Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 205-209)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : " أَفَرَأيْتَ " تقدم تحقيقه وقد تنازع " أَفَرَأَيْتَ " و " جَاءَهُمْ " في قوله : { مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ } فإن أعملت الثاني وهو " جَاءَهُمْ " رفعت به " مَا كَانُوا " فاعلاً به ، ومفعول " أَرَأَيْتَ " الأول ضميره ، ولكنه حذف ، والمفعول الثاني هو الجملة الاستفهامية في قوله : { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ } ، ولا بدَّ من رابط بين هذه الجملة وبين المفعول الأول المحذوف ، وهو مقدر تقديره : أفرأيت ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم تمتُّعهم حين حلَّ ، أي : الموعود به ، ودلَّ على ذلك قوة الكلام . وإن أعملت الأول نصبت به { مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ } وأضمرت في " جَاءَهُمْ " ضميره فاعلاً به ، والجملة الاستفهامية مفعول ثانٍ أيضاً ، والعائد مقدر على ما تقرر في الوجه قبله ، والشرط معترض ، وجوابه محذوف ، وهذا كله مفهوم مما تقدم في سورة الأنعام وإنما ذكرناه هنا لأنه تقديرٌ ( عَسِرٌ يحتاج ) إلى تأمل . وهذا كله إنما يتأتى على قولنا : " مَا " استفهامية ، ولا يضير تفسيرهم لها بالنفي ، فإن الاستفهام قد يرد بمعنى النفي . وأما إذا جعلتها نافية حرفاً ، كما قاله أبو البقاء فلا يتأتي ذلك ، لأنَّ مفعول " أَرَأَيْتَ " الثاني لا يكون إلا جملة استفهامية كما تقرر . قوله : { أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ } كثيرة في الدنيا ، يعني كفار مكة ، ولم نهلكهم { ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ } يعني : العذاب { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ } في تلك السنين ، أي : إنهم وإن طال تمتعهم بنعم الدنيا ، فإذا أتاهم العذاب لم يغن طول التمتع عنهم شيئاً ، ويكون كأنهم لم يكونوا في نعيم قط . قوله : { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ } يجوز أن تكون " مَا " استفهامية في محل نصب مفعولاً مقدماً ، و " مَا كَانُوا " هو الفاعل ، و " مَا " مصدرية بمعنى : أيُّ شَيْءٍ أغنى عنهم كونهم متمتعين . وأن تكون نافية ، والمفعول محذوف ، أي : لَمْ يُغْنِ عنهم تمتعهم شيئاً . وقرىء " يُمْتَعُونَ " بإسكان الميم وتخفيف التاء من : أمْتَعَ اللَّهُ زَيداً بكذا . قوله : { إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ } يجوز أن تكون الجملة صفة لـ " قَرْيَةٍ " وأن تكون حالاً منها . وسوغ ذلك سبق النفي . وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف عزلت الواو عن الجملة بعد " إلاَّ " ولم تعزل عنها في قوله : { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ } [ الحجر : 4 ] ؟ قلت : الأصل عزل الواو ، لأنَّ الجملة صفة لـ " قَرْيَةٍ " وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة بالموصوف ، كما في قوله : { سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } [ الكهف : 22 ] . قال أبو حيان : ولو قدرنا " لَهَا مُنْذِرُونَ " جملة لم يجز أن تجيء صفة بعد ( إلاَّ ) ، ومذهب الجمهور أنه لا تجيء الصفة بعد " إلاَّ " معتمدة على أداة الاستثناء ، نحو : مَا جَاءَنِي أحدٌ إلاَّ رَاكِبٌ ، وإذا سمع مثل هذا خرّجوه على البدل ، أي : إلاَّ رجل راكب ، ويدل على صحة هذا المذهب أنَّ العرب تقول : ما مررت بأحدٍ إلاَّ قائماً ولا يحفظ عنهم " إِلاَّ قَائِم " يعني : بالجر ، فلو كانت الجملة صفة بعد " إلاَّ " ( لَسُمِعَ الجَرُّ ) في هذا . وأيضاً فلو كانت الجملة صفة للنكرة لجاز أن