Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 29-32)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
" آنسَ " أي : أبصر " { مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً } وكان في البرية في ليلة مظلمة شديدة البرد وأخذ امرأته الطلقُ ، فقال { لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ } عن الطريق لأنه اكن قد أخطأ الطريق . قوله " أَوْ جُذْوَةٍ " قرأ حمزة بضم الجيم ، وعاصم بالفتح ، والباقون بالكسر وهي لغات في العُود الذي في رأسه نار ، هذا هو المشهور ، قال السُّلَمي : @ 3991 - حَمَا حُبُّ هذي النَّارِ حُبَّ خَلِيلَتِي وَحُبُّ الغَوَانِي فهو دُونَ الحُبَاحِبِ وَبُدِّلْتُ بعدَ المِسْك وَالبَانِ شِقْوَةً دُخَان الجذَا في رأْسِ أَشْمَطَ شَاحِبِ @@ وقيده بعضهم فقال : في رأسه نار من غير لهب . قال ابن مُقبل : @ 3992 - بَاتَتْ حَوَاطِبُ لَيْلَى يَلْتَمسن لَهَا جِزَالَ الجِذَا غَيْرَ خَوَّارٍ وَلاَ دَعِرِ @@ الخوَّار الذي يتقصف ، والدَّعِرُ الذي فيه لهب . وقد ورد ما يقتضي وجود اللهب فيه ، قال الشاعر : @ 3993 - وَأَلْقَى عَلَى قَبسٍ من النار جُذْوَةً شديداً عَلَيْها حَرُّها والتِهَابُهَا @@ وقيل : الجذوة : العودُ الغليظُ سواء كان في رأسه نار أو لم يكن ، وليس المراد هنا إلا ما يكون في رأسه نارٌ . قوله " مِنَ النَّارِ " صفة لـ " جَذْوَة " ولا يجوز تعلقها بـ " آتِيكُم " ، كما تعلق بها " مِنْهَا " ، لأن هذه النار ليست النار المذكورة ، والعرب إذا تقدَّمت نكرة وأرادت إعادَتَها أعادَتْها مضمرةً أو معرَّفةً بأل العهدية ، وقد جُمِعَ الأمران هنا . " لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ " تستدفئون . قوله " مِنْ شَاطِىءِ " " مِنْ " لابتداء الغاية ، و " الأَيْمَنِ " صفة للشاطىء أو للوادي ، والأَيْمَنُ من اليُمْنِ ، وهو البَرَكة ، أو مِنَ اليمين المعادل لليسار من العضوين ، ومعناه على هذا بالنسبة إلى موسى ، أي : الَّذي على يمينك دون يسارِك ، والشاطىء ضفة الوادي والنهر أي : حافته وطرفه ، وكذلك الشَّطُّ والسيف والساحل كلها بمعنى ، وجمع الشاطىء " أَشْطاءٌ " قاله الراغب ، وشاطأت فلاناً : ماشيته على الشاطىء . قوله : " فِي البُقْعَة " متعلق ( بـ " نُودِيَ " أي ) بمحذوف على أنه حال من الشاطىء ، وقرأ العامة بضم الباء ، وهي اللغة الغالبة ، وقرأ مسلمة والأشهب العقيلي بفتحها وهي لغة حكاها أبو زيد قال : سمعتهم يقولون : هذه بقعةٌ طيبة ، ( ووصف البقعة بكونها مباركة لأنه حصل فيها ابتداء الرسالة ، وتكليم الله تعالى إياه ) . قوله : " مِنَ الشَّجَرَةِ " هذا بدل من " شَاطِىء " بإعادة العامل ، وهو بدل اشتمال ، لأن الشجرة كانت ثابتة على الشاطىء كقوله : { لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ } [ الزخرف : 33 ] . قوله : { أَن يَٰمُوسَىٰ } هي المفسرة ، وجوِّز فيها أن تكون في المخففة ، واسمها ضمير الشأن ، وجملة النداء مفسرة له ، وفيه بُعد . قوله { إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ } العامة على الكسر على إضمار القول ، أو على تضمين النداء معناه ، وقرىء بالفتح ، وفيه إشكال ، لأَنَّهُ إنْ جعلت " أَنْ " تفسيرية ، وجب كسر " إنِّي " للاستئناف المفسر للنداء بماذا كان ، وإن جعلتها مخففة لزم تقدير " أَنِّي " بمصدر ، والمصدر مفرد ، وضمير الشأن لا يفسر