Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 197-204)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً } . قرأ ابن عامر " تَكُنْ " بالتاء من فوقه " آيَةٌ " بالرفع . والباقون " يَكُنْ " بالياء من تحت " آيَةً " بالنصب . وابن عباس : " تَكُنْ " بالتاء من فوق " آيَةٌ " بالنصب . فأما قراءة ابن عامر فتكون يحتمل أن تكون تامة ، وأن تكون ناقصة . فإن كانت تامة جاز أن يكون " لَهُمْ " متعلقاً بها ، و " آيَةٌ " فاعلاً بها ، و " أَنْ يَعْلَمَهُ " إما بدل من " آيَةٌ " وإما خبر مبتدأ مضمر ، أي : أو لم تحدث لهم علامةُ علم علماء بني إسرائيل . وإن كانت ناقصة جاز فيها أربعة أوجه : أحدها : أن يكون اسمها مضمراً فيها بمعنى القصة ، و { آيَةً أَن يَعْلَمَهُ } جملة قدم فيها الخبر واقعةٌ موقع خبر " تَكُنْ " . الثاني : أن يكون اسمها ضمير القصة أيضاً و " لَهُمْ " خبر مقدم ، و " آيَةٌ " مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر " تَكُنْ " ، و " أَنْ يَعْلَمَهُ " إما بدل من " آيَةٌ " وإما خبر مبتدأ مضمر ، أي : أن يعلمه . الثالث : أن يكون " لَهُمْ " خبر " تَكُنْ " مقدماً على اسمها ، و " آيَةٌ " اسمها ، و " أنْ يَعْلَمَهُ " على الوجهين المتقدمين : البدلية ، وخبر ابتداء مضمر . الرابع : أن تكون " آيَةٌ " اسمها ، و " أَنْ يَعْلَمَهُ " خبرها . وقد اعترض هذا بأنه يلزم جعل الاسم نكرة والخبر معرفة وقد نص بعضهم على أنه ضرورة كقوله : @ 3924 - وَلاَ يَـكُ مَـوْقِـفٌ مِنْـكِ الـوَدَاعَـا @@ وقوله : @ 3925 - يَـكُـونُ مِـزَاجَهَـا عَسَـلٌ وَمَـاءٌ @@ وقد اعتذر عن ذلك بأنَّ " آيَةٌ " قد تخصصت بقوله : " لَهُمْ " فإنه حال منها ، والحال صفة ، وبأن تعريف الخبر ضعيف لعمومه . وهو اعتذار باطل ، ولا ضرورة تدعو إلى هذا التخريج ، بل التخريج ما تقدم . وأما قراءة الباقين فواضحة جداً ، فـ " آيَةٌ " خبر مقدم ، و " أَنْ يَعْلَمَهُ " اسمها مؤخر ، و " لَهُمْ " متعلق بـ " آيَةٌ " حالاً من " آية " . وأما قراءة ابن عباس كقراءة : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ } [ الأنعام : 23 ] ، وكقول لبيد : @ 3926 - فَمَضَـى وَقَدَّمَهَـا وَكَانَـتْ عَـادَةً مِنْـهُ إذَا هِـيَ عَـرَّدَتْ أَقْـدَامُهَـا @@ إما لتأنيث الاسم لتأنيث ( الخبر ) ، وإما لأنه بمعنى المؤنث ، ألا ترى أنَّ " أَنْ يَعْلَمَهُ " في قوة المعرفة ، و { إِلاَّ أَنْ قَالُواْ } في قوة مقالتهم ، وإِقْدَامُهَا بإقْدَامَتِهَا . وقرأ الجحدريّ : " أَنْ تَعْلَمَهُ " بالتاء من فوق ، شبَّه البنين بجمع التكسير في تغيّر واحده صورةً ، فعامل فعله المسند إليه معاملة فعله في لحاق علامة التأنيث ، وهذا كقوله : @ 3927 - قَـالَـتْ بَنُـو عَامِـرٍ خَالُـوا بَنِـي أَسَـدٍ يَـا بُـؤْسَ لِلْجَهْـلِ ضَـرَّاراً لأَقْـوَامِ @@ وكتبوا في الرسم الكريم : " عُلَمواء " بواو بين الميم والألف . قيل : هو على لغة من يميل الألف نحو الواو ، وهذا كما فعل في " الصَّلاة والزَّكْاة " . فصل المعنى : أو لم يكن