Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 68-71)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ } الآية . قال ابن عباس : إن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا ، وزنوا فأكثروا ، فأتوا محمداً - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت هذه الآية ، ونزل " يَا عِبَادِيَ " { ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } [ الزمر : 53 ] وروي " أن رجلاً قال : يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله ؟ قال : " أن تدعو لله نداً وهو خلقك " قال : ثم أي ؟ قال : " ثم أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك " قال : ثم أي ؟ قال : " أن تُزَاني حليلة جارك " فأنزل الله تصديقها هذه الآية . فإن قيل : إن الله تعالى ذكر أن من صفات عباد الرحمن الاحتراز عن الشرك والقتل والزنا ، فلو كان الترتيب بالعكس كان أولى ؟ فالجواب : أن الموصوف بتلك الصفات السالفة قد يكون متمكناً بالشرك تديناً ، ويقتل المولود تديناً ، ويزني تديناً ، فبين تعالى أن المرء لا يصير بتلك الخصال وحدها من عباد الرحمن حتى يتجنب هذه الكبائر . وأجاب الحسن فقال : المقصود من ذلك التنبيه على الفرق بين سيرة المسلمين وسيرة الكفار كأنه قال : وعباد الرحمن هم الذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ، وأنتم تدعون ، " وَلاَ يَقْتُلُونَ " وأنتم تقتلون الموءودة ، " وَلاَ يَزْنُونَ " وأنتم تزنون . قوله : " إلاَّ بالحَقِّ " يجوز أن تتعلق الباء بنفس " يَقْتلُون " أي : لا يقتلونها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق ، وأن تتعلق بمحذوف على أنها صفة للمصدر ، أي : قَتْلاً مُلْتَبِساً بالحق ، أو على أنها حال أي : إلاَّ مُلْتَبِسِينَ بالحق . فإن قيل : من حلَّ قتله لا يدخل في النفس المحرمة ، فكيف يصحّ هذا الاستثناء فالجواب : أن المقتضي لحرمة القتل قائم أبداً ، وجواز القتل إنما ثبت بمعارض ، فقوله : " حَرَّمَ اللَّهُ " إشارة إلى المقتضي ، وقوله : " إلاَّ بالحَقِّ " إشارة إلى المعارض والسبب المبيح للقتل هو الردة ، والزنا بعد الإحصان ، وقتل النفس المحرمة . قوله : { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } هذه إشارة إلى جميع ما تقدم ، لأنه بمعنى ما ذكر ( فلذلك وحِّدَ ) . قوله : " يَلْقَ " قراءة العامة مجزوماً على جزاء الشرط بحذف الألف ، وقرأ عبد الله وأبو رجاء " يَلْقَى " بإثباتها كقوله : { فلا تَنْسَى } [ الأعلى : 6 ] على أحد القولين ، وكقراءة { لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } [ طه : 77 ] في أحد القولين أيضاً ، وذلك بأن نقدر علامة الجزم حذف الضمة المقدرة . وقرأ بعضهم " يُلَقَّ " بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف من لقاه كذا . والأثام مفعول على قراءة الجمهور ، ومفعول ثان على قراءة هؤلاء والأثام العقوبة ، قال : @ 3890 - جَزَى اللَّهُ ابْنَ عُرْوَةَ حَيْثُ أَمْسَى عُقُوقاً وَالعُقُوقُ لَهُ أَثَامُ @@ أي عقوبةٌ . وقيل : هو الإثم نفسه ، أي : يَلْقَ جَزَاءَ إثْمٍ . قال أبو مسلم : والأثام والإثم واحد ، والمراد هاهنا جزاء الأثام ، فأطلق اسم الشيء على جزائه . وقال الحسن : الأثام اسم من أسماء جهنم ، وقال مجاهد : اسم وادٍ في جهنم وقيل : بئر فيها . وقرأ ابن مسعود : " أَيَّاماً " جمع يومٍ ، يعني شدائد ، والعرب تعبر عن ذلك بالأيَّام ، يقال : يوم ذو أيام لليوم الصعب . قوله : " يُضَاعَفْ " قرأ ابن عامر وأبو بكر برفع " يُضَاعَف " و " يَخْلُدُ " على أحد وجهين : إمَّا الحال ، وإمَّا على الاستئناف . والباقون بالجزم فيهما بدلاً من " يَلْقَ " بدل اشتمال ، ومثله قوله : @ 3891 - مَتَى تَأْتِنَا تُلْمِمْ بِنَا في دِيَارِنَا تَجِدْ حَطَباً جَزْلاً وَنَاراً تأَجَّجَا @@ فأبدل من الشرط كما أبدل هنا من الجزاء . وابن كثير وابن عامر على ما تقدم لهما في البقرة من القصر والتضعيف في العين . ولم يذكر أبو حيان ابن عامر مع ابن كثير وذكره مع الجماعة في قُرَّائهم . وقرأ أبو جعفر وشيبة " نُضَعِّف " بالنون مضمومة وتشديد العين ، " العذَابَ " نصباً على المفعول به . وطلحة " يضاعف " مبنياً للفاعل ، أي : الله " العذاب " نصباً ، وطلحة بن سليمان " وتَخْلُد " بتاء الخطاب على الالتفات ، وأبو حيوة " وَيُخَلَّد " مشدداً مبنياً للمفعول . وروي عن أبي عمرو كذلك إلا أنه بالتخفيف . و " مُهَاناً " حال ، وهو اسم مفعول من أَهَانَهُ يُهِينُه ، أي : أَذَلَّه وأَذَاقَهُ الهَوَانَ . فصل قال القاضي : بَيّن الله تعالى ( أن ) المضاعفة والزيادة يكون حالها في الزيادة كحال الأصل ، فقوله : " وَيَخْلُد فِيهِ " أي : ويخلد في ذلك