطلباً وإنشاءً . وقد تقدم تحقيقه في أول الكتاب . الثاني أنها معطوفة عليها ، ولكن بتأويل جملة النهي بجملة خبرية ، والتقدير : الذين كفروا لا يَفُوتُونَ اللَّهَ ومأواهم النارُ . قاله الزمخشري ، كأنه يرى تناسب الجمل شرطاً في ( صحة ) العطف ، هذا ظاهر حاله . الثالث : أنها معطوفة على جملة مقدرة . قال الجرحاني : لا يحتمل أن يكون " وَمَأْوَاهُم " متصلاً بقوله : " لاَ يَحْسَبن " ذلك نهيٌ وهذا إيجابٌ ، فهو إذن معطوف بالواو على مضمر قبله ، تقديره : " لاَ يَحْسَبن الَّذين كفروا مُعْجزين في الأرض بل هم مَقْهُورُونَ ومَأْوَاهُمُ النَّارُ " .