Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 6-10)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال ابن عباس : لما نزل قوله : { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ } [ النور : 4 ] قال عاصم بن عدي الأنصاري : " إنْ دخل رجلٌ منا بيته فرأى رجلاً على بطن امرأته فإن جاء بأربعة رجال يشهدون بذلك فقد قضى الرجل حاجته وخرج ، وإن قتله قتل به ، وإن قال : وجدت فلاناً مع تلك المرأة ضرب ، وإن سكت سكت عن غيظ ، اللهم افتح . وكان لعاصم هذا ابن عم يقال له : عُوَيْمِر ، وله امرأة يقال لها : خولة بنت قيس ، فأتى عويمر عاصماً فقال : لقد رأيت شريك بن سَحماء على بطن امرأتي خولة ، فاسترجع عاصم وأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، ما أسرع ما ابتليت بهذا في أهل بيتي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " وما ذاك " ؟ فقال : أخبرني عويمر ابن عمي أنه رأى شريك بن سحماء على بطن امرأته خولة ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم جميعاً ، فقال لعويمر : " اتقِ اللَّهَ في زوجتكِ وابنة عمك ، ولا تقذفها " فقال : يا رسول الله ، تالله لقد رأيت شريكاً على بطنها ، وإني ما قربتها منذ أربعة أشهر ، وإنها حبلى من غَيري . فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اتّقي اللَّهَ ولا تخبرِي إلا بما صنعتِ " فقالت : يا رسول الله ، إن عويمر رجلٌ غيور ، وإنه رأى شريكاً يطيل النظر ويتحدث ، فحملته الغيرة على ما قال ، فأنزل الله هذه الآية ، فأمر رسولُ الله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يؤذَّن : الصلاة جامعة ، فصلى العصر ثم قال لعُوَيْمِر : قم وقل : أشهد بالله إنّ خولة لزانية وإني لمن الصادقين ، ثم قال في الثانية : أشهد أني رأيت شريكاً على بطنها وإني لمن الصادقين ، ثم قال في الثالثة : أشهد بالله أنها حبلى من غيري وإني لمنَ الصادقين ، ثم قال في الرابعة قل أشهد بالله أنها زانية وأني ما قربتها منذ أربعة أشهر وإني لمن الصادقين ، ثم قال في الخامسة : لعنة الله على عُوَيْمِر ( يعني : نفسه ) إن كان من الكاذبين . ثم قال : اقعد ، وقال لخولة : قومي ، فقامت وقالت : أشهد بالله ما أنا بزانية وإن زوجي لمن الكاذبين ، وقالت في الثانية : أشهد بالله ما رأى شريكاً على بطني وإنه لمن الكاذبين ، وقالت في الثالثة : أشهد بالله ما أنا حُبْلى منه وإنه لمن الكاذبين ، وقالت في الرابعة : اشهد بالله أنه ما رآني على فاحشة قط وإنه من الكاذبين ، وقالت في الخامسة : غضب الله على خولة إن كان عُوَيْمر من الصادقين في قوله ، ففرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما " . وفي رواية عكرمة عن ابن عباس " أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بشريك بن سحماء ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " البينة وإلا حدٌّ في ظهرك " . فقال : يا رسول الله ، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " البينَةُ وإلاَّ حَدٌّ في ظهْرِك " . فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد ، فنزل جبريل - عليه السلام - وأنزل عليه : { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } فقرأ حتى بلغ { إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إليهما ، فجاء هلال فشهد ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ " ؟ . ثم قامت فشهدت ، فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة . قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم ، فمضت ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أبصروها ، فإن جاءت به أكحل العينين ، سابغ الأليتين ، حدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء . فجاءت به كذلك ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لَوْلاَ مَا مَضَى من كتابِ الله - عزَّ وجلَّ - لكانَ لِي ولَهَا شَأْن " . وفي رواية عكرمة عن ابن عباس قال : " لما نزلت { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ … } الآية قال سعد بن عبادة : لو أتيت لَكَاع وقد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء ، فوالله ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته ويذهب ، وإن قلت ما رأيت إن في ظهري لثمانين جلدة - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ، أَلاَ تَسْمَعُونَ مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ " . قالوا : لا تلمه فإنه رجل غيور ، ما تزوج امرأة قط إلا بكراً ، ولا طلق امرأة له واجترأ رجل منا أن يتزوجها . قال سعد : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، والله إني لأعرف أنها من الله وأنها حق ، ولكن عجبت من ذلك ، فقال عليه السلام : " فَإِنَّ اللَّهَ يَأْبَى إِلاَّ ذلك " . فقال : صدق الله ورسوله ، قال : فلم يلبثوا إلا يسيراً حتى جاء ابن عم له يقال له : هلال بن أمية ( من حديقة له ) ، وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم ، فرأى رجلاً مع امرأته يزني بها ، فأمسك حتى أصبح ، فلما أصبح غدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس مع أصحابه ، فقال : يا رسول الله ، إني جئت أهلي عشاءً فوجدتُ رجلاً مع امرأتي ، رأيت بعيني وسمعت بأذني ، فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما جاء به وثقل عليه حتى عرف ذلك في وجهه ، فقال هلال : والله يا رسول الله إني لأرى الكراهة في وجهك مما أتيتك به ، والله يعلم إني لصادق ، وما قلت إلا حقاً ، وإني لأرجو أن يجعل الله لي فرجاً ، فهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضربه ، قال : واجتمعت الأنصار فقالوا : ابتلينا بما قال سعد ، يُجْلَد هلال وتبطل شهادته ، فإنهم لكذلك ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يأمر بضربه إذ أنزل عليه الوحي ، فأمسك أصحابه عن كلامه حين عرفوا أن الوحي قد نزل حتى فرغ ، فأنزل الله : " وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ … إلى آخر الآيات " . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أبشر يا هلال ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لَكَ فَرَجاً " . فقال : كنت أرجو ذلك من الله - عزَّ وجلَّ - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أرسلوا إلَيْها " فجاءت فكذبت هلال . فقال عليه السلام : " اللَّه يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُما كَاذِبٌ ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ " ؟ وأمر بالملاعنة ، وشهد هلال أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، فقال عليه السلام له عند الخامسة : " اتَّقِ اللَّهَ يَا هلالُ ، فإنَّ عذابَ الدنيا أهونُ من عذاب الآخرة " . فقال : والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها رسول الله ، وشهد الخامسة : أنَّ لعنةَ الله عليه إِنْ كَانَ مِنَ الكاذِبين ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أتشهدين ؟ فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، ثم قال لها عند الخامسة ووقفها : " اتقي الله فإنها الخامسة الموجبة ، وإن عذاب الله أشد من عذاب الناس " . فتلكأت ساعة وهمت بالاعتراف ثم قالت : والله لا أفضح قومي ، فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كانَ من الصَّادقين . ففرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما ، وقضى أن الولد لها ، ولا يدعى لأب ، ولا يرمى ولدها ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِزَوْجِهَا ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِلَّذِي قِيلَ فِيهِ " . فجاءت به غلاماً كأنه جمل أورق ، على التشبيه المكروه ، وكان بعد أميراً بمصر ولا يدرى من أبوه " . فصل إذا رمى الرجل امرأته بالزنا يجب عليه الحد إن كانت محصنة ، والتعزير إن لم تكن محصنة ، كما في رمي الأجنبي ، إلا أن قذف الأجنبي لا يسقط الحد عن القاذف إلا بإقرار المقذوف ، أو ببينة أربعة شهداء على الزنا . وفي قذف الزوجة يسقط الحد عنه بأحد هذين الأمرين وباللعان . وإنما اعتبر الشارع اللعان في الزوجات دون الأجنبيات ، لأنه لا معيرة عليه في زنا الأجنبية ، والأولى له سترة . وأما في الزوجة فيلحقه العار والنسب الفاسد ، فلا يمكنه الصبر عليه . فصل إذا قذف زوجته ونكل عن اللعان لزمه حد القذف ، فإذا لاَعَن ونكلت عن اللعان لزمها حد الزنا . وقال أبو حنيفة : يجلس الناكل منهما حتى يلاعن . حجة القول الأول : قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } [ النور : 4 ] ثم عطف عليه حكم الأزواج فقال : { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ … } الآية ؛ فكما أن مقتضى قذف الأجنبيات الإتيان بالشهود أو الجلد ، فكذا موجب قذف الزوجات الإتيان باللعان أو الحد . وأيضاً قوله : { وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا ٱلْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ } والألف واللام في " العَذَاب " للمعهود السابق وهو الحدّ ، وليسا للعموم ، لأنه لم يجب عليها جميع أنواع العذاب . ومما يدل على بطلان الحبس في حق المرأة أن تقول : إن كان الرجل صادقاً فحدُّوني ، وإن كان كاذباً فخلوني . وليس حبس في كتاب الله وسنة رسوله ولا الإجماع ولا القياس . واحتج أبو حنيفة بأن المرأة ما فعلت سوى أنها تركت اللعان وهذا الترك ليس بينة على الزنا ولا إقراراً منها به ، فوجب ألا يجوز رجمها لقوله عليه السلام : " لا يَحلُّ دَمُ امرئٍ مُسْلِمٍ " الحديث . وإذا لم يجب الرجم إذا كانت محصنة لم يجب الجلد في غير المحصن ، لأن لا قائل بالفرق . وأيضاً فالنكول بصريح الإقرار ، فلم يجز إثبات الحد به كاللفظ المحتمل للزنا وغيره . فصل من صح يمينه صح لعانه ، فيجري اللعان بين الرقيقين والذميين والمحدودين ، وكذا إذا كان أحدهما رقيقاً ، أو كان الزوج مسلماً والمرأة ذمية . فإن قيل : اللعان شهادة ، فوجب ألا يصح إلا من أهل الشهادة . وإنما قلنا : اللعان شهادة ، لقوله تعالى : { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ } فسمى اللعان شهادة كقوله : { واسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ } [ البقرة : 282 ] ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهما باللعان بلفظ الشهادة ولم يقتصر على لفظ اليمين ، وإذا ثبت أن اللعان شهادة وجب ألا تقبل من المحدودين في القذف لقوله : { وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً } [ النور : 4 ] ، وإذا ثبت ذلك في