Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 4-5)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } الآية . لما بيّن ما للمؤمنين من البشرى أتبعه بما للكفار من سوء العذاب ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ } القبيحة ، حتى رأوها حسنة ، " فهم يعمهون " يترددون فيها متحيرين . فإن قيل : كيف أسند تزيين أعمالهم إلى ذاته مع أنه أسنده إلى الشيطان في قوله { زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } [ الأنفال : 48 ] ؟ . فالجواب : أما أهل السنة فأجروا الآية على ظاهرها ، لأن الإنسان لا يفعل شيئاً ألبتة إلا إذا دعاه الداعي إلى الفعل والمعقول من الداعي هو العلم والاعتقاد ، أو الظن بكون الفعل مشتملاً على منفعة ، وهذا الداعي لا بد وأن يكون من فعل الله تعالى لوجهين : الأول : أنه لو كان لافتقر فيه إلى داع آخر ، ولزم التسلسل ، وهو محال . الثاني : أن العلم إما أن يكون ضرورياً ، أو كسبياً ، فإن كان ضرورياً فلا بد من تصورين والتصور يمتنع أن يكون مكتسباً ، لأن المكتسب إن كان شاعراً به ، فهو متصور له ، وتحصيل الحاصل محال ، وإن لم يكن متصوراً ، كان غافلاً عنه ، والغافل عن الشيء يمتنع أن يكون طالباً له . فإن قيل : هو مشعور به من وجه ، قلنا : فالمشعور به غير ما هو غير مشعور به ، فيعود التقسم المتقدم في كل واحد من هذين الوجهين . وإذا ثبت أن التصور غير مكتسب ألبتة ، والعلم الضروري هو الذي يكون مكتسباً ، فإن كل واحد من تصوُّريه كاف في حصول التصديق ، فالتصورات غير مكتسبة فهي مستلزمة التصديقات ، فإذن متى حصلت التصورات البديهية ، كان التصديق بها بديهياً فهي مستلزمة التصديقات ، فإذن متى حصلت التصورات البديهية ، كان التصديق بها بديهياً وليس كسبياً . ثم إن التصديقات البديهية إن كانت مستلزمة التصديقات النظرية ، كانت كسبية ، لأن لازم الضروري ضروري ، وإن لم تكن مستلزمة لها لم تكن تلك الأشياء التي فرضناها علوماً نظرية كذلك ، بل هي اعتقادات تقليدية ، لأنه لا معنى لاعتقاد المقلد إلا اعتقاد تحسيني بفعله ابتداء من غير أن يكون له موجب ، فثبت بهذا أن العلوم بأسرها ضرورية ، وثبت أن مبادىء الأفعال هي العلوم ، وأفعال العباد بأسرها ضرورية فالإنسان مضطر في صورة مختار ، فثبت أن الله تعالى هو الذي ( زين لكل عامل عمله ، والمراد من التزيين هو الذي ) يخلق في قلبه العلم بما فيه من ( المنافع واللذات , ولا يخلق في قلبه العلم بما فيه من ) المضار والآفات ، فثبت بهذه الدلائل العقلية القاطعة وجوب إجراء هذه الآية على ظاهرها . وأما المعتزلة فتأولوها بوجوه : أحدها : أن المراد بينا لهم أمر الدين ، وما يلزمهم أن يتمسكوا به ، وزيناه بأن بينا حسنه وما لهم فيه من الثواب ، لأن التزيين من الله للعمل ليس إلا وصفه بأنه حسن واجب وحميد العاقبة ، وهو المراد من قوله : { حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ } [ الحجرات : 7 ] . وقوله : " فَهُمْ يَعْمَهُونَ " يدل على ذلك ، إذ المراد : فهم يعدلون ويتخيرون عما زينا من أعمالهم . وثانيها : أنه تعالى لما متعهم بطول العمر وسعة الرزق ، جعلوا إنعام الله عليهم بذلك ذريعة إلى اتباع شهواتهم ، وعدم الانقياد لما يلزمهم من التكاليف ، فكأنه تعالى زين بذلك أعمالهم ، ولذلك أشارت الملائكة عيلهم السلام بقولهم : { وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ } [ الفرقان : 18 ] { وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ } [ الفرقان : 18 ] { ٱلذِّكْرَ } [ الفرقان : 18 ] . وثالثها : أن إمهاله الشيطان وتخليته حتى يزين لهم ملابسة ظاهرة للتزيين ، فأسند إليه . والجواب عن الأول : أن قوله تعالى : { زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ } صيغة عموم ، فوجب أن يكون الله تعالى قد زين لهم كل أعمالهم حسناً أو قبيحاً . وعن الثاني : أن الله تعالى لما متعهم بطول العمر وسعة الرزق فهل لهذه الأمور في ترجيح فاعلية المعصية على تركها أثر ، وليس لها أثر ، وليس لها أثر فيه ، فإن كان الأول , فقد دللنا على أن التحصيل متى حصل فلا بد أن ينتهي إلى حد الوجوب والاستلزام وحينئذ يحصل الغرض - وإن لم يكن له فيه أثر - صارت هذه الأشياء بالنسبة إلى أعمالهم كصرير الباب ونعيق الغراب ، بالنسبة إلى أعمالهم ، وذلك يمنع من إسناد فعلهم إليها ، وهذا بعينه هو الجواب عن التأويل الثالث الذي ذكروه . قوله : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ } أي : القتل والأسر يوم بدر ، وقيل : المراد مطلق العذاب ، سواء كان في الدنيا أو في الآخرة ، وسوء العذاب : شدته . قوله : " الأَخْسَرُونَ " في ( أَفَعَلَ ) قولان : أظهرهما : أنها على بابها من التفضيل ، وذلك بالنسبة إلى الكفار ، من حيث اختلاف الزمان والمكان ، يعني : أنهم أكثر خسراناً في الآخرة منهم في الدنيا ، أي أن خسرانهم في الآخرة أكثر من خسرانهم في الدنيا . وقال جماعة - منهم الكرماني - هي هنا للمبالغة لا للشَّركة ، لأن المؤمن لا خسران له في الآخرة ألبتة ، وقد تقدم جواب ذلك ، وهو أن الخسران راجع إلى شيء واحد ، باعتبار اختلاف زمانه ومكانه . وقال ابن عطية : " الأَخْسَرُونَ " جمع ( " أَخْسَرَ " ، لأن أفعل صفة لا يجمع إلا أن يضاف ، فتقوى رتبته في الأسماء ، وفي هذا نظر . قال أبو حيان : ولا نظر في أنه يجمع جمع سلامة أو جمع تكسير إذا كان بـ ( ال ) ، بل لا يجوز فيه إلا ذلك إذا كان قبله ما يطابقه في الجمعية ، فيقول : الزيدون هم الأفضلون والأفاضل ، والهندات هنّ الفضليات والفضل ، وأما قوله : لا يجمع إلا أن يضاف ) فلا يتعين إذ ذاك جمعه ، بل إذا أضيف إلى نكرة فلا يجوز جمعه ، وإن أضيف إلى معرفة جاز فيه الجمع والإفراد .