Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 63-67)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ } { عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } رفع بالابتداء ، وفي خبره وجهان : أحدهما : الجملة الأخيرة في آخر السورة { أُولَئِكَ يُجْزَونَ } [ الفرقان : 75 ] ، وبه بدأ الزمخشري و " الَّذِينَ يَمْشُونَ " وما بعده صفات للمبتدأ . والثاني : أن الخبر " يَمْشُونَ " . والعامة على " عِبَادِ " ، [ واليمانيّ بضم العين وتشديد الباء جمع عابد ، والحسن " عُبُد " بضمتين . والعامة " يَمْشُون " بالتخفيف مبنياً للفاعل ] ، واليماني والسلمي بالتشديد مبنياً للمفعول . فصل هذه الإضافة للتخصيص والتفضيل وإلا فالخلق كلهم عباد الله . قوله : " هَوْناً " إما نعت مصدر ، أي : مشياً هوناً ، وأما حال أي : هَيِّنينَ ، والهون : اللين والرفق ، أي يمشون بالسكينة والوقار متواضعين ، ولا يضربون بأقدامهم أشراً وبطراً ولا يتبخترون خيلاء . وقال الحسن : علماء حكماء . وقال محمد ابن الحنفية : أصحاب وقار وعفّة لا يسفهون وإن سفه عليهم حلموا { وإذا خاطبهم الجاهلون } يعني السفهاء بما يكرهونه " قَالُوا سَلاَماً " . قال مقاتل : قولاً يسلمون فيه من الإثم . وقيل : المعنى : لا نجاهلكم . وقيل : المراد حلمهم في مقابلة الجهل . وقال الأصم : " قَالُوا سَلاَماً " أي : سلام توديع لا محبة ، كقول إبراهيم - عليه السلام - لأبيه : { سَلاَمٌ عَلَيْكَ } [ مريم : 47 ] . قال الكلبي وأبو العالية : نسختها آية القتال . قوله : " سَلاَماً " يجوز أن ينتصب على المصدر بفعل مقدر أي : نسلم سلاماً أو نسلم تسليماً منكم لا نجاهلكم فأقيم السلام مقام التسليم ، ويجوز أن ينتصب على المفعول به ، أي : قالوا هذا اللفظ ، قال الزمخشري : أي قالوا سداداً من القول يسلمون فيه من الأذى ، والمراد سلامتهم من السفه ، كقوله : @ 3885 - أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِينَا @@ ورجح سيبويه أن المراد بالسلام السلامة لا التسليم ، لأن المؤمنين لم يؤمروا قط بالتسليم على الكفرة ، وإنما أمروا بالمسالمة ، ثم نسخ ذلك ، ولم يذكر سيبويه نسخاً إلا في هذه الآية . قوله : { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً } . لما ذكر وصفهم بالنهار من وجهين : أحدهما : ترك الإيذاء بقوله : { يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } . والثاني : تحمل الإيذاء بقوله : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } شرح صفتهم في الليل . قال الزجاج : كل من أدركه الليل قيل : بات وإن لم ينم كما يقال : بات فلان قلقاً . والمعنى يبيتون لربهم سجداً على وجوههم ، وقياماً على أقدامهم قال ابن عباس : من صلى بعد العشاء ركعتين فقد بات ساجداً وقائماً . وروى عثمان بن عفان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ، ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة " . قوله : " سُجَّداً " خبر " يَبِيتُون " ، ويضعف أن تكون تامة . أي : دخلوا في البيات ، و " سُجَّداً " حال و " لِرَبِّهِمْ " متعلق بـ " سُجَّداً " . وقدم السجود على القيام وإن كان بعده في الفعل ، لاتفاق الفواصل . و " سُجَّداً " جمع ساجد