المحدود ثبت في العبد والكافر ، إما للإجماع على أنهما ليسا من أهل الشهادة ، أو لأنه لا قائل بالفرق . فالجواب : أن اللعان ليس شهادة في الحقيقة ، بل هو يمين مخصوصة ، لأنه لا يجوز أن يشهد الإنسان لنفسه ولأنه لو كان شهادة لكانت المرأة تأتي بثمان شهادات لأنها على النصف من الرجل ، ولأنه يصح من الأعمى والفاسق ولا تجوز شهادتهما فإن قيل : الفاسق والفاسقة قد يتوبان . قلنا : وكذلك العبد قد يعتق فتجوز شهادته . فصل قال عثمان البتي : إذا تَلاَعَنَ الزوجان لم تقع الفرقة ، لأن اللعان ليس بصريح ولا كناية عن الفرقة ، فلا يفيد الفرقة كسائر الأقوال التي لا إشعار لها بالفرقة ، ولأن أكثر ما فيه أن يكون الزوج صادقاً في قوله ، وهذا لا يوجب تحريماً ، ( ألا ترى أنه لو قامت البينة عليها لم يوجب ذلك تحريماً ) ، فإذا كان كاذباً والمرأة صادقة فأولى ألا يوجب تحريماً . وأيضاً لو تلاعنا فيما بينهما لم يوجب الفرقة ، فكذا عند الحاكم . وأيضاً فاللعان قائم مقام الشهود في قذف الأجنبيات ، فكما أنه لا فائدة في إحضار الشهود هناك إلا إسقاط الحد ( فكذا اللعان لا تأثير له إلا إسقاط الحد ) . وأيضاً فلو أكذب الزوج نفسه في قذفة إياها ثم حُدَّ لم يوجب ذلك الفرقة ، فكذا إذا لاَعَن ، لأن اللعان قائم مقام درء الحد . وأما تفريق النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة العجلاني ، وكان قد طلقها ثلاثاً بعد اللعان فلذلك فرق بينهما . وقال أصحاب الرأي : لا تقع الفرقة بفراغهما من اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما ، لما روى سهل بن سعد في قصة العجلاني مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ، ولأن في قصة عويمر أنهما لما فرغا قال : كذبتُ عليْهَا يا رسول الله إن أمسكتها ، هي طالق ثلاثاً ، ( فطلقها ثلاثاً ) قبل أن يأمرهما ، ولو وقعت الفرقة باللعان لبطل قوله : كذبت عليها إن أمسكتُها ، لأن إمساكها غير ممكن ، ولأن اللعان شهادة لا يثبت حكمه إلا عند الحاكم ، فوجب ألا يوجب الفرقة إلا بحكم الحاكم ، كما لا يثبت المشهود به إلا بحكم الحاكم وقال مالك والليث وزفر : ( إذا فرغا ) من اللعان وقعت الفرقة وإن لم يفرق الحاكم بينهما ، لأنه لو تراضيا على البقاء على النكاح لم يخليا ، بل فرق بينهما ، فدل على أن اللعان قد أوجب الفرقة . وقال الشافعي : إذا أكمل الزوج الشهادة فقد زال فراش امرأته ، ولا يحل له أبداً لقوله تعالى : { وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا ٱلْعَذَابَ … الآية } ، فدل هذا على أنه لا تأثير للعان المرأة إلا في دفع العذاب عن نفسها ، وأن كل ما يجب باللعان من الأحكام فقد وقع بلعان الزوج ، ولأن لعان الزوج مستقلّ بنفي الولد ، فوجب أن يكون الاعتبار بقوله في الإلحاق لا بقولها . فصل في كيفية اللعان وهو مذكور في الآية صريحاً . قال العلماء : يقام الرجل حتى يشهد والمرأة قاعدة ، وتقام المرأة حتى تشهد والرجل قاعد ، ويأمر الإمام من يضع يده على فيه عند الانتهاء إلى اللعنة والغضب ويقول له : إني أخاف إن لم تكن صادقاً . ويكون اللعان عند الحاكم ، فإن كان بمكة كان بين المقام والركن ، وإن كان بالمدينة عند المنبر ، وبيت المقدس في مسجده ، وفي المواضع المعظمة . ولعان المشرك في الكنيسة وأما في الزمان فيوم الجمعة بعد العصر ، ولا بد من حضور جماعة ، وأقلهم أربعة . وهذا التغليظ قيل : واجب . وقيل : مستحب . فصل معنى الآية : { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } أي : يقذفون نساءهم { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ } يشهدون على صحة ما قالوا " إلاَّ أَنْفُسُهُمْ " أي : غير أنفسهم { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ } . قوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ } . في رفع " أنفسهم " وجهان : أحدهما : أنه بدل من " شُهَدَاءُ " ، ولم يذكر الزمخشري في غضون كلامه ( غيره ) . والثاني : أنه نعت له على أن " إلا " بمعنى : غير . قال أبو البقاء : ولو قرئ بالنصب لجاز على أن يكون خبر " كانَ " ، أو منصوباً على الاستثناء ، وإنما كان الرفع هنا أقوى لأن " إلا " هنا صفة للنكرة كما ذكرنا في سورة الأنبياء . قال شهاب الدين : وعلى قراءة الرفع يحتمل أن تكون " كان " ناقصة ، وخبرها الجار ، وأن تكون تامة ، أي : ولم يوجد لهم شهداء . وقرأ العامة " يَكُنْ " بالياء من تحت ، وهو الفصيح ، لأنه إذا أسند الفعل لما بعد " إلا " على سبيل التفريغ وجب عند بعضهم التذكير في الفعل نحو " ما قام إلا هند " ولا يجوز " ما قامت " إلا في ضرورة كقوله : @ 3815 - وَمَا بَقِيَتْ إِلاَّ الضُّلُوعُ الجَرَاشِعُ @@ أو في شذوذ ، كقراءة الحسن : { لاَ تُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } . وقرئ : " وَلَمْ تَكُنْ " بالتاء من فوق ، وقد عرف ما فيه . قوله : " فَشَهَادةُ أَحَدِهِمْ " في رفعها ثلاثة أوجه : أحدها : أن يكون مبتدأ ، وخبره مقدر التقديم ، أي : فعليهم شَهَادة ، أو مؤخر أي : فشهادة أحدهم كافية أو واجبة . الثاني : أن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي : فالواجب شهادة أحدهم . الثالث : أن يكون فاعلاً بفعل مقدر ، أي : فيكفي ، والمصدر هنا مضاف للفاعل . وقرأ العامة : " أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ " بالنصب على المصدر ، والعامل فيه " شَهَادة " . فالناصب للمصدر مصدر مثله كما تقدم في قوله : { فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً } [ الإسراء : 63 ] . وقرأ الأخوان وحفص برفع " أَرْبَعُ " على أنها خبر المبتدأ ، وهو قوله : " فَشَهادةُ " . ويتخرج على القراءتين تعلق الجار في قوله : " بِاللَّهِ " . فعلى قراءة النصب يجوز فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن يتعلق بـ " شَهَادَاتٍ " لأنه أقرب إليه . والثاني : أنه متعلق بقوله : " فَشَهَادَةُ " أي : فشهادة أحدهم بالله ، ولا يضر الفصل بـ " أَرْبَعُ " لأنها معمولة للمصدر فليست أجنبية . الثالث : أن المسألة من باب التنازع ، فإن كلاًّ من " شَهَادَةُ " أو " شَهَادَاتٍ " يطلبه من حيث المعنى ، وتكون المسألة من إعمال الثاني للحذف من الأول ، وهو مختار البصريين وعلى قراءة الرفع يتعين تعلقه بـ " شَهَادَاتٍ " إذ لو علقت بـ " شَهَادةُ " لزم الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر ، ولا يجوز أنه أجنبي . ولم يختلف في " أَرْبَعَ " الثانية ، وهي قوله : { أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ } أنها منصوبة ، للتصريح بالعامل فيها وهو الفعل . قوله : " والخَامِسَةُ " اتفق السبعة على رفع " الخَامِسَةُ " الأولى ، واختلفوا في الثانية : فنصبها حفص . ونصبهما معاً الحسن والسلمي وطلحة والأعمش . فالرفع على الابتداء ، وما بعده من " أَنَّ " وما في حيزها الخبر . وأما نصب الأولى فعلى قراءة من نصب " أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ " يكون النصب للعطف على المنصوب قبلها . وعلى قراءة من رفع يكون النصب بفعل مقدر ، أي : وتشهد