Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 1-3)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { طسۤ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ } . " تلك " إشارة إلى آيات السورة أي : هذه آيات القرآن . قوله : " وَكِتَابٍ " العامة على جره عطفاً على " القُرْآنِ " ، وهل المراد به نفس القرآن فيكون من عطف بعض الصفات على بعض ، والمدلول واحد ، أو اللوح المحفوظ ، أو نفس السورة ، أقوال . وقيل : القرآن والكتاب علمان للمنزل على نبينا - صلى الله عليه وسلم - فهما كالعباس وعباس ، يعني فيكون " أل " فيهما للمح الصفة ، وهذا خطأ ؛ إذ لو كانا علمين لما وصفا بالنكرة ، وقد وصف " قرآن " بها في قوله : { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ } [ الحجر : 1 ] - في الحجر - ووصف بها " كتاب " كما في هذه الآية الكريمة . والذي يقال إنه نكر هنا لإفادة التفخيم ، كقوله : { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ } [ القمر : 55 ] . وقرأ ابن أبي عبلة : " وكِتَابٌ مُبِينٌ " برفعها عطفاً على " آيَاتٌ " المخبر بها عن " تِلْكَ " فإن قيل : كيف صَحَّ أن يشار لاثنين أحدهما مؤنث ، والآخر مذكر باسم إشارة المؤنث ، ولو قلت : تلك هند وزيد لم يجز ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه : أحدها : ( أن المراد بالكتاب ) هو الآيات ، لأن الكتاب عبارة عن آيات مجموعة ، فلما كانا شيئاً واحداً ، صحت الإشارة إليهما بإشارة الواحد المؤنث . الثاني : أنه على حذف مضاف ، أي : وآيات كتاب مبين . الثالث : أنه لما ولي المؤنث ما يصح الإشارة به إليه ، اكتفى به وحسن ، ولو أولي المذكر لم يحسن ، ألا تراك تقول : جاءتني هند وزيد ، ولو حذفت ( هند ) أو أخّرتها لم يجز تأنيث الفعل . قوله : " هُدًى وبُشْرَى " يجوز فيهما أوجه : أحدها : أن يكونا منصوبين على المصدر بفعل مقدر من لفظهما ، أي : يهدي هدى ، ويبشر بشرى . الثاني : أن يكونا في موضع الحال من " آيَات " والعامل فيها ما في " تِلْكَ " من معنى الإشارة . الثالث : أن يكونا في موضع الحال من " القُرْآن " وفيه ضعف ، من حيث كونه مضافاً إليه . الرابع : أن يكونا حالاً من " كِتَاب " ، في قراءة من رفعه ، ويضعف في قراءة من جره ، لما تقدم من كونه في حكم المضاف إليه ، لعطفه عليه . الخامس : أنَّهما حالان من الضمير المستتر في " مبين " سواء رفعته ( أم جررته ) . السادس : أن يكونا بدلين من " آيَاتُ " . السابع : أن يكونا خبراً بعد خبر . الثامن : أن يكونا خبري ابتداء مضمر ، أي : ( هي ) هُدًى وبُشْرَى للمؤمنين . فصل المراد يهديهم إلى الجنة وبشرى لهمن كقوله تعالى : { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مَّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } [ النساء : 175 ] ، ولهذا خص به المؤمنين ، وقيل : المراد بالهدى : الدلالة , وإنما خصه بالمؤمنين , لأنه ذكر مع الهدى البشرى , والبشرى إنما تكون للمؤمنين أو لأنهم تمسكوا به ، كقوله : { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا } [ النازعات : 45 ] ، أو أنه يزيد في هداهم ، كقوله تعالى : { وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى } [ مريم : 76 ] . قوله : { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } يجوز أن يكون مجرور المحل ، نعتاً للمؤمنين ، أو بدلاً أو بياناً ، أو منصوبة عل المدح ، أو مرفوعة