بمفرد ، والذي ينبغي أن تُخرَّج عليه هذه القراءة أن تكون " أَنْ " تفسيرية و " أَنِّي " معمولة لفعل مضمر تقديره أَنْ يا موسى اعلم أَنِّي أنا الله ، واعلم أنه تعالى قال في سورة النمل { نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } [ النمل : 8 ] وقال ها هنا : نُودِي أَنِّي أنا اللَّه ربُّ العالمين ، وقال في سورة طه { نُودِيَ يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ } [ طه : 11 - 12 ] ، ولا منافاة بين هذه الأشياء ، فهو تعالى ذكر الكلّ إلا أنه تعالى حكى في كل سورة بعض ما اشتمل عليه بعض ذلك النداء . قوله : { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } تقدم الكلام على ذلك . وقوله : { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } فقد عبّر عن هذا المعنى بثلاث عبارات : إحداها هذه ، وثانيها { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ } [ طه : 22 ] ، وثالثها { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ } [ النمل : 12 ] قوله " مِنَ الرَّهْبِ " متعلق بأحد أربعة أشياء ، إمّا بـ " وَلَّى " ، وإمَّا بـ " مُدْبراً " ، وإمَّا بـ " اضمم " ، ويظهر هذا الثالث إذا فسَّرنا الرَّهب بالكمِّ ، وإمّا بمحذوف أي : تسكن من الرهب وقرأ حفص بفتح الراء وإسكان الهاء . والأخوان وابن عامر وأبو بكر بالضم والإسكان ، والباقون بفتحتين ، والحسن وعيسى والجحدري وقتادة بضمتين وكلها لغات بمعنى الخوف وقيل هو بفتحتين الكُمُّ بلغة حمير وحنيفة ، قال الزمخشري " هُو من بدِع التفاسير " قال : وليت شعري كيف صحته في اللغة ، وهل سُمِعَ من الثقات الأثبات التي تُرْتَضى عربيتهم ، أم ليت شعري كيف موقعه في الآية ، وكيف تطبيقه المفضل كسائر كلمات التنزيل ، على أن موسى صلوات الله عليه ليلة المناجاة ما كان عليه إلاَّ زُرْمانِقَة من صُوفٍ لا كُمّ لها . الزُّرمانقة : المدرعةُ . قال أبو حيان : هذا مروي عن الأصمعي ، وهو ثقة ، سمعتهم يقولون أعطني ما في رهبك أي كُمِّكَ ، وأما قوله : كيف موقعه ؟ فقالوا : معناه : أخرج يدكّ من كُمِّكَ . قال شهاب الدين : كيف يستقيم هذا التفسير ، يُفَسِّرُون " اضْمُمْ " بمعنى أَخْرِج . وقال الزمخشري : فإن قُلْتَ : قد جعل الجناح وهو اليَدُ في أحد الموضعين مضموماً ، وفي الآخر مضموماً إليه ، وذلك قوله : { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ } وقوله { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ } [ طه : 22 ] فما التوفيق بينهما ؟ قلت : المراد بالجناح المضموم : هو اليد اليمنى ، وبالجناح المضموم إليه هو اليد اليسرى ، وكل واحدة من يمنى اليدين ويسراهما جناح . فصل قال الزمخشري : في { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ } معنيان : أحدهما : أنّ موسى عليه السلام لمَّا قلب الله له العصا حيَّةً فزع واضطرب واتقاها بيده كما يفعل الخائف من الشيء ، فقيل له : إنَّ اتقاءك بيدك فيه غضاضة عند الأعداء فإذا ألقيتها وقد انقلبت حية فأدخل يدك مكان اتقائك بها ، ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران : اجتناب ما منه غضاضة عليك ، وإظهار معجزة أخرى ، والمراد بالجناح اليد ، لأن يد الإنسان بمنزلة جناح الطائر ، وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضد اليسرى ، فقد ضم جناحه إليه . ( الثاني : أن يراد بضم جناح ة تجلده وضبطه