Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 53-53)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ } الآية . هذا النوع الرابع . في " مَرَجَ " قولان : أحدهما : بمعنى خلط ومرج ، ومنه مرج الأمر أي : اختلط قاله ابن عرفة . وقيل : " مرج " أجرى ، وأمرج لغة فيه . ( و ) قيل : مرج لغة الحجاز ، وأمْرَجَ لغة نجد ، وفي كلام بعض الفصحاء : بحران أحدهما بالآخر مَمْرُوج ، وماء العذب منهما بالأجاج ممزوج . وقيل : أرسلهما في مجاريهما وخلاَّهما كما ترسل الخيل في المرج قاله ابن عباس . وأصل المرج الخلط والإرسال يقال : مرجت الدابة وأمرجتها إذا أرسلتها في المرعى وخليتها تذهب حيث تشاء . قوله { هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } هذه الجملة لا محل لها ، لأنها مستأنفة جواب لسؤال مقدر كأن قائلاً قال : كيف مرجهما ؟ قيل : هذا عذب وهذا ملح . ويجوز على ضعف أن تكون حالية . والفرات : المبالغ في الحلاوة ، والتاء فيه أصلية لام الكلمة ، ووزنه فعال . وبعض العرب يقف عليها هاء ، وهذا كما تقدم في التابوت . ويقال : سمي الماء الحلو فراتاً ، لأنه يفرت العطش أي : يشقه ويقطعه والأُجاج : المبالغ في الملوحة ، وقيل : في الحرارة ، وقيل في المرارة . وهذا من أحسن المقابلة ، حيث قال تعالى : { عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } وأنشد بعضهم : @ 3877 - فَلاَ واللَّهِ لاَ أَنْفَكُّ أَبكي ( إلى أَنْ نَلْتَقِي شُعْثاً عُراتَا ) أَأُلْحَى إنْ نَزَحْتُ أُجَاجَ عَيْنِي عَلَى جَدَثٍ حَوَى العَذْبَ الفُرَاتَا @@ ما أحسن ما كنى عن دمعه بالأجاج ، وعن المبكي عليه بالعذب الفرات وكان سبب إنشاد هذين البيتين أن بعضهم لحن قائلهما في قوله : عراتا . كيف يقف على تاء التأنيث المنونة بالألف ؟ فقيل له : إنها لغة مستفيضة يجعلون التاء كغيرها فيبدلون تنوينها بعد الفتح ألفاً ، حكي عن العرب أكلت تمرتاً نحو أكلت زيتاً . وقرأ طلحة وقتيبة عن الكسائي " مَلِح " بفتح الميم وكسر اللام ، وكذا في سورة فاطر ، وهو مقصور من ( مالح ) كقولهم : برد في بارد ، قال : @ 3878 - وَصِلْيانا بَرِدا @@ وماء مالح لغة شاذة . وقال أبو حاتم : هذه قراءة منكرة . قوله : " بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً " يجوز أن يكون الظرف متعلقاً بالجعل ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من " بَرْزَخاً " . والأول أظهر . ومعنى " بَرْزَخاً " أي : حاجزاً بقدرته لئلا يختلط أحدهما بالآخر . قوله : " وَحِجْراً مَحْجُوراً " الظاهر عطفه على " برزخاً " . وقال الزمخشري : ( فإن قلت : " حِجْراً مَحْجُوراً " ) ما معناه ؟ قلت هي الكلمة التي يقولها المتعوّذ ، وقد فسرناها ، وهي هنا واقعة على سبيل المجاز ، كأن واحداً من البحرين يقول لصاحبه : حجراً محجوراً كأنه يتعوذ من صاحبه ويقول له : حجراً محجوراً . كما قال : " لا يبغيان " . وهي من أحسن الاستعارات . فعلى ما قاله يكون منصوباً بقول مضمر . فإن قيل : لا وجود للبحر العذب ، فكيف ذكره الله تعالى هنا ؟ لا يقال : هذا مدفوع من وجهين : أحدهما : أن المراد منه الأودية العظام كالنيل وجيحون . الثاني : لعله حصل في البحار موضع يكون أحد جانبيه عذباً والآخر ملحاً ، لأنا نقول : أما الأول فضعيف ، لأن هذه الأودية ليس فيها ماء ملح ، والبحار ليس فيها ماء عذب ، فلم يحصل البتة موضع التعجب وأما الثاني فضعيف ؛ لأن موضع الاستدلال لا بد وأن يكون معلوماً ، وأما بمحض التجويز فلا يحسن الاستدلال . فالجواب : أنا نقول : المراد من البحر العذب هذه الأودية ومن البحر الأجاج البحار الكبار . { وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً } أي : حائلاً من الأرض ، ووجه الاستدلال هاهنا أن العذوبة والملوحة إن كانت بسبب طبيعة الأرض والماء ، فلا بد من الاستواء ، وإن لم يكن كذلك فلا بد من قادر حكيم يخص كل واحد من الأجسام بصفة خاصة . ويمكن الجواب بطريق آخر ، وهو أنا رأينا نيل مصر داخلاً في بحر ملح أبيض لونه مغاير للون بحر الملح ، ولا يختلط به ويؤخذ منه ويشرب .