على تقدير مبتدأ ، أي : هم الذين ، والمراد بها : الصلوات الخمس ، وكذا القول في الزكاة ، فإنها هي الواجبة ، لأن التعريف بالألف واللام يقتضى ذلك . وإقامة الصلاة أن يؤديها بشرائطها ، والزكاة بوضعها في مواضعها . قوله : { وَهُم بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } " هم " الثاني تكرير للأول على سبيل التوكيد اللفظي ، وفهم الزمخشري منه الحصر ، أي : لا يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء ، المتصفون بهذه الصفات . ويدل عليه أنه عقد جملة ابتدائية ، وكرر فيها المبتدأ الذي هو " هم " حتى صار معناها : وما يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح ، لأن خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق . و " بالآخِرَةِ " متعلق بـ " يوقنون " ، ولا يضر الفصل بينهما بالتوكيد . وهذه الجملة يحتمل أن تكون معطوفة على الصلة ، داخلة في حيز الموصول ، وحينئذ يكون قد غاير بين الصِّلَتين لمعنى ، وهو أنه لما كان إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة مما يتكرَّر ويتجدَّد أتى بالصلتين جملة فعلية ، فقال : " يُقِيمُونَ " ، وَ " يُؤْتُونَ " . ولما كان الإيقان بالآخرة أمراً ثابتاً مطلوباً دوامه ، أتى بالصلة جملة اسمية ، مكرراً فيها المسند إليه ، مقدماً الموقن به ، الدال على الاختصاص ، ليدل على الثبات والاستقرار ، وجاء بخبر المبتدأ في هذه الجملة فعلاً مضارعاً ، دلالة على أن ذلك متجدد كل وقت ، غير منقطع . ويحتمل أن تكون مستأنفة غير داخلة في حيز الموصول . قال الزمخشري : ويحتمل أن تتم الصلة عنده ، أي : عند قوله : " وَهُمْ " ، قال : وتكون الجملة اعتراضية . يريد أن الصلة تمت عند الزكاة ، فيجوز فيه ذلك ، وإلا فكيف يصح - إذا أخذنا بظاهر كلامه - أن الصلة تمت عند قوله : " وَهُمْ " وتسمية هذا اعتراضاً : يعني من حيث المعنى وسياق الكلام ، وإلا فالاعتراض في الاصطلاح : إنما يكون بين متلازمين من مبتدأ أو خبر ، وشرط وجزاء ، وقسم وجوابه ، وتابع ومتبوع ، وصلة وموصول ، وليس هنا شيء من ذلك . فإن قيل : إن المؤمنين الذي يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة لا بد وأن يكونوا متيقنين بالآخرة ، فما وجه ذكره مرة أخرى ؟ فالجواب من وجهين : الأول : أن الذي يستفاد منه طرق للنجاة هو معرفة المبدأ ، ومعرفة المعاد ، والعمل الصالح ، وأشرفه الطاعة بالنفس والطاعة بالمال ، فقوله : " لِلْمُؤْمِنِينَ " ، أي : الذين يُؤْمِنُونَ بالغَيْبِ وهو إشارة إلى معرفة المبدأ ، وقوله : ( { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } ، إشارة إلى الطاعة بالنفس والمال ، وقوله : { وَهُم ) بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } إشارة إلى علم المعاد ، فكأنه تعالى جعل معرفة المبدأ طرفاً أولاً ، ومعرفة المعاد طرفاً أخيراً ، وجعل الطاعة بالنفس والمال متوسطاً بينهما . الثاني : أن المؤمنين الذي يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة منهم من هو جازم بالحشر والنشر ، ومنهم من يكون شاكاً فيه ، إلا أنه يأتي بهذه الطاعة احتياطاً ، فيقول : إن كنت مصيباً فيها فقد فزت بالسعادة ، وإن كنت مخطئاً فيها لم يفتني إلا خيرات قليلة في هذه المدة اليسيرة , فمن أتى بالصلاة والزكاة على هذا الوجه , لم يكن في الحقيقة مهتدياً بالقرآن ، ( وأما من كان جازماً بالآخرة كان مهدياً به ) . فلهذا ذكر هذا القيد .