لهؤلاء المنكرين علم بني إسرائيل علامة ودلالة على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنّ العلماء الذين كانوا من بني إسرائيل كانوا يخبرون بوجود ذكره في كتبهم ، كعبد الله بن سلام ، وابن يامين ، وثعلبة ، وأسد ، وأسيد . قال ابن عباس : بعث أهل مكة إلى اليهود بالمدينة فسألوهم عن محمد - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : إنَّ هذا لزمانه ، وإنا لنجد في التوراة نعته وصفته ، فكان ذلك آية على صدقه . قوله : { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ ٱلأَعْجَمِينَ } . قال صاحب التحرير : الأعجمين : جمع أعجمي بالتخفيف ، ولولا هذا التقدير لم يجز أن يجمع جمع سلامة . قال شهاب الدين : وكأنَّ سبب منع جمعه أنه من باب : أفعل فعلاء ، كـ " أَحْمَرَ حَمْرَاءَ " . والبصريون لا يجيزون جمعه جمع سلامة إلاّ ضرورة ، كقوله : @ 3928 - حَـلاَئِلَ أَسْوَدِيـنَ وَأَحْمَرِينَـا @@ فلذلك قدره منسوباً مخفف الياء . وقد جعله ابن عطية " أَعْجَم " فقال : الأعجمون : جمع أعجم ، وهو الذي لا يفصح وإن كان عربي النسب يقال له : أعجم ، وذلك يقال للحيوانات ، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " العَجْمَاء جُبَار " وأسند الطَّبريّ عن عبد الله بن مطيع أنه كان واقفاً بعرفة وتحته جمل ، فقال : جَمَلِي هذا أَعْجَمٌ ، ولو أنَّه أنزل عليه ما كانوا يؤمنون . والعجميُّ : هو الذي نسبته في العجم وإن كان أفصح الناس . وقال الزمخشري : الأعجم : الذي لا يفصح ، وفي لسانه عجمة واستعجام ، والأعجمي مثله إلا أنَّ فيه زيادة ياء النسب توكيداً . وتقدم نحو من هذا في سورة النحل وقد صرَّح أبو البقاء بمنع أن يكون " الأعْجَمِينَ " جمع أعجم ، وإنما هو جمع أعجمي مخففاً من " أَعْجَمِيّ " " كَالأَشْعَرُون " في الأَشْعَرِيّ . قال : " الأعجمين " الأعجميِّين ، فحذف ياء النسب ، كما قالوا : ( الأَشْعَرُونَ أي ) : الأَشْعَرِيُّون ، وواحده ( أَعْجَمِي ) ولا يجوز أن يكون جمع ( أَعْجَم ) لأنَّ مؤنثه ( عَجْمَاء ) ، ومثل هذا لا يجمع جمع التصحيح . قال شهاب الدين : وفيما قاله ابن عطية نظر ، وأما الزمخشري فليس في كلامه أنه جمع ( أَعْجَم ) مخففاً أو غير مخفف ، وإن كان ظاهره أنه جمع ( أعجم ) من غير تخفيف ، ولكن الذي قاله ابن عطية تبع فيه الفراء فإنَّه قال : الأعجمين : جمع ( أَعْجَم ) أو ( أَعْجَمِي ) على حذف ياء النسب ، كما قالوا : الأشعرين وواحدهم . ( أشعري ) وأنشد للكميت : @ 3929 - وَلَـوْ جَهَّـزتَ قَافِيـةً شَـرُوداً لَقَـدْ دَخَلَـتْ بيُـوتَ الأَشْعَـرِينَـا @@ لكن الفراء لا يضره ذلك ، فإنه من الكوفيين ، وقد تقدم عنهم أنهم يجيزون جمع ( أَفْعَل فَعْلاَء ) . وقرأ الحسن وابن مقسم : " الأَعْجَمِيِّينَ " بياء النسب - وهي مؤيدة لتخفيفه منه في قراءة العامة . فصل قوله " وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ " يعني : القرآن على رجل ليس بعربي اللسان " فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ " بغير لغة العرب { مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ } وقالوا ما نفقه قولك ، وجعلوه عذراً لجحودهم ، ونظيره : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } [ فصلت : 44 ] . وقيل : معناه : ولو أنزلناه على رجل ليس من العرب لما آمنوا به أنفة من اتباعه . قوله : " كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ " أي : قيل ذلك ، أو الأمر كذلك . والضمير في " سَلَكْنَاهُ " عائد على القرآن ، وهو الظاهر ، أي : سلكناه في قلوب المجرمين ( كما سلكناه في قلوب المؤمنين ) ، ومع ذلك لم ينجع فيهم . وقال ابن عباس والحسن ومجاهد : أدخلنا الشرك والتكذيب في قلوب المجرمين . وهذه الآية تدل على أنّ الكل بقضاء الله وخلقه . قال الزمخشري : أراد به أنه صار ذلك التكذيب متمكناً في قلوبهم أشدّ التمكن ، فصار ذلك كالشيء الجبلِّي . والجواب : أنه إما أن يكون قد فعل الله تعالى فيهم ما يقتضي الترجيح أم لا ، فإن كان الأول فقد دللنا في سورة الأنعام على أنَّ الترجيح لا يتحقق ما لم يثب إلى حد الوجوب ، وحينئذ يحصل المقصود ، وإن لم يفعل فيهم ما يقتضي الترجيح البتة امتنع قوله : " كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ " . قوله : { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } في الجملة وجهان : أحدهما : الاستئناف على جهة البيان والإيضاح لما قبله . والثاني : أنها حال من الضمير في " سَلَكْنَاهُ " أي : غير مُؤْمِنٍ بِهِ . ويجوز أن يكون حالاً من " المُجْرِمِينَ " لأنَّ المضاف جزء من المضاف إليه { حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } يعني : الموت . قوله : " فَيَأْتِيَهُمْ " و " فَيَقُولُوا " عطف على " يَرَوا " . وقرأ العامة بالياء من تحت . والحسن وعيسى بالتاء من فوق . أنّث ضمير العذاب . لأنه في معنى العقوبة . وقال الزمخشري : أنّثَ على أن الفاعل ضمير الساعة . قال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى التعقيب في قوله : " فَيَأْتِيَهُمْ " ؟ قُلْت : ليس المعنى التعقيب في الوجود ، بل المعنى ترتُّبها في الشدة ، كأنه قيل : لا يؤمنون بالقرآن حتى تكون رؤيتهم العذاب أشدَّ منها ، ومثال ذلك أن تقول : إنْ أَسَأتَ مَقَتَكَ الصَّالِحُونَ فمَقَتَكَ اللَّه فإنك لا تقصد أنّ مَقْتَ اللَّهِ بعد مَقْتِ الصَّالِحينَ ، وإنما قصدك إلى ترتيب شدة الأمر على المسيء . وقرأ الحسن : " بَغَتَةً " بفتح الغين . فصل المعنى : يَأْتِيَهُمْ العذاب " بَغْتَةً " أي : فجأة { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } به في الدنيا ، { فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ } أي : لنؤمن ونصدق ، يتمنون الرجعة والنظرة ، وإنما يقولون ذلك استراوحاً عند تعذر الخلاص ، لأنهم يعلمون في الآخرة ألاَّ ملجأ لهم . قال مقاتل : لما وعدهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعذاب قالوا : إلى متى توعدنا بالعذاب ؟ ومتى هذا العذاب ؟ قال الله تعالى : { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } .