Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 48-55)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : " فَلَمَّا جَاءَهُمْ " يعني محمداً الحق من عندنا قالوا يعني كفار مكة ( لَوْلاَ ) هلاَّ " أُوتِيَ مُحَمَّدٌ " مثل ما أُوتِيَ موسى من الآيات كاليد البيضاء ، والعصا ، وفلق البحر ، وتظليل الغمام ، وانفجار الحجر بالماء والمنِّ والسَّلْوَى وكلام الله وغيرها . وقيل : مثل ما أُوتي موسى كتاباً جملةً واحدةً . قال الله عزّ وجلّ : { أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } ، واختلفوا في الضمير في قوله : أَوَ لَمْ يَكْفُرَوا ، فقيل : إن اليهود أمروا قريشاً أن يسألوا محمداً أن يؤتى مثل ما أُوتِيَ مُوسَى - عليه السلام - فقال تعالى : " أَوَ لَمْ يَكْفُرُوا " هؤلاء اليهود { بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ } بجميع تلك الآيات الباهرة ؟ وقيل : إنّ الذين اقترحوا هذا هم كفار مكة ، والذين كفروا بموسى هم الذين كانوا في زمن موسى إلاَّ أنه تعالى جعله كالشيء الواحد ، لأنهم في الكفر والتعنت كالشيء الواحد . وقال الكلبي : إنَّ مشركي مكة بعثوا رهطاً إلى يهود المدينة يسألونهم عن محمد وشأنه ، فقالوا : إنا نجده في التوراة بنعته وصفته ، فلما رجع الرَّهط وأخبروهم بقول اليهود ، وقالوا : إنَّه كان ساحراً كما أن محمداً ساحر ، فقال تعالى في حقهم : { أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } . وقال الحسن : كان للعرب أصل في أيام موسى - عليه السلام - فمعناه على هذا : أو لم يكفر آباؤهم ، وقالوا : موسى وهارون ساحران ، وقال قتادة : أو لم يكفر اليهود في عصر محمد بما أوتي موسى من قبل من البشارة بعيسى ومحمد فقالوا ساحران ، وقيل : إن كفار قريش كانوا منكرين لجميع النبوات ثم إنهم لما طلبوا من الرسول معجزات موسى - عليه السلام - قال تعالى : { أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } ، بل بما أوتي جميع الأنبياء من قبل ، أي : لا غرض لهم من هذا الاقتراح إلا التعنت ، ثم حكى كيفية كفرهم بما أوتي موسى ، وهو قولهم " سَاحِرَانِ تَظَاهَرا " . قوله : " مِن قَبْلُ " إمَّا أن يتعلق بـ " يَكْفُرُوا " ، أو بـ " أُوتِيَ " أي من قبل ظهورك . قوله : " سَاحِرَانِ " قرأ الكوفيون " سِحْرَان " أي هما ، أي : القرآن والتوراة ، أو موسى وهارون ، وذلك على المبالغة ، جعلوهما نفس السحر ، أو على حذف مضاف ، أي : ذوا سِحْرَين ، ولو صحَّ هذا لكان ينبغي أن يفرد سحر ، ولكنَّه ثني تنبيهاً على التنويع ، وقيل المراد : موسى ومحمد - عليهما السلام - أو التوراة والإنجيل ، والباقون : " سَاحِرانِ " أي : موسى وهارون أو موسى ومحمد كما تقدم . قوله : " تَظَاهَرَا " العامة على تخفيف الظاء فعلاً ماضياً صفة لـ " سِحْرَان " أو " سَاحِرَانِ " أي : تعاوَنَا . وقرأ الحسن ويحيى بن الحارث الذَّمَّاري وأبو حيوة واليزيدي بتشديدها ، وقد لحنهم الناس ، قال ابن خالويه تشديده لحن ، لأنه فعل ماض ، وإنَّما يُشَدَّد في المضارع ، وقال الهذلي : لا معنى له ، وقال أبو الفضل : لا أعرف وجهه . وهذا عجيب من هؤلاء ، وقد حذفت نون الرفع في مواضع حتى في الفصيح كقوله عليه السلام : " لاَ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتى تُؤْمِنُوا ، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابّوا " ولا فرق بين كونها بعد واو ، أو ألف ، أو ياء ، فهذا أصله تتظاهر أن فأدغم وحذفت نونه تخفيفاً ، وقرأ الأعمش وطلحة وكذا في مصحف عبد الله " اظَّاهَرا " بهمزة وصل وشد الظاء وأصلها تظاهرا كقراءة العامة ، فلما أريد الإدغام سُكِّن الأول فاجتلبت همزة الوصل ، واختار أبو عبيدة القراءة بالألف ، لأن المظاهر بالناس وأفعالهم أشبه منها بأن المراد الكتابين ، لكن لما كان كل واحد من الكتابين يقوي