Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 44-47)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ } ( قال قتادة والسدي : وما كنت بجانب الجبل الغربي ) فيكون من حذف الموصوف ، وإقامة صفته قيامه أو أن يكون من إضافة الموصوف لصفته ، وهو مذهب الكوفيين ، ومثله : بَقْلَةُ الحَمْقَاءِ ، وَمَسْجِدُ الجَامِع . قوله : { إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ } أي : عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون وقومه ، والمعنى : وما كنت الحاضر المكان الذي أوحينا فيه إلى موسى ولا كنت من جملة الشاهدين للوحي إليه أو على الوحي إليه وهم نقباؤه الذين اختارهم للميقات . فإن قيل : لمَّا قال : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ } ثبت أنه لم يكن شاهداً ، لأن الشاهد لا بد وأن يكون حاضراً فما الفائدة في إعادة قوله : { وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } . فالجواب : قال ابن عباس التقدير لم تحضر ذلك الموضع ولو حضرت ما شاهدت تلك الوقائع ، فإنه يجوز أن يكون هناك ، ولا يشهد ولا يرى . قوله : { وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً } وجه الاستدراك أن المعنى : وَمَا كُنْتَ شَاهِداً لموسى وما جرى عليه ولكِنَّا أوحيناه إليك ، فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة الفترة ودل به على المسبب على عادة الله في اختصاراته ، فإن هذا الاستدراك هو شبيه بالاستدراكين بعده ، قاله الزمخشري ، وهذا تنبيه على المعجز ، كأنه قال : إن في إخبارك بهذه الأشياء من غير حضور ولا مشاهدة ولا تعلم من أهله دلالةً ظاهرةً على نبوتك كقوله : { أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } [ طه : 133 ] . قوله : { وَمَا كُنتَ ثَاوِياً } أي : مقيماً ، يقال : ثَوَى يَثْوِي ثَوَاءً وثُوِياً ، فهو ثاوٍ ومثويّ ، قال ذو الرمة . @ 4007 - لَقَدْ كَانَ في حَوْلٍ ثَوَاءٍ ثَوَيْتُه تَقَضِّي لُبَانَاتٍ وَيَسْأْمُ سائِمُ @@ وقال : @ 4008 - طَالَ الثَّوَاءُ عَلَى رَسُولِ المَنْزِلِ @@ وقال العجاج : @ 4009 - وَبَاتَ حَيْثُ يَدْخُلُ الثَّوِيُّ @@ يعني الضيف المقيم . قوله : " تَتْلُوا " يجوز أن يكون حالاً من الضمير في " ثَاوِياً " ، وأن يكون خبراً ثانياً ، وأن يكون هو الخبر ، و " ثَاوِياً " حال وجعله الفراء منقطاً مما قبله . أي : مستأنفاً كأنَّه قيل : وها أنت تتلو على أمَّتك ، وفيه بعد . فصل المعنى : { وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً } خلقنا أمماً من بعد موسى { فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ } أي : طالبت عليهم المهلة ، فنسوا عهد الله وتركوا أمره ، وذلك أن الله عهد إلى موسى وقومه عهوداً في محمد - صلى الله عليه وسلم - والإيمان به ، فلما طال عليهم العمر وخلقت القرون من بعد القرون نسوا تلك العهود وتركوا الوفاء بها ، " وَمَا كُنْتَ " مقيماً { فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ } كمقام موسى وشعيب فيهم { تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا } تذكرهم بالوعد والوعيد . قال مقاتل : يقول لم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم { وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } في كل زمان رسولاً يعني : أرسلناك رسولاً ، وأنزلنا عليك كتاباً فيه هذه الأخبار فتتلوها عليهم ولولا ذلك ما علمتها ، ولم تخبرهم بها ، { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ } بناحية الجبل الذي كلَّم الله عليه موسى " إذْ نَادَيْنَا " أي : نادينا موسى : خذ الكتاب بقوَّةٍ . وقال ابن عباس : إذ نادينا أمتك في أصلاب آبائهم : ( يا أمة محمدٍ أجبتكم قبل أن تدعوني ، وأعطيتكم قبل أن تسألوني ، وغفرت لكم قبل تستغفروني ) ، قال : وإنما قال ذلك حين اختار موسى سبعين رجلاً لميقات ربه . وقال وهب : لما ذكر الله لموسى فضل أمة محمد قال موسى : يا رب أرني محمداً ، قال : إنك لن تصل إلى ذلك ، وإن شئت ناديت أمته وأسمعتك صوتهم ، قال : بلى يا رب ، قال الله تعالى : يا أمة محمد ، فأجابوه من أصلاب آبائهم . قوله : { وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِنْ رَبكَ } أي : أَرْسَلْنَاكَ رَحْمَةً ، أو أعلمناك بذلك رحمةً ، أو لكن رحمناك رحمة بإرسالك وبالوحي إليك وإطلاعك على الأخبار الغائبة عنك . وقرأ عيسى بن عمر وأبو حيوة : " رَحْمَةٌ " بالرفع ، أي : أنت رحمة . قوله : { مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ } في موضع الصفة لـ " قَوْماً " ، والمعنى : لتنذر أقواماً ما أتاهم من نذير من قبلك ، يعني أهل مكة ، " لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " . قوله : { وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم } هي الامتناعية ، و ( أنْ ) وما في حيزها في موضع رفع بالابتداء ، أي : ولولا أصابتهم مصيبة ، وجوابها محذوف ، فقدره الزجاج : ما أرسلنا إليهم رسلاً . يعني أن الحامل على إرسال الرسل إزاحة عللهم بهذا القول ، فهو كقوله : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } [ النساء : 165 ] ، وقدره ابن عطية : لعاجلناهم ، ولا معنى لهذا . " فَيَقُولُوا " عطف على " تصيبهم " و " لَوْلاَ " الثانية تحضيض ، و " فنتبع " جوابه ، فلذلك نصب بإضمار " أَنْ " . قال الزمخشري : فإن قلت كيف استقام هذا المعنى وقد جعلت العقوبة هي السبب ، لا القول لدخول حرف الامتناع عليه دونه ؟ قلت : القول هو المقصود بأن يكون سبباً للإرسال ، ولكن العقوبة لما كانت هي السبب للقول وكان وجوده بوجودها جعلت العقوبة كأنها سبب للإرسال بواسطة القول ، فأدخلت عليها ( لولا ) ، وجيء بالقول معطوفاً عليها بالفاء المعطية معنى السبب ، ويؤول معناه إلى قولك : ولولا قولهم هذا إذا أصابتهم مصيبة لما أرسلنا ، ولكن اختيرت هذه الطريقة لنكتة وهي أنهم لو لم يعاقبوا مثلاً على كفرهم عاينوا ما الجئوا به إلى العلم اليقيني ببطلان دينهم لما يقولوا : لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إلَيْنَا رَسُولاً . بل إنما يقولون إذا نالهم العقاب ، وإنما السبب في قولهم هذا هو العقاب لا غير التأسف على ما فاتهم من الإيمان بخالقهم ، وهو كقوله : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ الأنعام : 28 ] .