كضُرَّاب في ضارب . وقرأ أبو البرهسيم " سُجُوداً " بزنة قعود ، ويبيت هي اللغة الفاشية ، وأزد السَّراة وبجيلة يقولون : يبات ، وهي لغة العوام اليوم . قوله : { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ } . قال ابن عباس : يقولون في سجودهم وقيامهم هذا القول . قوله : " غَرَاماً " أي : لازماً دائماً ، وعن الحسن : كل غريم يفارق غريمه إلاّ غريم جهنم . وأنشد بشر بن أبي خازم : @ 3886 - وَيَومَ النِّسَار وَيَوْمَ الجِفَا رِ كَانَا عَذَاباً وَكَانَ غرَاما @@ وقول الأعشى : @ 3887 - إن يُعَاقِبْ يَكُنْ غَرَاماً وإن يُعْـ ـطِ جَزِيلاً فإنَّهُ لاَ يُبَالِي @@ فـ ( غَرَاماً ) بمعنى شر لازم ، وقيل : خسراناً ملحّاً لازماً ، ومنه الغريم لإلحاحه وإلزامه ، ويقال : فلان مغرم بالنساء ، إذا كان مولعاً بهن ، وسأل ابن عباس نافع بن الأزرق عن الغرام فقال : هو الوجع . قوله : { إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } . يجوز أن تكون " ساءت " بمعنى أحزنت ، فتكون متصرفة ناصبة المفعول ، وهو هنا محذوف ، أي : أنها يعني جهنم أحزنت صحابها و " مُسْتَقرًّا " يجوز أن تكون تمييزاً وأن تكون حالاً . ويجوز أن تكون " سَاءَتْ " بمعنى بئست ، فتعطي حكمها ، ويكون المخصوص بالذم محذوفاً ، وفي " ساءت " ضمير مبهم يفسره مستقر و " مستقراً " يتعين أن يكون تمييزاً ، أي : سَاءَتْ هي ، فهي مخصوص وهو الرابط بين هذه الجملة وبين مَا وَقَعَتْ خبراً عنه ، وهو " إنَّها كذا قدَّره أبو حيان ، وقال أبو البقاء : " مُسْتَقَرًّا " تمييز ، و " سَاءَتْ " بمعنى بئْسَ . فإن قيل : يلزم من هذا إشكال ، وذلك أنه يلزم تأنيث فعل الفاعل المذكَّر من غير مسوِّغ لذلك ، فإنَّ الفاعل في " سَاءَتْ " على هذا يكون ضميراً عائداً على ما بعده ، وهو " مُسْتَقَرًّا وَمُقَاماً " ، وهما مذكران ، فن أين جاء التأنيث ؟ والجواب : أن المستقرَّ عبارة عن جهنَّم فلذلك جاز تأنيث فعله ، ومثله قوله : @ 3888 - أَوْ حُرَّةٌ عَيْطَلٌ ثَيْجَاءَ مُجْفَرَةٍ دَعَائِمَ الزَّوْرِ نِعْمَتْ زَوْرَقُ البَلَدِ @@ و " مُسْتَقرًّا وَمُقَاماً " قيل : مترادفان ، وعطف أحدهما على الآخر لاختلاف لفظيهما . وقيل : بل هما مختلفا المعنى ، فالمستقرُّ للعصاة ، فإنهم يخرجون ، والمقام للكُفَّار فإنهم مخلدون . فإن قيل : إنهم سألوا الله أن يصرف عنهم عذاب جهنم لعلتين : إحداهما : أن عذابها كان غراماً . والثانية : أنها ساءت مستقراً ومقاماً فما الفرق بين الوجهين ؟ فالجواب : قال المتكلمون : عقاب الكافر يجب أن يكون مضرّة خالصة عن شوائب النفع ( دائمة ، فقوله : { إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } إشارة إلى كونه مضرّة خالصة عن شوائب النفع ) وقوله : { إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } إشارة إلى كونه دائماً ، فحصلت المغايرة . وقرأت فرقة " مَقَاماً " بفتح الميم ، أي : مكان قيام . وقراءة العامة هي المطابقة للمعنى ، أي : مكان إقامة وثُوِيٍّ . وقوله : { إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً } يحتمل أن يكون من كلامهم ، فتكون منصوبة المحل بالقول ، وأن يكون من كلام الله تعالى . قوله : { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ } . قرأ الكوفيون بفتح الياء وضم التاء من يَقْتُرُوا ، وابن كثير وأبو عمرو بالفتح والكسر ، ونافع وابن عامر بالضم والكسر من أقتر ، وعليه { وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } [ البقرة : 236 ] وأنكر أبو حاتم أقْتَرَ ، وقال : لا يناسب هنا ، فإن أَقْتَرَ بمعنى افتقر ، ومنه { وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } [ البقرة : 236 ] وردَّ عليه بأن الأصمعي وغيره حكوا أَقْتَرَ بمعنى ضَيَّقَ . وقرأ العلاء بن سيابة واليزيدي بضم الياء وفتح القاف وكسر التاء مشددة من قَتَّر بمعنى ضيَّق ، وكلها لغات ، والقَتْر والإقْتَار والتَّقْتير ( التضييق الذي هو نقيض ) الإسراف ، والإسراف مجاوزة الحد في النفقة . فصل المراد من الآية القصد بين الغلو والتقصير ، كقوله تعالى : { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ } [ الإسراء : 29 ] . وسأل ابن الورد بعض العلماء ما البناء الذي لا سَرَف فيه ؟ قال : ما سترك عن الشمس ، وأكنَّك من المطر . وقال له ما الطعام الذي لا سرف فيه ؟ فقال : ما سد الجوعة ، وقال له في اللباس : ما ستر عورتك وأدفأك من البرد . وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك : الإسراف في النفقة في معصية الله تعالى ، والإقتار : منع حق الله تعالى . قال مجاهد : لو أنفق الرجل مثل ( أبي ) قبيس ذهباً في طاعة الله لم يكن مسرفاً . وأنشدوا : @ 3889 - ذِهَابَ المَالِ في حَمْدٍ وَأَجْرٍ ذِهَابٌ لاَ يُقَالُ لَهُ ذِهَابُ @@ وقيل : السرف مجاوزة الحد في التنعم والتوسع وإن كان من حلال ، لأنه يؤدي إلى الخيلاء وكسر قلوب الفقراء . قوله : { وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } في اسم " كان " وجهان : أشهرهما : أنه ضمير يعود على الإنفاق المفهوم من قوله " أَنْفَقُوا " . أي : وكان إِنْفَاقهم مستوياً قصداً لا إسرافاً ولا تقتيراً ، وفي خبرها وجهان : أحدهما : هو " قَوَاماً " و " بَيْنَ ذَلِكَ " إما معمول له ، وإما لـ " كان " عند من يرى إعمالها في الظرف ، وإما المحذوف على أنه حال من " قَوَاماً " ، ويجوز أن يكون { بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } ، خبرين لـ " كان " عند من يرى ذلك ، وهم الجمهور خلافاً لابن درستويه . والثاني : أن الخبر " بَيْنَ ذَلِكَ " و " قَوَاماً " حال مؤكدة . والثاني من الوجهين الأولين : أن يكون اسمها " بَيْنَ ذَلِكَ " وبُنِيَ لإضافته إلى غير متمكنٍ ، و " قَوَاماً " خبرها قاله الفراء . قال الزمخشري : وهو من جهة الإعراب لا بأس به ( ولكنه من جهة المعنى ) ليس بقوي ؛ لأن ما بين الإسراف والتقتير قَوامٌ لا محالة فليس في الخبر الذي هو مُعْتَمَدُ الفائدة فائدةٌ . قال شهاب الدين : وهو يشبه قولك : كان سيِّد الجارية مالكها . قال ثعلب : القوام - بالفتح - ( العدل والاستقامة ، وبالكسر ما يدوم عليه الأمر ويستقر . وقال الزمخشري : القوام ) العدل بين الشيئين لاستقامة الطرفين واعتدالهما ، وبالكسر ما يقام به الشيء لا يفضل عنه ولا ينقص . وقرأ حسان بن عبد الرحمن " قِوَاماً " يكسر القاف ، فقيل : هما بمعنى ، وقيل : بالكسر اسم ما يقام به الشيء وقيل : بمعنى سداداً وملاكاً .