Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 224-227)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } . قد تقدم أن نافعاً بتخفيف التاء ساكنة وفتح الباء في سورة الأعراف عند قوله : " لا يَتَّبِعُوكُمْ " والفرق بين المخفف والمثقل . وسكن الحسنُ العينَ ، ورويت عن أبي عمرو ، وليست ببعيدة عنه كـ " يَنْصُرْكُمْ " وبابه وروى هارون عن بعضهم نصب العين ، وهي غلط ، والقول بأن الفتحة للإتباع خطأ ، والعامة على رفع " الشُّعَرَاءُ " بالابتداء ، والجملة بعده الخبر . وقرأ عيسى بالنصب على الاشتغال . فصل لمّا قال الكفار : لم لا يجوز أن يقال : الشياطين تنزل بالقرآن على محمد ، كما أنهم ينزلون بالكهانة على الكهنة ، وعلى الشعراء بالشعر ؟ ثم إنه تعالى فرق بين محمد - عليه السلام - وبين الكهنة ، ذكر هاهنا ما يدل على الفرق بينه وبين الشعراء : بأن الشعراء يتبعهم الغاوون ، وهم : الضالون : ثم بيَّن أنَّ ذلك لا يمكن القول به لأمرين : الأول : { أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } والمراد منه : الطرق المختلفة ، كقولك : أنا في واد وأنت في واد , وذلك بأنهم قد يمدحون الشيء بعد أن ذمّوه , وبالعكس , وقد يعظمونه بعدما يستحقرونه وبالعكس وذلك يدل على أنهم لا يطلبون بشعرهم الحق ولا الصدق ، بخلاف أمر محمد - عليه السلام - فإنه من أول أمره إلى آخره بقي على طريق واحدة ، وهو الدعوة إلى الله ، والترغيب في الآخرة ، والإعراض عن الدنيا . والثاني : { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } . وذلك أيضاً من علامات الغواية ، فإنهم يرغِّبُون في الجود ، ويرغبون عنه ، وينفرون عن البخل ويصيرون إليه ، ويقدحون في الناس بأدنى شيء صدر عنهم وعن واحد من أسلافهم . ثم إنهم لا يرتكبون إلا الفواحش ، وذلك يدل على الغواية والضلالة ، وأما محمد - عليه السلام - فإنه بدأ بنفسه { فَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ } [ الشعراء : 213 ] ثم بالأقرب فالأقرب فقال : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [ الشعراء : 214 ] وكل ذلك خلاف طريقة الشعراء ، فظهر بهذا البيان أنَّ حال محمد - عليه السلام - لم يشبه حال الشعراء . قوله : " يَهِيمُونَ " . يجوز أن تكون هذه الجملة خبر " أَنَّ " وهذا هو الظاهر ، لأنه محط الفائدة ، و { فِي كُلِّ وَادٍ } متعلق به . ويجوز أن يكون { فِي كُلِّ وَادٍ } هو الخبر ، و " يَهِيمُونَ " حال من الضمير في الخبر , والعامل ما تعلق به هذا الخبر , أو نفس الجار كما تقدم في نظيره . ويجوز أن تكون الجملة خبراً بعد خبر عند من يَرَى تَعَدُّد الخبر مطلقاً . وهذا من باب الاستعارة البليغة ، والتمثيل الرائع ، شبَّه جَوَلاَنَهم في أفانين القول ، وطرائق المدح والذم ، والتشبيب ، وأنواع الشعر بِهَيْمِ الهائم في كل وجهٍ وطريق . وقيل : أراد بـ " كُلِّ وَادٍ " أي : على كل حرف من حروف الهجاء يصوغون ( القوافي ) . والهائم : الذي : يَخبِطُ في سَيْرِهِ ولا يقصد موضعاً معيناً ، يقال هام على وجهه ، أي : ذهب والهائم : العاشق من ذلك ، والهَيْمَان : العطشان والهُيَامُ داءٌ يأخذ الإبلَ من العطش ، وجَمَلٌ أَهْيَمُ وناقةٌ هَيْمَاءُ والجمع فيهما هِيمٌ قال تعالى : " شُرْبَ الهِيمِ " والهُيَامُ من الرمل : اليابس ، فإنهم يخيلون فيه معنى العطش . فصل قال المفسرون : أراد شعراء الكفار ، وكانوا يهجون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر مقاتل أسمائهم فقال : منهم عبد الله بن الزِّبعرَى السهمي ، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي ، ومسافع بن عبد مناف ، وأبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي ، وأمية بن أبي الصلت الثقفي تكلموا بالكذب والباطل ، وقالوا : نحن نقول كما قال محمد ، وقالوا الشعر ، واجتمع إليهم غواة من قومهم يسمعون أشعارهم حين يهجون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، ويروون عنهم ذلك فذلك قوله : " يَتَّبِعُهُمُ الغَاوُونَ " وهم الرواة الذين يريدون هجاء المسلمين . وقال قتادة : هم الشياطين . ثم إنه تعالى لما وصف شعراء الكفار بهذه الأوصاف استثنى