Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 33-37)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } اعلم أنه تعالى لمَّا قال : { فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } [ القصص : 32 ] تضمن ذلك أن يذهب موسى بهذين البرهانين إلى فرعون وقومه ، فعند ذلك طلب من يقوِّي قلبه فقال : { رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً } ، لأنه كان في لسانه حبسة إما في أصل الخلقة وإما لأنه وضع الجمرة في فيه عندما ( نتف لحية ) فرعون . قوله " هُوَ أَفْصَحُ " الفصاحة لغةً الخلوصُ ، ومنه : فصُحَ وأَفْصَحَ فهو مفصِحٌ وفصيحٌ ، أي : خلُصَ من الرِّغوة ، ومنه قولهم : @ 3996 - وَتَحْتَ الرِّغْوَةِ اللَّبَنُ الفَصِيحُ @@ ومنه : فصُحَ الرَّجُلُ جادت لغته ، وأفصح : تكلَّم بالعربية ، وقيل : بالعكس ، وقيل : الفصيح ، الذي ينطق ، والأعجم : الذي لا ينطق ، ومن هذا استعير أَفصحَ الصُّبحُ ، أي : بَدَا ضوؤُهُ ، وأفصح النصراني : دنا فصحُه بكسر الفاء ، وهو عيد لهم . وأما في اصطلاح أهل البيان ، فهو خُلُوص الكلمة من تنافر الحروف ، كقوله : تَرَعَى الهُعْخُعَ ، ومن الغرابة كقوله : @ 3997 - وَمَرْسِناً مُسَرَّجَا @@ ومن مخالفة القياس اللُّغوي كقوله : @ 3998 - العَـلِـيِّ الأَجْـلَـلِ @@ وخلوص الكلام منن ضعف التأليف كقوله : @ 3999 - جَـزَى رَبُّـهُ عَنِّـي عَـدِيَّ بْـنَ حَاتِـمٍ @@ ومن تنافر الكلمات كقوله : @ 4000 - وَقَبْرُ حَرْبٍ بِمَكَـانِ قَفْرٍ وَلَيْسَ قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْـرُ @@ ومن التعقيد وهو إما إخلال نظم الكلام فلا يُدْرَى كيف يتوصل إلى معناه ، كقوله : @ 4001 - وَمَا مِثْلُهُ فِي النَّاسِ إلاَّ مُمَلَّكاً أبُو أُمِّهِ حَيٌّ أَبُوهُ يُقَارِبُه @@ وإما عدم انتقال الذهب من المعنى الأول إلى المعنى الثاني الذي هو لازمه والمراد به ظاهِراً كقوله : @ 4002 - سَأَطْلُبُ بَعْدَ الدَّارَ عَنْكُمْ لِتَقْرُبُوا وَتَسْكُبُ عَيْنَايَ الدُّمُوعَ لِتَجْمُدَا @@ وخلوص ( المتكلم من ) النطق بجميع ذلك ، فصارت الفصاحة يوصف بها ثلاثة أشياء : الكلمةُ والكلامُ والمتكلمُ ، بخلاف البلاغة فإنه لا يوصف بها إلا الأخيران ، وهذا ليس ( موضع ) إيضاحه وإنما ذكرناه تنبيهاً على أصله ، ولساناً : تمييز . قوله " رَِدْءاً " ( منصوب ) على الحال ، والرِّدْءُ : العَوْنُ وهو فعل بمعنى مفعول كالدِّفْء بمعنى المدفوء به ، وَرَدَأتُهُ على عدوه أي : أَعنتُهُ عليه ، وردأْتُ الحائط : دعمتُهُ بخشبةٍ لِئلاَّ يسقط ، وقال النحاس : يقال : رَدَأْتُهُ وَأَرْدَأْتُهُ ، وقال سلامة بن جندل : @ 4003 - وَرِدْئِي كل أَبْيَضَ مَشْرَفيٍّ شَحِيذَ الحدِّ أبيض ذِي فُلُولِ @@ وقال آخر : @ 4004 - ألم تر أنَّ أَصْرَمَ كان رِدْئِي وَخَيْرُ النَّاسِ في قُلٍّ ومَالِ @@ وقرأ نافع بغير همزة " رِداً " بالنقل ، وأبو جعفر كذلك إلا أنه لم ينوِّنْه ، كأنه أجرى الوصل مجرى الوقف ، ونافع ليس من قاعدته النقل في كلمة إلاَّ هُنا ، وقيل : ليس نَقْلٌ وإنما هو من أردى على كذا ، أي : زَادَ ، قال : @ 4005 - وَأَسْمَرَ خَطِّيّاً كَأَنَّ كُعُوبَهُ نَوَى القَسْبِ قَدْ أَرْدَى ذِرَاعاً على العَشْرِ @@ أي : زاد ، وأنشده الجوهري ( قد أَرْبَى ) ، وهو بمعناه . قوله : " يُصَدِّقُنِي " قرأ حمزة وعاصم بالرفع على الاستئناف أو الصفة لـ " رِدْءاً " أو الحال من ( هاء ) " أَرْسِلْهُ " ، أو من الضمير في " رِدْءاً " ، أي : مصدِّقاً ، والباقون بالجزم جواباً للأمر ، وزيد بن علي وأُبيّ " يُصَدِّقُونِي " ، أي : فرعون وملأه ، قال ابن خالويه : هذا شاهد لِمَنْ جزم ، لأنه لو كان رفعاً ، لقال : " يُصَدِّقُونَنِي " . يعني بنونين ، وهذا سهو من ابن خالويه ، لأنه متى اجتمعت نون الرفع مع نون الوقاية جازت أوجه : أحدها : الحذف ، فهذا يجوز أن يكون مرفوعاً ، وحذفت نونه ، فمن رفع القاف فالتقدير ردءاً يصدقني ، ومن جزم كان على معنى الجزاء ، يعني : إن أرسلته صدَّقني ، ونظيره : { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي } [ مريم : 5 - 6 ] ، وروى السُّدِّي عن بعض شيوخه : " ردءاً كَيْمَا يُصَدِّقني " . والتصديق لهارون في قول الجميع ، وقال مقاتل : لكي يُصدِّقنِي فرعون { إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } يعني