الخامسة . وأما نصب الثانية فعطف على ما قبلها من المنصوب وهو " أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ " ، والنصب هنا أقوى منه في الأولى لقوة النصب فيما قبلها كما تقدم تقريره ، ولذلك لم يختلف فيه . وأما " أَنَّ " وما في حيزها فعلى قراءة الرفع يكون في محل رفع خبراً للمبتدأ كما تقدم ، وعلى قراءة النصب يكون على إسقاط الخافض ويتعلق الخافض بذلك الناصب لـ " الخامسة " أي : ويشهد الخامسة بأنَّ لعنة الله ، وبأن غضب الله وجوَّز أبو البقاء أن يكون بدلاً من " الخَامِسَة " . قوله : { أَنَّ لَعْنَةَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } . قرأ العامة بتشديد " أنَّ " في الموضعين . وقرأ نافع بتخفيفها في الموضعين ، إلا أنه يقرأ " غَضِبَ اللَّهُ " يجعل " غَضِبَ " فعلاً ماضياً ، والجلالة فاعله ، كذا نقل أبو حيان عنه التخفيف في الأولى أيضاً ، ولم ينقله غيره . فعلى قراءته يكون اسم " أَن " ضمير الشأن في الموضعين ، و " لَعنةُ اللَّهِ " مبتدأ و " عَلَيْهِ " خبرها ، والجملة خبر " أَنْ " ، وفي الثانية يكون " غَضِبَ اللَّهُ " جملة فعلية في محل خبر " أَنْ " أيضاً . ولكنه يقال : يلزمكم أحد أمرين : وهو إمَّا عدم الفصل بين المخففة والفعل الواقع خبراً ، وإما وقوع الطلب خبراً في هذا الباب ، وهو ممتنع . تقرير ذلك : أن خبر ( أنْ ) المخففة متى كان فِعْلاً متصرفاً غير مقرون بـ " قَدْ " وجب الفصل بينهما بما تقدم في سورة المائدة . فإن أجيب بأنه دعاء ، اعترض بأن الدعاء طلب ، وقد نصوا على أن الجمل الطلبية لا تقع خبراً لـ " أَنَّ " ، حتى تأولوا قوله : @ 3816 - إِنَّ الرِّياضَةَ لا تُنْصِبْكَ للشِّيْبِ @@ وقوله : @ 3817 - إِنَّ الَّذِينَ قَتَلْتُمْ أَمْسِ سَيِّدَهُمْ لاَ تَحْسَبُوا لَيْلَهُمْ عَنْ لَيْلِكُمْ نَامَا @@ على إضمار القول . ومثله : { أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ } [ النمل : 8 ] . وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة والسُّلَمي وعيسى بتخفيف " أن " و " غَضَبُ الله " بالرفع على الابتداء ، والجار بعده خبره ، والجملة خبر " أَنْ " . وقال ابن عطية : و ( أَنْ ) الخفيفة على قراءة ( نافع ) في قوله : ( أَنْ غَضِب ) قد وليها الفعل . قال أبو علي : وأهل العربية يستقبحون أن يَلِيهَا الفعل ، إِلاَّ أن يُفْصل بينها وبينه بشيء ، نحو قوله : { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ } [ المزمل : 20 ] ، { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ } [ طه : 89 ] ، فأما قوله : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ } [ النجم : 39 ] فذلك لقلة تمكن ( ليس ) في الأفعال ، وأما قوله : { أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ } [ النمل : 8 ] و ( بُورِكَ ) في معنى الدعاء ، فلم يجئ دخول الفاعل لئلا يفسد المعنى ، فظاهر هذا أن ( غَضِب ) ليس دعاء ، بل هو خبر عن { غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْها } . والظاهر أنه دعاء كما أن ( بُورِكَ ) كذلك ، وليس المعنى على الإخبار فيهما فاعتراض أبي علي وأبي محمد ليس بمرضي . قوله : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ } . جواب : " لَوْلاَ " محذوف أي : لهلكتم أو لعاجلكم بالعقوبة ، ولكنه ستر عليكم ورفع عنكم الحد باللعان ، { وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ } يعود على من يرجع عن المعاصي بالرحمة " حَكِيمٌ " فيما فرض من الحدود .