Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 59-60)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } الآية ، العامة على كسر لام قل ، لالتقاء الساكنين ، وأبو السمال بفتحها تخفيفاً ، وكذا في قوله : { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ } [ النمل : 93 ] ، " وَسَلاَمٌ " : مبتدأ ، سوَّغ الابتداء به كونه دعاء . فصل المعنى : " الحمد لله " على هلاكهم ، وهذا خطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يحمد الله على هلاك كفار الأمم الخالية ، و { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } بأن أرسلهم ونجّاهم . وقيل : هذا كلام مبتدأ ، فإنه تعالى لما ذكر أحوال الأنبياء - عليهم السلام - وكان محمد - عليه السلام - كالمخالف لمن قبله - في العذاب ؛ لأن عذاب الاستئصال مرتفع عن قومه - أمره الله تعالى بأن يشكر ربّه على ما خصّه به من هذه النعم ، وبأن يسلم على الأنبياء الذين صبروا على مشاق الرسالة . قوله : { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } قال مقاتل : هم الأنبياء والمرسلون بدليل قوله تعالى : { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الصافات : 181 ] . وقال ابن عباس - في رواية أبي مالك - هم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وقال الكلبي : هم أمة محمد وقيل : هم كل المؤمنين من السابقين واللاحقين . قوله : " أَمّا " أمْ هذه متصلة عاطفة ، لاستكمال شروطها ، والتقدير : أَيُّهُمَا خَيْرٌ ، و " خَيْرٌ " إمَّا تفضيل - على زعم الكفار - وإلزام الخصم ، أو صفةٌ لا تفضيل فيها . و " مَا " في " أَمْ مَا " بمعنى الذي ، وقيل : مصدرية ، وذلك على حذف مضاف من الأول ، أي أتوحيد الله خير أم شرككم ؟ وقرأ أبو عمرو وعاصم : " أَمَّا يُشْرِكُونَ " بالغيبة حملاً على ما قبله من قوله : " وَأَمْطَرنَا عَلَيْهِمْ " ، وما بعده من قوله : " بَلْ أَكْثَرَهُمْ " ، والباقون على الخطاب ، وهو التفات للكفار ، بعد خطاب نبيه - عليه السلام - وهذا تبكيت للمشركين بحالهم ، لأنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله تعالى ، ولا يؤثر عاقل شيئاًعلى شيء إلا لزيادة خير ومنفعة ، فقيل لهم هذا الكلام تنبياً لهم على نهاية ضلالهم وجهلهم ، وروي أنّ رسول - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأها قال : " بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم " . قوله : " أَمَّن خَلَقَ " " أَمْ " هذه منقطعة ، لعدم تقدّم همزة الاستفهام ولا تسوية ، و " مَنْ خَلَقَ " مبتدأ وخبره محذوف ، فقدَّره الزمخشري : خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ، فقدر ما أثبت في الاستفهام الأوّل ، وهو حَسَنٌ ، وقَدَّرَهُ ابن عطية : يُكفَر بنعمته ويُشْرك به ، ونحو هذا من المعنى . وقال أبو الفضل الرازي : لا بُدَّ من إضمار جملة معادلة ، وصار ذلك المضمر كالمنطوق لدلالة الفحوى عليه ، وتقدير تلك الجملة : أم مَّنْ خَلَقَ السَّمَواتِ والأَرْض كَمَنْ لَمْ يَخْلُقُ ؟ وكذلك أخواتها ، وقد أُظْهِرَ في غير هذه المواضع ما أُضْمِر فيها ، كقوله : { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } [ النحل : 17 ] . وقال أبو حيان : وتسمية هذا المقدر جملة إن أراد أنّها جملة من جهة الألفاظ فصحيح ، وإن أراد الجملة المصطلح عليها في النحو ، فليس بصحيح ، بل هو مضمر من قبيل المفرد . وقرأ الأعمش : " أَمَنْ " بتخفيف الميم جعلها ( مَنْ ) الموصولة داخلة عليها همزة الاستفهام ، وفيها وجهان : أحدهما : أن يكون مبتدأ والخبر محذوف وتقديره ما تقدم من الأوجه ، قاله أبو حيان . والثاني : أنها بدل من " الله " ، كأنه قيل : أمن خلق السموات والأرض خَيْر أمَّا يشركون ، ولم يذكر الزمخشري غيره . ويكون قد فصل بين البَدَل والمُبْدَل منه بالخبر وبالمعطوف على المبدل منه ، وهو نظير قولك : أَزيدٌ خَيْرٌ أَمْ عَمْرٌوا أأخوك ، على أن يكون أأخوك بدلاً من : أزيد ، وفي جواز مثل هذا نظر . قوله : " فَأَنْبَتْنَا " هذا التفات من الغيبة إلى المتكلم ، لتأكيد معنى اختصاص الفعل بذاته ، والإيذان بأنَّ إنْبات الحدائق المختلفة الألوان والطُّعوم - مع سقيها بماءٍ واحدٍ - لا يقدر عليه إلاّ هو وحده ، ولذلك رشحه بقوله : { مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا } . فإن الإنسان ربما يقول : أنا الذي ألقي البذر في الأرض وأسقيها الماء وأسعى في تشميسها ، وفاعل السبب فاعل المسبب ، فإذن أنا المنبت للشجرة ، فلمّا كان هذا الاحتمال قائماً ، لا جرم أزال الله تعالى هذا الاحتمال ، فرجع من لفظ الغيبة إلى لفظ المتكلم ، والحدائق : جمع حديقةٍ وهي البستان ، وقيل القطعة من الأرض ذات الماء . قال الراغب : سُمِّيَتْ بذلك تشبيهاً بحَدقةِ العين في الهيئة وحصول الماء فيه . وقال غيره : سُمِّيت بذلك لإحداق الجدران بها . وليس بشيء ، لأنها يطلق عليها ذلك م عدم الجدران ووقف القراء على " ذَات " من " ذَاتِ بَهْجَة " بتاء مجهورة ، والكسائي بها ، لأنها تاء تأنيث . وقيل : " ذات " ، لأنه بمعنى جماعة حدائق ذات بهجة كما تقول : النساء ذهبت ، و " البهجة " : الحسن ، لأن حسّ الناظر يبتهج به . وقرأ ابن أبي عبلة : " ذَوَاتِ بَهَجَةٍ " بالجمع ، وفتح هاء " بَهَجَةٍ " . قوله : { مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ } ، " أَنْ تُنْبِتُوا " اسم كان و " لَكُمْ " خبر مقدم ، والجملة المنفية يجوز أن تكون صفة لـ " حدائق " ، وأن تكون حالاً ، لتخصصها بالصفة . قوله : { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ } استفهام بمعنى الإنكار ، هل معبود سواه أعانه على صنعه ، بل ليس معه إله ، وقرىء : أإلهاً مَعَ اللَّهِ ، أي : تدعون أو تشركون ، { بَلْ هُمْ قَوْمٌ } : يعني كفار مكة ، يَعْدِلُون : يشركون ، أي : يعدلون بالله سواه ، وقيل يعدلون عن هذا الحق الظاهر ، ونظير هذه الآية أول سورة الأنعام .