Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 44-44)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ } تقدّم الخلاف في الظرف الواقع بعد " دخل " هل هو منصوب على الظرف ، وشذّ ذلك مع دخل خاصة - كما قاله سيبويه - أو مفعول به كَهَديت البيت كما قاله الأخفش . والصَّرحُ : القصر ، أو صحن الدار ، أو بلاط متخذ من زجاج وأصله من التصريح ، وهو الكشف ، وكذِبٌ " صُرَاحٌ " ، أي : ظاهر مكشوف ولومٌ صُراحٌ . والصريحُ مقابل الكناية ، لظهوره واستتار ضده . وقيل : الصريح الخالص من قولهم : لبنٌ صَرِيحٌ بيّن الصراحة والصروحة . وقال الراغب : الصَّرحُ بيت عالٍ مُزوّق ، سمي بذلك اعتباراً بكونه صرحاً عن البيوت ، أي : خالصاً . قوله : " سَاقَيْهَا " العامة على ألف صريحة ، وقُنْبُل روى همزها عن ابن كثير ، وضعَّفَها أبو علي ، وكذلك فعل قنبل في جمع ساق في : ص ، وفي الفتح ، همز واوه ، فقرأ " بالسُّؤْقِ والأَعْنَاق " ، { فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُؤْقِهِ } [ الفتح : 29 ] بهمزة مكان الواو ، وعنه وجه آخر : السُّؤوق ، وسُؤُوقِهِ - بزيادة واو بعد الهمز - ، وروي عنه أنه كان يهمزه مفرداً في قوله : { يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } [ القلم : 42 ] فأما همزة الواو ففيها أوجه : أحدها : أن الواو الساكنة المضموم ما قبلها يقلبها بعض العرب همزة ، وتقدم تحقيق هذا أول البقرة عند " يوقِنُونَ " ، وأنشد عليه : @ 3966 - أَحَبُّ المؤقدينَ إِلَيَّ مُؤْسَى @@ وكان أبو حيّة النميري يهمزُ كُلَّ واوٍ في القرآن هذا وصفها . الثاني : أَنَّ ساقاً على " فَعَل " كأسد ، فجمع على " فُعُل " بضم العين ، كأسد والواو المضمومة تطلب همزة ، نحو : " وُجُوه " ، و " وُقِّتَتْ " ثم بعد الهمزة سكنت . الثالث : أن المفرد سمع همزه كما سيأتي تقريره ، فجاء جمعه عليه . وأما سؤوق - بالواو بعد الهمزة - فإن ساقاً جمع على سووق بواو ، فهمزت الأولى لانضمامها وهذه الرواية غريبة عن قنبل . وأما " ساقها " فوجه الهمزة أحد أوجه : إما لغة من يقلب الألف همزة ، وعليه لغة العجاج في : العألم و " الخأتم " ، وأنشد : @ 3967 - وَخِنْدفُ هَامَة هذَا العَأْلَم @@ وسيأتي تقريره في : { مِنسَأَتَهُ } [ سبأ : 14 ] - إن شاء الله - وتقدم طرف منه في الفاتحة ، وإما على التشبيه برأس ، وكأْسٍ ، كما قالوا : حلأْتُ السَّويقَ ، حملاً على حلأْته عن الماء ، أي : طردته وإما حملاً للمفرد والمثنى على جمعها ، وقد تقرر في جمعها الهمز . فصل لما حكى تعالى إقامتها على الكفر مع الدلائل المتقدمة ، ذكر أنَّ سليمان أظهر أمراً آخر داعياً لها إلى الإسلام ، فأمر الشياطين فبنوا صرحاً أي : قصراً من زجاج ، كأنه الماء بياضاً وأجري تحته الماء ، وألقى فيه كل شيء من دواب البحر من السمك والضفادع وغيرها ، ثم وضع سريره في صدره وجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والإنس ، وقيل : اتخذ صحناً من قوارير وجعل تحتها تماثيل من الحيتان والضفادع ، فكان الواحد إذا رآه ظنه ماء ، فلما جلس على السرير دعا بلقيس ، فلما جاءت قِيل لها : ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً ، وهي معظم الماء ، { وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَاَ } لتخوضه ، فقيل كان المقصود من بناء الصرح تهويل المجلس وتعظيمه ، وحصل كشف الساق على سبيل التبع ، وقيل : إن سليمان أراد أن ينظر إلى ساقيها من غير أن يسألها كشفها لما قالت الشياطين له إن رجلها كحافر الحمار ، وهي شعراء الساقين ، فنظر سليمان فإذا هي أحسن الناس ساقاً وقدماً ، إلا أنها كانت شعراء الساقين ، فلما رأى سليمان ذلك صرف بصره عنها وناداها أنّه صرح " مُمرَّد " ، أي : مُمَلَّسٌ ، ومنه الأمرد لملاسة وجهه من الشعر وبريَّةٌ مرداء لخلوها من النبات ، ورملةٌ مرداء ، لا تنبت شيئاً ، والمارد من الشياطين من تَعَرَّى من الخير وتجرد منه . ومارد حصنّ معروف ، وفي أمثال الزَّبَّاء : " تَمَرَّدَ مَارِدٌ وَعَزَّ الأَبْلَقُ " قالتها في حصنين امتنع فتحهما عليها . والقوارير ، وهي الزجاج الشفاف ، و " مِنْ قَوَارِيرَ " صفة ثانية لـ " صرح " . قوله : { قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِيَ } قال مقاتل : لما رأت السرير والصرح ، علمت أن ملك سليمان من الله ، فقالت ربِّ إنِّي ظلمتُ نَفْسِي بعبادة غيرك ، وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ، وأخلصت لك التوحيد . وقيل : إنها لما بلغت الصرح وظنته لجة قالت في نفسها إن سليمان يريد أن يغرقني وكان القتل أهون من هذا ، فقولها : " ظَلَمْتُ نَفْسِي " تعني ذلك الظن . واختلفوا : هل تزوجها سليمان أم لا ؟ وأنه تزوجها في هذه الحال ، ومن قبل أن يكشف عن ساقيها ؟ والأظهر من كلام الناس أنه تزوجها ، وروي عن ابن عباس لما أسلمت ، قال لها : اختاري من قومك من يتزوجك ، فقالت : مثلي لا تنكح الرجال - مع سلطاني - فقال : النكاح من الإسلام ، فقالت : إن كان كذلك فزوجني لتبع ملك همدان ، فزوجها إياه ، ثم ردهما إلى اليمن . وروي أن الملك وصل إلى سليمان وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة . قوله : " مَعَ سُلَيْمَانَ " متعلق بمحذوف على أنه حال ، ولا يتعلق : " أَسْلَمْتُ " ، لأنَّ إسلامه سابق إسلامها بزمان ، وهو وجه لطيف ، وقال ابن عطية : و " مَعَ " ظرف بُني على الفتح ، وأمَّا إذا أسكنت العين ، فلا خلاف أنه حرفٌ . وقد تقدم القول في ذلك وقال مكي هنا نحواً من قول ابن عطية .