فرعون وقومه ، وقال ابن الخطيب : ليس الغرض بتصديق هارون أن يقول له صدقت أو يقول الناس : صَدَقَ مُوسَى ، وإنما هو أن يخلص بلسانه الفصيح وجوه الدلائلِ ويجيب عن الشبهات ويجادل به الكفار فهذا هو التصديق المفيد ألا ترى إلى قوله { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهِ } ، وفائدة الفصاحة إنما تظهر فيما ذكرناه لا مجرد قوله : " صَدقت " . فصل قال السُّدِّيّ : إنَّ نبيَّيْن وآيتين أقوى من نبيٍّ واحدٍ وآية واحدة قال القاضي : والذي قاله من جهة العادة أقوى ، فأمَّا مِنْ حيث الدلالة فلا فرق بين معجز ومعجزين . قوله " عَضُدَكَ " العامة على فتح العين وضم الضاد ، والحسن وزيد بن علي ( بضمهما ) وعن الحسن بضمة وسكون ، وعيسى بفتحهما ، وبعضهم بفتح العين وكسر الضاد ، وفيه لغة سادسة فتح العين وسكون الضاد ، وهذا كناية عن التقوية له بأخيه وكان هارون يومئذ بمصر . قوله { وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً } أي : حُجَّةً وبرهاناً { فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا } . فإن قيل : بيَّن تعالى أن السلطان هو بالآيات فكيف لا يصلون إليهما لأجل الآيات ، أو ليس فرعون قد وصل إلى صلب السحرة ؟ فإن كانت هذه الآيات ظاهرة فالجواب : أن الآية التي هي قلب العصا حيَّة كما أنها معجزة فهي أيضاً تمنع من وصول ضرر فرعون إلى موسى وهارون ، لأنهم علموا أنه متى ألقاها صارت حية عظيمة ، وإن أراد إرسالها عليهم أهلكتهم زجرهُم ذلك عن الإقدام عليها ، فصارت مانعة من الوصول إليهما بالقتل وغيره وصارت آية ومعجزة وجمعت بين الأمرين ، وأما صلب السَّحرة ففيه خلاف ، فقيل : إنهم ما صُلِبوا ، وليس في القرآن ما يدل على ذلك ، وإن سلم فوصول الضرر لغيرهما لا يقدح في عدم الوصول إليهما . قوله : " بآياتِنَا " يجوز فيه أوجه أن يتعلق بـ " نَجْعَلُ " أو بـ " يَصِلُونَ " أو بمحذوف أي : اذهبا ، أو على البيان فيتعلق بمحذوف أيضاً ، أو بـ " الغَالِبُونَ " على أن ( أل ) ليس موصولة أو موصُولة ، واتِّسع فيه ما لا يتسع في غيره ، أو قسمٌ وجوابه متقدم ، وهو " فَلاَ يَصِلُونَ " ، أو من لغو القسم ، قالهما الزمخشري ، ورد عليه أبو حيان بأن جواب القسم لا تدخله الفاء عند الجمهور . ويريد : بلغو القسم أن جوابه محذوف أي : وحقّ آياتِنَا لَتَغْلِبُنَّ ، ثم قال : { أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ } أي : لكما ولأتباعكما الغلبة . قوله : { فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ } واضحات وقد تقدم كيفية إطلاق لفظ الآيات - وهو جمع - على العصا واليد في سورة طه . { قَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى } مختلق ، ثم ضموا إليه ما يدل على جهلهم ، وهو قولهم { وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } أي : ما حُدِّثنا بهذا الذي تدعونا إليه . قوله : " وقَالَ مُوسَى " هذه قراءة العامة بإثبات واو العطف ، وابن كثير حذفها . وكل وافق مصحفه ، فإنها ثابتة في المصاحف غير مصحف مكة ؛ وإثباتها وحذفها واضحان ، وهو الذي يسميه أهل البيان : الوَصْلُ والفَصْلُ . قوله { رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ } بالمحق من المبطل . قوله : " وَمَنْ تَكُونُ " قرأ العامة " تكون " بالتأنيث ، و " لَهُ " خبرها ، و " عَاقِبَةُ " اسمها ، ويجوز أن يكون اسمها ضمير القصة ، والتأنيث لأجل ذلك . و { لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ } جملة في موضع الخبر ، وقرىء بالياء من تحت على أن تكون " عَاقِبَةُ " اسمها ، والتذكير للفصل ، ولأنه تأنيث مجازي ، ويجوز أن يكون اسمها ضمير الشأن ، والجملة خبر كما تقدم ، ويجوزُ أن تكون تامة وفيها ضمير يرجع إلى " مَنْ " والجملة في موضع الحال ، ويجوز أن تكون ناقصة واسمها ضمير " مَنْ " والجملة خبرها ، والمعنى : " مَنْ يَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ " أي : العاقبة المحمودة في الدار الآخرة لقوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ جَنَّاتٌ عَدْنٍ } [ الرعد : 22 - 23 ] ، والمراد من الدار : الدُّنيا . وعاقبتها وعقباها أنْ يُخْتَم للعبد بالرحمة والرضوان ، { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } ، أي : الكافرون .