شعراء المسلمين الذي كانوا يجيبون شعراء الجاهلية ، ويهجون الكفار ويكافحون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه منهم حسان بن ثابت ، وعبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك ، فقال : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } . روي عن كعب بن مالك أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - " إِنَّ اللَّهَ قد أنزل في الشعراء ما أنزل ، فقال : النبي صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ، والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نصح النبل " " وفي رواية قال له : " اهْجُهُمْ فوالذي نفسي بيده هو أشد عليهم من النبل " . وكان يقول لحسان : " قُلْ فإنَّ روح القدس معك " . واعلم أن الله تعالى وصفهم بأمور : الأول : الإيمان ، وهو قوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } . وثانيها : العمل الصالح ، وهو قوله : { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } . وثالثها : أن يكون شعرهم في التوحيد والنبوة ، ودعوة الحق ، وهو قوله : [ { وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } ] . ورابعها : أنْ لا يذكروا هجواً إلا على سبيل الانتصار ممن يهجوهم وهو ] { وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } قال الله تعالى : { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ } [ النساء : 148 ] . وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً " وقالت عائشة : الشعر كلام فمنه حسن ومنه قبيح فخذ الحسن ودع القبيح . وقال الشعبي : كان أبو بكر يقول الشعر ، [ وكان عمر يقول الشعر ] ، وكان عليٌّ أشعر الثلاثة . وروي عن ابن عباس أنه كان ينشد الشعر في المسجد ويستنشده . وقوله : { وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } أي : لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله ، { وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } أي : انتصروا من المشركين ، لأنهم بدأوا بالهجاء ، ثم أوعد شعراء المشركين فقال : { وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } أشركوا وهجوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } أيّ مرجع يرجعون بعد الموت . قال ابن عباس : إلى جهنم والسعير . قوله : " أَيَّ مُنْقَلَبٍ " منصوب على المصدر ، والناصب له " يَنْقَلِبُونَ " وقُدِّم ، لتضمنه معنى الاستفهام ، وهو معلق لـ " سَيَعْلَمُ " سادّاً مسدّ مفعوليها . وقال أبو البقاء : " أيَّ مُنْقَلَبٍ " صفة لمصدر محذوف ، أي : ينقلبون انقلاباً أي منقلب ، ولا يعمل في " سَيَعْلَمُ " لأنَّ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله . وهذا مردود بأن أيّاً الواقعة صفة لا تكون استفهامية ، وكذلك الاستفهامية لا تكون صفة لشيء بل كل منهما قسم برأسه . و " أي " تنقسم إلى أقسام كثيرة ، وهي : الشرطية ، والاستفهامية ، والموصولة ، والصفة ، والموصوفة عند الأخفش خاصة ، والمناداة نحو : يا أيهذا والمُوصّلة لنداء ما فيه ( أل ) نحو : يا أيُّهَا الرجلُ . عند غير الأخفش ، والأخفش يجعلها في النداء موصولة . وقرأ ابن عباس والحسن " أَيَّ مُنْفَلَتٍ يَنْفَلِتُونَ " بالفاء والتاء من فوق من الانفلات . روى الثعلبي في تفسيره عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أُعْطيتُ السورة التي يذكر فيها البقرة من الذكر الأول ، وأعطيت طه والطواسين من ألواح موسى ، وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم السورة التي يذكر فيها البقرة من تحت العرش ، وأعطيت المفصل نافلة " . وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنَّ اللَّه تعالى أعطاني السبع مكان التوراة ، وأعطاني الطواسين مكان الزبور ، وفضلني بالحواميم والمفصل ، ما قرأهن نبي قبلي " . وعن أبي أمامة عن أُبيّ بن كعب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قرأ سورة الشعراء كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بنوح وكذب به ، وهود , وشعيب ، وصالح ، وإبراهيم ، وبعدد من كذب بعيسى ، وصدق بمحمد - صلى الله عليه وسلم - " .