التضعيف ، وذلك إنما حصل بسبب العقاب على المعاصي ، فوجب أن يكون عقاب هذه المعاصي في حق الكافر دائماً ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون في حق المؤمن كذلك ؛ لأن حاله فيما يستحق به لا يتغير سواء فعل مع غيره ، أو منفرداً . والجواب : لم لا يجوز أن يكون للإتيان بالشيء مع غيره أثر في مزيد القبح ، ألا ترى أن الشيئين قد يكون كل واحد منهما في نفسه حسناً وإن كان الجميع قبيحاً ، وقد يكون كل واحد منهما قبيحاً ، ويكون الجمع بينهما أقبح . وسبب تضعيف العذاب أن المشرك إذا ارتكب المعاصي مع الشرك فيعذب على الشرك وعلى المعاصي ، فتضاعف العقوبة لمضاعفة المعاقب عليه ، وهذا يدل على أن الكفار مخاطبون بفروع الإسلام . قوله : { إِلاَّ مَن تَابَ } فيه وجهان : أحدهما : وهو الذي لم يعرف الناس غيره : أنه استثناء متصل ؛ لأنه من الجنس . والثاني : أنه منقطع . قال أبو حيان : ولا يظهر ، يعني الاتصال ؛ لأن المستثنى منه محكوم عليه بأنه يضاعف له العذاب ( فيصير التقدير : إلاَّ مَنْ تَابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَلاَ يُضَاعَفُ لَهُ العَذَابُ ) ، ولا يلزم من انتفاء التضعيف انتفاء العذاب غير المُضَعَّف ، فالأولى عندي أن يكون استثناءً منقطعاً ، أي : لكن مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيّآتِهِمْ حَسَنَاتٍ وإذا كان كذلك فلا يلقى عذاباً ألبتة . قال شهاب الدين : والظاهر قول الجمهور ، وأمَّا ما قاله فلا يلزم إذ المقصود الإخبار بأنَّ من فعل كذا فإنه يحلُّ به ما ذكر إلا أن يتوب ، وأمَّا إصابة أصل العذاب وعدمها فلا تعرُّض في الآية له . واعلم أن البحث الذي ذكره أبو حيان ذكره أيضاً ابن الخطيب فقال : دلت الآية على أن التوبة مقبولة ، والاستثناء لا يدل على ذلك ، لأنه أثبت أنه يضاعف له العذاب ضعفين ، فيكفي لصحة الاستثناء أن لا يضاعف للتائب ضعفين ، وإنما يدلّ عليه قوله : { فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } . فصل نقل عن ابن عباس أنه قال : توبة القاتل لا تقبل ، وزعم أن هذه الآية منسوخة ( بقوله تعالى ) : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً } [ النساء : 93 ] ، وقالوا : نزلت الغليظة بعد اللينة بمدة يسيرة ، وعن الضحاك ومقاتل بثمان سنين ، وتقدم في سورة النساء . فإن قيل : العمل الصالح يدخل في التوبة والإيمان فذكرهما قبل العمل الصالح حَشْوٌ ؟ فالجواب : أفردهما بالذكر لعلوّ شأنهما ولما كان لا بدَّ معهما من سائر الأعمال لا جرم ذكر عقيبهما العمل الصالح . قوله : { فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } . قال ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير والسدي ومجاهد وقتادة : التبديل إنما يكون في الدنيا ، فيبدل الله تعالى قبائح أعمالهم في الشرك بمحاسن الأعمال في الإسلام ، فيبدلهم بالشرك إيماناً ، وبقتل المؤمنين قتل المشركين ، وبالزنا إحصاناً وعفة . وقيل : يبدل الله سيئاتهم التي عملوها في الإسلام حسنات . قال الزجاج : السيئة بعينها لا تصير حسنةً ، فالتأويل : أن السيئة تمحى بالتوبة وتكتب الحسنة مع التوبة ، والكافر يُحْبِطُ اللَّه عَمَلَهُ ويثبت عليه السَّيِّئَات . قوله : " سَيِّئَاتِهِمْ " هو المفعول الثاني للتبديل ، وهو المقيد بحرف الجر ، وإنما حذف ، لفهم المعنى ، و " حسنات " هو الأول المسرح ، وهو المأخوذ ، والمجرور بالباء هو المتروك ، وقد صرح بهذا في قوله تعالى : { وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ } [ سبأ : 16 ] وقال : @ 3892 - تَضْحَكُ مِنِّي أُخْتُ ذَاتِ النِّحْييْنِ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِلَوْنِ لَوْنَيْنِ سَوَادَ وَجْهٍ وَبَيَاضَ عَيْنَيْنِ @@ وتقدم تحقيق هذا في البقرة عند قوله : { وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ } [ البقرة : 211 ] . قوله : { وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً } الآية . قال بعض العلماء : هذا في التوبة عن غير ما سبق ذكره في الآية الأولى من القتل والزنا ، أي : تاب من الشرك وأدى الفرائض ممن لم يقتل ولم يزن { فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ } يعود إليه بعد الموت " مَتَاباً " حسناً يفضل على غيره ممن قتل وزنا . فالتوبة الأولى وهي قوله : " وَمَنْ تَابَ " رجوعٌ عن الشرك ، والثاني رجوع إلى الله للجزاء والمكافأة . وقيل : هذه التوبة أيضاً عن جميع السيئات ، ومعناه من أراد التوبة وعزم عليها فليتب لوجه الله ، فقوله : { يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ } خبر بمعنى الأمر ، أي : ليتب إلى الله ، وقيل : معناه وليعلم أن توبته ومصيره إلى الله .