نفسه وتشدده عند انقلاب العصا حيَّة حتى لا يضطرب ) ولا يرهب ، استعارة من فعل الطائر لأنه إذا خاف نَشَرَ جناحية وأرخاهُما ، وإلا فجناحاه منضمان إليه مستمران ومعنى قوله " مِنَ الرَّهْب " أي : من أجل الرهب إذا أصابك الرهب عند رؤية الحية فاضمم إليك جناحك ( ومعنى { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ } ) وقوله " اسْلُكْ يَدَكَ " على أحد التفسيرين واحد ، وإنما خُولِفَ بين العبارتين وكرَّر المعنى لاختلاف الغرضين ، وذلك أنَّ الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء ، وفي الثاني إخفاء الرهب . قال البغوي : المعنى إذا هَالَك أمر يدك وما ترى من شعاعها ، فأدخِلْها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى ، والجناح اليد كلها وقيل : العضد . وقال عطاء عن ابن عباس : أمره الله ( أن يَضُمَّ ) يده إلى صدره فيذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية . وقال : ما من خائف بعد موسى إلا إذا وضع يده على صدره زال خوفه . وقال مجاهد : كل من فزع فضم جناحه إليه ذهب عنه الفزع ، وقيل : المراد من ضم الجناح السكون ، أي : سكّن روعَك واحفظ عليك جأشك ، لأن من شأن الخائف أن يضطرب عليه قلبه وترتعد يداه ، ومثله قوله : { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ } [ الإسراء : 24 ] يريد : المرفق ، وقوله : { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ } [ الشعراء : 215 ] أي : أرفق بهم وأَلِنْ جانبك لهم ، وقال الفراء : أراد بالجناح العصا ، معناه : واضمُمْ إليك عَصَاك . قوله : " فَذانك " تقدم قراءة التخفيف والتثقيل في النساء ، وقرأ ابن مسعود وعيسى وشبل وأبو نوفل بياء بعد نون مكسورة ، وهي لغة هذيل ، وقيل تميم ، وروى شبل عن كثير بياء بعد نون مفتوحة ، وهذا على لغة من يفتح نون التثنية ، كقوله : @ 3994 - عَلَى أَحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقَلَّتْ عَشِيَّةً فَمَا هِيَ إِلاَّ لَمْحَةٌ وتغِيبُ @@ والياء بدل من إحدى النونين ( كَتَظَنَّيْتُ ) . وقرأ عبد الله بتشديد النون وياء بعدها ، ونسبت لهذيل . قال المهدوي : بل لغتهم تخفيفها ، وكأن الكسرة هنا إشباع كقراءة هشام { أفئيدةٌ مِنَ النَّاسِ } [ إبراهيم : 37 ] . و " ذَانِكَ " إشارة إلى العصا واليد ، وهما مؤنثتان ، وإنما ذكَّر ما أشير به إليهما لتذكير خبرهما وهو " بُرْهَانَان " ، كما أنه قد يؤنث لتأنيث خبره كقراءة { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُم إِلاَّ أَن قَالُواْ } [ الأنعام : 23 ] فيمن أَنَّثَ ونصب " فِتْنَتُهُمْ " وكذا قوله : @ 3995 - وَقَدْ خَابَ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ الغَدْرُ @@ وتقدم إيضاح هذا في الأنعام . والبرهان تقدم اشتقاقه ، وهو الحجة ، وقال الزمخشري هنا : فإنت قُلتَ : لم سميت الحجةُ برهاناً ؟ قلت : لبياضها وإنارتها من قولهم ( للمرأة البيضاء ) برهرهة ، بتكرير العين واللام ، والدليل على زيادة النون قولهم أَبْره الرجلُ إذا جاء بالبرهان ، ونظيره تسميتهم إياها سلطاناً من السَّليط وهو الزيت لإنارتها . قوله " إلَى فِرْعَوْنَ " متعلق بمحذوف ، فقدره أبو البقاء مرسلاً إلى فرعون ، وغيره : اذْهَب إلى فرعون ، وهذا المقدر ينبغي أن يكون حالاً من " بُرْهَانَانِ " أي : مرسلاً بهما إلى فرعون ، والعامل في هذه الحال ما في اسم الإشارة .