Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 50-52)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : " وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ " في هذه الهاء ثلاثة أوجه : أحدها : قال الجمهور : إنها ترجع إلى المطر ، ثم هؤلاء قال بعضهم : ( المعنى صرفنا نزول الماء من وابل ، وطل وجود وطشّ ، ورذاذ ، وغير ذلك . وقال بعضهم ) : " صَرَّفْنَاهُ " أي : أجريناه في الأنهار حتى انتفعوا بالشرب وبالزراعات وأنواع المعاش به . وقال آخرون : معناه : أنه تعالى ينزله في مكان ( دون مكان ) في عام ثم في العام الثاني يقع بخلاف ما وقع في العام الأول ، قال ابن عباس : ما عام بأكثر من عام ، ولكن الله يصرفه في الأرض . ثم قرأ هذه الآية . وروى ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ما من عام بأمطر من عام ولكن إذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم فإذا عصوا جميعاً صرف الله ذلك إلى الفيافي " . الثاني : قال أبو مسلم : الضمير راجع إلى المطر والسحاب والإظلال وسائر ما ذكره الله من الأدلة . الثالث : أي هذا القول صرفناه بين الناس في القرآن وفي سائر الكتب والصحف التي أنزلت على الرسل ، وهو ذكر إنشاء السحاب ، وإنزال المطر ليتفكروا ويستدلوا به على الصانع . وقرأ عكرمة : " صَرَفْنَاهُ " بتخفيف الراء . وقيل : التصريف راجع إلى الريح . " ليذكروا " ويتفكروا في قدرة الله تعالى { فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } جحوداً ، وكفرانهم هو أنهم إذا أمطروا قالوا : أُمْطرنا بنوء كذا ، روى زيد بن خالد الجهني قال : " صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس فقال : " هل تدرون ما قال ربكم " قالوا : الله ورسوله أعلم " قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال : مُطِرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي وكافر بالكواكب ، وأما من قال : مُطِرْنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب " . فصل قال الجبائي : قوله : " لِيَذَّكَّرُوا " يدل على أنه تعالى يريد من الكل أن يذكروا ويشكروا ، ولو أراد أن يكفروا أو يعرضوا لما صح ذلك ، وذلك يبطل قول من قال : إن الله مريد لكفر من يكفر قال : ودلَّ قوله : { فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } على قدرتهم على فعل هذا التذكر ؛ إذ لو لم يقدروا لما جاز أن يقال : أبوا أن يفعلوه ، كما لا يقال في الزمن أبى أن يسعى . وقال الكعبي : قوله : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ } ( حجة على من زعم أن القرآن وبال على الكافرين ، وأنه لم يرد بإنزاله أن يؤمنوا ، لأن قوله : " ليذَّكَّروا " ) عامّ في الكل ، وقوله تعالى : { أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ } يقتضي أن يكون هذا الأكثر داخلاً في ذلك العام ، لأنه لا يجوز أن يقال أنزلناه على قريش ليؤمنوا فأبى أكثر بني تميم إلا كفوراً . والجواب قد تقدم مراراً . قوله تعالى : { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } رسولاً ينذرهم ، والمراد من ذلك تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه : أحدها : أنه تعالى بين أنه مع القدرة على بعثه نذيراً ورسولاً في كل قرية خصه بالرسالة وفضّله بها على الكل ، ولذلك أتبعه بقوله : { فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ } أي : لا توافقهم . وثانيها : المراد : ولو شئنا لخففنا عنك أعباء الرسالة إلى كل العالمين و { لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } ولكنا قصرنا الأمر عليك وأجللناك وفضلناك على سائر الرسل ، فقابل هذا الإجلال بالتشدُّد في الدين . وثالثها : أن الآية تقتضي مزج اللطف بالعنف ، لأنها تدل على القدرة على أن يبعث في كل قرية نذيراً مثل محمد ، وأنه لا حاجة بالحضرة الإلهية إلى محمد البتة . وقوله : " ولَوْ شِئْنَا " يدل على أنه تعالى لا يفعل ذلك . والمعنى : ولكن بعثناك إلى القُرَى كلها وحمَّلناك ثقل نذارة جميعها لتستوجب بصبرك عليه ما أعتدنا لك من الكرامة والدرجة الرفيعة . { فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ } فيما يدعونك إليه من موافقتهم وهذا يدل على أن النهي عن الشيء لا يقتضي كون المنهي عنه مشتغلاً به . قوله : " وَجَاهِدْهُمْ بِهِ " أي : بالقرآن ، أو بترك الطاعة المدلول عليه بقوله : " فَلاَ تُطِع " ، أو بما دل عليه { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } من كونه نذير كافة القرى ، أو بالسيف . والأقرب الأول ؛ لأن السورة مكية ، والأمر بالقتال ورد بعد الهجرة بزمان ، فالمراد بذل الجهد في الدعاء جهاداً كبيراً شديداً .