Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 1-2)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ } الآية . اعلم أنه تعالى تكلم في هذه السورة في التوحيد والنبوة وأحوال القيامة ثم ختمها بذكر العباد المخلصين المؤمنين . قال الزجاج : " تبارك " تفاعل من البركة . والبركة كثرة الخير وزيادته ، وفيه معنيان : أحدهما : تزايد خيره وتكاثره . قال ابن عباس : معناه : جاء بكل بركة ، قال تعالى : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [ إبراهيم : 34 ] . والثاني : قال الضحاك : تعظّم الذي نزل الفرقان ، أي : القرآن على عبده . وقيل : الكلمة تدل على البقاء ، وهو مأخوذ من بروك البعير ، ومن بروك الطير على الماء . وسميت البركة بركة ، لثبوت الماء فيها ، والمعنى : أنه سبحانه باق في ذاته أزلاً وأبداً ممتنع التغير ، وباق في صفاته ممتنع التبدل . فإن قيل : كلمة " الذي " موضوعة في اللغة للإشارة إلى الشيء عند محاولة تعريفه بقضية معلومة ، وإذا كان كذلك فالقوم ما كانوا عالمين بأنه - سبحانه - الذي نزل الفرقان . فالجواب : أنه لما ظهر الدليل على كونه من عند الله ، فلقوة الدليل وظهوره أجراه مجرى المعلوم . فصل وصف القرآن بالفرقان ، لأنه فرق بين الحق والباطل في نبوة محمد - عليه السلام - وبين الحلال والحرام ، أو لأنه فرق في النزول كقوله : { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ } [ الإسراء : 106 ] ، وهذا أقرب ، لأنه قال : { نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ } ولفظة " نزل " تدل على التفريق ، ولفظة " أنزل " تدل على الجمع ، ولهذا قال في سورة آل عمران : { نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } [ آل عمران : 3 ] { وَأَنْزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } [ آل عمران : 3 ] . والمراد بالعبد ههنا محمد - صلى الله عليه وسلم - . قوله : " ليكون " . اللام متعلقة بـ " نزَّل " ، وفي اسم " يكون " ثلاثة أوجه : أحدها : أنه ضمير يعود على " الَّذِي نزّل " ، أي : ليكون الذي نزل الفرقان نذيراً . الثاني : أنه يعود على " الفرقان " وهو القرآن ، أي : ليكون الفرقان نذيراً ( أضاف الإنذار إليه كما أضاف الهداية إليه في قوله : { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يِهْدِي } [ الإسراء : 9 ] وهذا بعيد ؛ لأن المنذر والنذير من صفات الفاعل للتخويف ، ووصف القرآن به مجاز ، وحمل الكلام على الحقيقة أولى ) . الثالث : أنه يعود على " عبده " ، أي : ليكون عبده محمد - صلى الله عليه وسلم - نذيراً . وهذا أحسن الوجوه معنى وصناعة لقربه مما يعود عليه الضمير على أقرب مذكور . و " لِلعَالَمِين " متعلق بـ " نَذِيراً " ، وإنما قدم لأجل الفواصل ، ودعوى إفادة الاختصاص بعيدة ، لعدم تأتيها هنا ، ورجح أبو حيان عوده على " الذي " ، قال : لأنه العمدة المسند إليه الفعل ، وهو من وصفه تعالى كقوله : { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } [ الدخان : 3 ] ، و " نذيراً " الظاهر فيه أنه بمعنى منذر ، وجوَّزوا أن يكون مصدراً بمعنى الإنذار كالنكير بمعنى الإنكار ، ومنه { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } [ القمر : 16 ] فإن قوله : " تبارك " يدل على كثرة الخير والبركة ، فالمذكور عقيبه لا بد وأن يكون سبباً لكثرة الخير والمنافع ، والإنذار يوجب الغم والخوف ، فكيف يليق ذكره بهذا الموضع ؟ فالجواب : أن الإنذار يجري مجرى تأديب الولد ، كما أنه كلما كانت المبالغة في تأديب الولد أكثر ( كان الإحسان إليه أكثر ، لما أن ذلك يؤدي في المستقبل إلى المنافع العظيمة ، فكذا ههنا كلما كان الإنذار كثيراً ) كان رجوع الخلق إلى الله أكثر ، وكانت السعادة الأخروية أتم وأكثر ، وهذا كالتنبيه على أنه لا التفات إلى المنافع العاجلة ؛ لأنه تعالى لما وصف نفسه بأنه معطي الخيرات الكثيرة لم يذكر إلا منافع الدين ، ولم يذكر منافع الدنيا البتّة . قوله : { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ } يجوز في " الّذِي " الرفع نعتاً للذي الأول ، أو بياناً ، أو بدلاً ، أو خبراً لمبتدأ محذوف ، أو النصب على المدح . وما بعد بدل من تمام الصلة فليس أجنبياً ، فلا يضر الفصل به بين الموصول الأول والثاني إذا جعلنا الثاني تابعاً له . فصل { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } إشارة إلى احتياج هذه المخلوقات إليه سبحانه حال حدوثها ، وأنه سبحانه هو المتصرف فيها كيف يشاء . { وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً } أي : هو الفرد أبداً ، ولا يصح أن يكون غيره معبوداً ووارثاً للملك عنه ، وهذا رد على النصارى . { ولم يكن له شريك في الملك } أي : هو المنفرد بالإلهية ، وإذا عرف العبد ذلك انقطع رجاؤه عن كل ما سواه ، ولم يشتغل قلبه إلا برحمته وإحسانه ، وفيه رد على الثنوية ، والقائلين بعبادة النجوم والأوثان . قوله : { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ } الخلق هنا عبارة عن الإحداث والتهيئة لما يصلح له ، لا خلل فيه ولا تفاوت حتى يجيء قوله : " فقدره تقديراً " مفيداً إذ لو حملنا { خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ } على معناه الأصلي من التقدير لصار الكلام : وقدر كل شيء فقدره . فصل قوله : { خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ } يدل على أنه تعالى خلق الأعمال من وجهين : الأول : أن قوله : " كل شيء " يتناول جميع الأشياء ، ومن جملتها أفعال العباد . والثاني : أنه تعالى نفى الشريك ، فكأن قائلاً قال : ههنا أقوام معترفون بنفي الشريك والأنداد ومع ذلك يقولون بخلق أفعال أنفسهم ، فذكر الله تعالى هذه الآية رداً عليهم . قال القاضي : الآية تدل عليه لوجوه : أحدها : أنه تعالى صرح بكون العبد خالقاً فقال : { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ } [ المائدة : 110 ] ، وقال : { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [ المؤمنون : 14 ] وتمدح بأنه قدره تقديراً ، ولا يجوز أن يريد به إلا الحسن والحكمة دون غيره . فظاهر الآية لا يدل إلا على التقدير ، لأن الخلق عبارة عن التقدير ، فلا يتناول إلا ما يظهر فيه التقدير وهو الأجسام لا الأعراض . والجواب : أن قوله : " إِذْ تَخْلُقُ " ، وقوله : " أَحْسَنُ الخَالِقِينَ " معارض بقوله : { ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ } [ الزمر : 62 ] وبقوله : { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ } [ فاطر : 3 ] وقولهم : لا يجوز التمدح بخلق الفساد ، فالجواب : لم لا يجوز أن يتمدح به من حيث نفاذ القدرة .