Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 75-77)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ } أي : يثابون الغرفة ، وهي الدرجة العالية . و " الغُرْفَة " مفعول ثان لـ " يُجْزَونَ " ، والغُرْفَةُ كُلُّ بِنَاء مرتفع ، والجمع غُرَفٌ . قوله : " بِمَا صَبَرُوا " أي بِصَبْرِهم ، أي : بِسَببه أو بسبب الذي صبروه ، والأصل : صبروا عليه ، ثم حذف بالتدريج . والباء للسببية كما تقدم ، وقيل : للبدل ، كقوله : @ 3893 - فَلَيْتَ لِي بِهِمُ قَوْماً … @@ ولا حاجة إلى ذلك . وذكر الصبر ولم يذكر المصبور عنه ، ليعمّ جميع أنواع المشاقّ ، ولا وجه لقول من يقول : المراد الصبر على الفقر خاصة . قوله : " وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا " قرأ الأخوان وأبو بكر بفتح الياء وسكون اللام من لَقِيَ يَلْقَى ، والباقون بضمها ، وفتح اللام وتشديد القاف على بنائه للمفعول ، كقوله : { وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } [ الإنسان : 11 ] . والتحيّة الدعاء بالتعمير ، أي : بقاء دائماً ، وقيل : الملك . والسلام الدعاء بالسلامة ، أو يسلم بعضهم على بعض . وهذه التحيّة والسلام يمكن أن يكون من الله كقوله { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [ يس : 58 ] . ويمكن أن يكون من الملائكة لقوله : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ } [ الرعد : 23 - 24 ] . ويمكن أن يكون بعضهم على بعض . قوله : { خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } . وصف ذلك بالدوام بقوله : " خالدين فيها " ، وقوله : { حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } أي : موضع قرار وإقامة ، وهذا في مقابلة قوله : { سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } [ الفرقان : 66 ] أي : ما أسوأ ذاك وأحسن هذا . قوله : { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي } . قال مجاهد وابن زيد : أي : ما يصنع وما يفعل بكم . قال أبو عبيدة : يقال : ما عَبَأْت به شيئاً ، أي : لم أُبَالِهِ ، فوجوده وعدمه سواء . وقال الزجاج : معناه لا وزن لكم عندي والعبء في اللغة الثقل . وقال أبو عمرو بن العلاء : ما يبالي ربكم ، ويقال : ما عبأت بك ، أي : ما اهتممت ولا اكترثت ، ويقال : عبأت الجيش وعبأته ، أي : هيأته وأعددته . قوله : " لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ " جوابها محذوف لدلالة ما تقدم ، أي : لولا دعاؤكم ما أعبأ بكم ولا أكترث ، و " ما " يجوز أن تكون نافية ، وهو الظاهر ، وقيل : استفهام ، بمعنى النفي ، ولا حاجة إلى التجوز في شيء يصح أن يكون حقيقة بنفسه . و " دُعَاؤُكُمْ " يجوز أن يكون مضافاً للفاعل ، أي : لولا تضرّعكم إليه ، ويجوز أن يكون مضافاً للمفعول ، أي : لولا دعاؤكم إيّاهُ إلى الهدى . فصل ومعنى هذا الدعاء وجوه : الأول : لولا دعاؤكم إياه في الشدائد كما قال تعالى : { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [ العنكبوت : 65 ] . الثاني : لولا شكركم له على إحسانه ، لقوله : { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ } [ النساء : 147 ] . الثالث : لولا عبادتكم . الرابع : لولا إيمانكم . وقيل المعنى : ما خلقتكم وبي إليكم حاجة إلا أن تسألوني فأعطيكم وتستغفروني فأغفر لكم . وقيل : المعنى : قل ما يعبأ بخلقكم ربي لولا عبادتكم وطاعتكم إياه ، يعني أنه خلقكم لعبادته كما قال : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] . قاله ابن عباس ومجاهد . وقيل : معناه ما يبالي بمغفرتكم ربي لولا دعاؤكم معه آلهة ، أو ما يفعل الله بعذابكم لولا شرككم كما قال : { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ } [ النساء : 147 ] . قوله : " فَقَدْ كَذَّبْتُمْ " أيها الكافرون يخاطب أهل مكة ، يعني أن الله دعاكم بالرسول إلى توحيده وعبادته فقد كذبتم الرسول ولم تجيبوه . وقرئ " فقد كذب الكافرون " قوله : { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً } أي : فسوف يلزمكم أثر تكذيبكم ، وهذا عقاب الآخرة ، ونظيره أن يقول الملك لمن استعصى عليه : إن من عادتي أن أحسن إلى من يطيعني فقد عصيت فسوف ترى ما أحل بك بسبب عصيانك . قوله : " لِزَاماً " قرئ بالفتح يعني اللزوم كالثبات والثبوت . قال ابن عباس : موتاً . وقال أبو عبيدة : هلاكاً . وقال ابن زيد : قتالاً والمعنى : يكون التكذيب لازماً لمن كذب فلا يعطى التوبة حتى يجازى بعمله . وقال ابن جريج : عذاباً دائماً لازماً وهلاكاً مُفْنِياً يلحق بعضكم ببعض . قال ابن مسعود وأبيّ بن كعب ومجاهد ومقاتل : هو يوم بدر واتصل بهم عذاب الآخرة لازماً لهم . وقال عبد الله بن مسعود : خمس قد مضين الدخان والقمر واليوم والبطشة واللزام : { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً } . روى الثعلبي عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ سورة الفرقان بعثه الله يوم القيامة وهو يؤمن أن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ، ودخل الجنة بغير حساب " .