Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 34-37)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً } بالقهر " أَفْسَدُوهَا " : خرّبوها ، { وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً } ، فذكرت لهم عاقبة الحرب ، وحذرتهم مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم . قوله : { وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } أي : مثل ذلك الفعل يفعلون ، وهل هذه الجملة من كلامها - وهو الظاهر - فتكون منصوبة بالقول ، أو من كلام الله تعالى ، فهي استئنافية لا محل لها من الإعراب ، وهي معترضة بين قولها . قوله : { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ } : ما بعث على وجه الإكرام ، وهي اسم للمهدى ، فيحتمل أن يكون اسماً صريحاً ، ويحتمل أن تكون - في الأصل - ( مصدراً أطلق على اسم المفعول ، وليست مصدراً قياسياً ، لأن الفعل منه : أهدى رباعياً ، فقياس ) مصدره : إهداء . فصل اعلم أنَّ بلقيس كانت امرأة لبيبة قد سيست وساست فقالت للملأ من قومها : { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ } ، أي : لسليمان وقومه " بِهَديَّةٍ " أصانعه على ملكي وأختبره بها أَمَلِكٌ أَم نبيّ ، فإن يكن ملكاً قبل الهديّة وانصرف ، وإن يكن نبيّاً لم يقبل الهديّة ولم يرضه منا إلا أن نتبعه على دينه ، فذلك قوله : { فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ } ، ( وهذا الكلام يدل على أنّها لم تثق بالقبول وجوّزت الرد ، وأرادت أن ينكشف لها غرض سليمان ) . قوله : " فَنَاظِرَةٌ " عطف على " مُرْسِلَة " ، و " بم " متعلق بـ " يرجع " ، وقد وهم الحوفي فجعلها متعلقة بـ " نَاظِرَةٌ " ، وهذا لا يستقيم ، لأن اسم الاستفهام له صدر الكلام و " بم يرجع " معلق لناظرة . قوله : { فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ } أي : فلما جاء الرسول ، أضمره لدلالة قولها " مرسِلة " فإنه يستلزم رسولاً ، والمراد به الجنس لا حقيقة رسول واحد ، بدليل خطابه لهم بالجمع في قوله : " أَتَمِدُّونَنِي … " إلى آخره ، وكذلك قرأ عبد الله : فلما جاءوا ، وقرأ : " فارجعوا إليهم " ، اعتباراً بالأصل المشار إليه . قوله : " أَتُمِدُونَنِي " استفهام إنكار ، وقرأ حمزة بإدغام نون الرفع في نون الوقاية ، وأما الياء فإنه يحذفها وقفاً ، ويثبتها وصلاً على قاعدته في الزوائد ، والباقون بنونين - على الأصل - وأما الياء فإن نافعاً وأبا عمرو كحمزة يثبتانها وصلاً ويحذفانها وقفاً ، وابن كثير يثبتها في الحالين ، والباقون يحذفونها في الحالين . وروي عن نافع أنه يقرأ بنون واحدة ، فتكملت ثلاثة قراءات كما في : { تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ } [ الزمر : 64 ] . قال الزمخشري : ما الفرق بين قولك : أتمدونني بمال وأنا أغنى منكم ، وبين أن تقوله بالفاء ؟ قلت : إذا قلته بالواو فقد جعلت مخاطبي عالماً بزيادتي عليه في الغنى ، وهو - مع ذلك - يمدني بالمال ، وإذا قلته بالفاء فقد جعلته ممن خفي عليه حالي ، وإنما أخبره الساعة بما لا أحتاح معه إلى إمداده ، كأني أقول له : أنكر عليك ما فعلت فإني غني عنه ، وعليه ورد قوله : { فَمَآ آتَانِي ٱللَّهُ } انتهى . وفي هذا الفرق نظر ، إذ لا يفهم ذلك بمجرد الواو والفاء ، ثم إنه لم يجب عن السؤال الأول ، وهو أنه : لم عدل عن قوله : وأنا أغنى منكم إلى قوله : { فَمَآ آتَانِي ٱللَّهُ } ؟ وجوابه : أنه أسند إيتاء الغنى إلى الله ، إظهاراً لنعمته عليه ، ولو قال : وأنا أغنَى منكم ، كان فيه افتخار من غير ذكر لنعمة الله عليه ، فأظهر - بهذا الكلام - قلة الاكتراث بذلك المال . قوله : " بَلْ أَنْتُم " إضراب انتقال ، قال الزمخشري : فإن قلت : فما وجه الإضراب ؟ قلت : لما أنكر عليهم الإمداد ، وعلل إنكاره ، أضرب عن ذلك إلى بيان السبب الذي حملهم عليه ، وهو أنهم لا يعرفون سبب رضى إلا مما يهدى إليهم من حظوظ الدنيا التي لا يعرفون غيرها ، والهدية : يجوز إضافتها إلى المهدي وإلى المهدى إليه ، وهي هنا محتملة للأمرين . قال أبو حيان : وهي هنا مضافة للمهدى إليه ، وهذا هو الظاهر ، ويجوز أن تكون مضافة إلى المهدي ، أي : بل أنتم بهديتكم هذه التي أهديتموها تفرحون فرح افتخار . قال شهاب الدين : كيف يجعل الأول هو الظاهر ، ولم ينقل أن سليمان - صلى الله عليه وسلم - أرسل إليهم هدية في هذه الحالة ، حتى يضيفها إليهم ، بل الذي يتعين إضافتها إلى المهدي . ومعنى الآية : { بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } ، لأنكم أهل مفاخرة بالدنيا ومكاثرة بها تفرحون بإهداء بعضكم لبعض ، وأما أنا فلا أفرح بها وليست الدنيا من حاجتي ، لأن الله تعالى قد مكنني فيها وأعطاني منها ما لم يعط أحداً ، ومع ذلك أكرمني بالدين والنبوة . قوله : " ارْجِعْ " الظاهر أن الضمير يعود على الرسول ، وتقدمت قراءة عبد الله : " ارجعوا " ، وقيل : يعود على الهدهد . " فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ " وهذا جواب قسم مقدر ، وكذلك قوله : " ولَنُخْرَجَنَّهُم " . قوله : " لاَ قِبَلَ " صفة لـ " جُنُود " ، أي : لا طاقة , وحقيقته : لا مقابلة والضمير في " بها " عائد على " جنود " , لأنه جمع تكسير فيجري مجرى المؤنثة الواحدة كقولهم : الرِّجَالُ وأعضَادَها . وقرأ عبد الله " بهم " على الأصل . " ولَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا " أي من بلادهم وأرض سبأ " أَذِلَّةً " حال ، والذل : أن يذهب عنهم ما كان عندهم من العز والملك . قوله : " وَهُمْ صَاغِرُون " حال ثانية ، والظاهر أنها مؤكدة ، لأن " أَذِلَّةً " تغني عنها . فإن قيل : قوله " فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ " ، و " لَنُخْرِجَنَّهُمْ " قسم ، فلا بد أن يقع ! فالجواب : أنه معلق على شرطٍ حُذِفَ لفهم المعنى ، أي : إن لم يأتوني مسلمين ، والصغار : أن يقعوا في أسر واستبعاد . فصل قال ابن عباس : لما رجعت رسل بلقيس إليها من عند سليمان ، قالت : قد عرفت والله ما هذا بملك ، ولا لنا به من طاقة ، وبعثت إلى سليمان : إني قادمة عليك بملوك قومي ، حتى أنظر ما أمرك وما تدعو إليه من دينك ثم آذنت بالرحيل إلى سليمان ، فلما قربت منه على فرسخ ، فرأى سليما رهجاً قريباً ، فقال ما هذا ؟ قالوا بلقيس قد نزلت منا بهذا المكان . قال ابن عباس : وكان بين الكوفة والحيرة قدر فرسخ ، فأقبل سليمان حينئذٍ على جنوده ، فقال : { يَٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } ؟ .