تقع صفة المعرفة بعد " إِلاَّ " . يعني نحو : مَا مَرَرْتُ بِزَيْدٍ إِلاَّ العَاقِلِ . ثم قال : فإن كانت الصفة غير معتمدة على الأداة جاءت الصفة بعد " إلاَّ " نحو : ما جاءني أحدٌ إلاَّ زيدٌ خيرٌ من عمرٍو ، والتقدير : ما جاءني أحدٌ خيرٌ من عمرٍو إلاَّ زيدٌ . وأمَّا كون الواو تزاد لتأكيد وصل الصفة بالموصوف فغير معهود في عبارة النحويين ، لو قلت : جاءني رجلٌ وعاقلٌ . لم يجز ، وإنما تدخل الواو في الصفات جوازاً إذا عطف بعضها على بعض وتغاير مدلولها ، نحو : " مَرَرْتُ بِزَيْدٍ الشجاع والشاعر " . وأما { وثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } [ الكهف : 22 ] فتقدم الكلام عليه . قال شهاب الدين : أما كون الصفة لا تقع بعد ( إلاَّ ) معتمدةً فالزمخشري يختار غير هذا ، فإنَّها مسألة خلافية ، وأما كونه لم يقل ( إلاَّ قائماً ) بالنصب دون " قَائِم " بالجر فذلك على أحد الجائزين ، وليس فيه دليل على المنع من قسيمه . وأما قوله : فغير معهود في كلام النحويين . فممنوع ، هذا ابن جنِّي نصَّ عليه في بعض كتبه ، وأما إلزامه أنها لو كانت الجملة صفة بعد ( إلاَّ ) للنكرة ، لجاز أن تقع صفة المعرفة بعد ( إلاَّ ) فغير لازم ، لأنَّ ذلك مختص بكون الصفة جملة ، وإذا كانت جملة تعذر كونها صفة للمعرفة ، وإنَّما اختص ذلك بكون الصفة جملة ، لأنها لتأكيد وصل الصفة والتأكيد لائق بالجمل . وأمَّا قوله : لو قلت : جاءني رجلٌ وعاقلٌ . لم يجز ، فمسلَّم ، ولكن إنما امتنع ذلك في الصفة المفردة لئلا يلبس أإن الجائي اثنان : رجلٌ وآخر عاقلٌ ، بخلاف كونها جملة فإنَّ اللبس منتفٍ ، وقد تقدم ( الكلام في ) { سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ } الكهف : 22 ] . قوله : " ذِكْرَى " يجوز فيها أوجه : أحدها : أنها مفعول من أجله ، وإذا كانت مفعولاً من أجله ففي العامل فيها وجهان : أحدهما : " مُنْذِرُونَ " على أنَّ المعنى : منذرون لأجل الموعظة والتذكرة . الثاني : " أَهْلَكْنَا " . قال الزمخشري : والمعنى : وَمَا أَهْلَكْنَا من أهل قريةٍ ظالمين إلاَّ بعد ما ألزمناهم الحجَّة بإرسال المنذرين إليهم ، ليكون تذكرة وعبرةً لغيرهم ، فلا يعصون مثل عصيانهم : ثم قال : وهذا الوجه عليه المُعَوَّل . قال أبو حيان : وهذا لا معوَّل عليه ، فإنَّ مذهب الجمهور أنَّ ما قبل إلاَّ لا يعمل فيما بعدها إلاَّ أن يكون مستثنى أو مستثنى منه ، أو تابعاً له غير معتمدٍ على الأداة نحو : ما مررتُ بأحدٍ إلاَّ زيدٌ خيرٌ من عمرٍو . والمفعول له ليس واحداً من هذه . ويتخرَّج مذهبه على مذهب الكسائي والأخفش ، وإن كانا لم ينصَّا على المفعول له بخصوصيته . قال شهاب الدين : والجواب ما تقدم قبل ذلك من أنه يختار مذهب الأخفش . الثاني من الأوجه الأول : أنها في محل رفع خبراً لمبتدأ محذوف ، أي : هذه ذكرى ، وتكون الجملة اعتراضية . الثالث : أنها صفة لـ " مُنْذِرُونَ " إمَّا على المبالغة ، وإمَّا على الحذف ، أي : مُنْذِرُونَ ذوو ذكرى ، أو على وقوع المصدر وقوع اسم الفاعل . أي : منذرون مذكِّرون . وتقدم تقريره . الرابع : أنها ي محل نصب على الحال ، اي : مذكِّرين ، أو ذوي ذكرى ، أو جعلوا نفس الذكرى مبالغة . الخامس : أنها منصوبة على المصدر المؤكد ، وفي العامل فيها حينئذ وجهان : أحدهما : لفظ " مُنْذِرُونَ " لأنه من معناها ، فهما كـ ( قَعَدْتُ جُلُوساً ) . والثاني : أنه محذوف من لفظها ، أي : يُذَكِّرُونَ ذكرى ، وذلك المحذوف صفة لـ " مُنْذِرُونَ " . قوله : { وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ } في تعذيبهم ، حيث قدمنا الحجة عليهم ، وأعذرنا إليه ، أو : ما كنا ظالمين فنهلك قوماً غير ظالمين .