الآخر لم يبعد أن يقال على سبيل المجاز تعاونا ، كما يقال : تظاهرت الأخبار . قوله : { وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ } أي بما أنزل على محمد وموسى وسائر الأنبياء ، وهذا الكلام لا يليق إلا بالمشركين إلا باليهود ، ثم قال : قل لهم يا محمد : { فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَآ } يعني من التوراة والقرآن ، وهو مؤيد لقراءة " سِحْرَانِ " أو من كتابيهما على حذف مضاف ، وهو مؤيد لقراءة " سَاحِرَان " ، " أتَّبِعْهُ " ، وهذا تنبيه على عجزهم عن الإتيان بمثله . قوله : " أتَّبِعْهُ " جواب للأمر وهو : " فَأْتُوا " ، وقرأ زيد بن علي أَتَّبِعُهُ بالرفع استئنافاً ، أي : فأنا أتبعه . قوله : { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ } استجاب بمعنى أجاب ، قال ابن عباس : يريد فإن لم يؤمنوا بما جئت به من الحجج ، وقال مقاتل : فإن لم يمكنهم أن يأتوا بكتاب أفضل منهما ، وهذا أشبه بالآية ، قال الزمخشري : فإن قلت ما الفرق بين فعل الاستجابة في الآية وبينه في قوله : @ 4010 - فَلَـمْ يَسْتَجِبْـهُ عِنْـدَ ذَاكَ مُجِيـبُ @@ حيث عدِّي بغير لام ؟ قلت : هذا الفعل يتعدى إلى الدعاء بنفسه وإلى الداعي باللام ، ويحذف الدعاء إذا عُدِّي إلى الداعي في الغالب ، فيقال : استجاب الله دعاءه أو : استجاب به ، ولا يكاد يقال : استجاب له دعاءه ، وأما البيت فمعناه : فلم يستجب دعاءه على حذف المضاف . وقد تقدم تقرير هذا في البقرة ، وأنَّ استجاب بمعنى أجاب ، والبيت الذي أشار إليه هو : @ 4011 - وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يجِيبُ إلى النِّدَا فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ @@ والناس ينشدونه على تعدِّيه بنفسه ، فإن قيل : الاستجابة تقتضي دعاء ، فأين الدعاء هنا ؟ قيل : " فَأتُوا بِكِتَابٍ " أمر ، والأمر دعاء إلى الفعل ، وقال : { فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ } أي صاروا ملتزمين طريقه ، ولم يبق شيء إلا اتباع الهوى ، ثم زيّف طريقهم بقوله : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى } وهذا من أعظم الدلائل على فساد التقليد ، وأنه لا بد من الحجة والاستدلال { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } . قوله : { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ } العامة على تشديد " وَصّلْنَا " إما من الوصل ضد القطع أي : تابعنا بعضه ببعض . قال الفراء : أنزلنا آيات القرآن يتبع بعضها بعضاً ، وأصله من وصل الحبل ، قال : @ 4012 - فَقُلْ لِبَنِي مَرْوَانَ ما بَالُ ذِمَّتِي بِحَبْلٍ ضَعيفٍ لاَ يَزَالُ يُوصَّلُ @@ وإمّا : جعلناه أوصالاً أي : أنواعاً من المعاني - قاله مجاهد - وقرأ الحسن بتخفيف الصاد وهو قريب مما تقدم ، قال ابن عباس ومقاتل : وَصَّلْنَا : بيَّنا لكفار مكة - بما في القرآن من أخبار الأمم الخالية - كيف عذبوا بتكذيبهم ، وقال ابن زيد : وصلنا لهم القول : خبر الدنيا بخبر الآخرة ، حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا " لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " ، ثم لما أقام الدلالة على النبوة أكد ذلك بقوله : { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ } . قوله : " الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ " مبتدأ و " هُمْ " مبتدأ ثان و " يُؤْمِنُونَ " خبره ، والجملة خبر الأول ، و " بِهِ " متعلق بـ " يُؤْمِنُونَ " ، وقد يُعَكِّرُ على الزمخشري وغيره من أهل البيان ، حيث قالوا : التقديم يفيد الاختصاص وهنا لا يتأتى ذلك ، لأنهم لم خصُّوا إيمانهم بهذا الكتاب فقط لزم كفرهم بما عداه وهو عكس المراد وقد أبدى أهل البيان هذا في قوله : { آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا } [ الملك : 29 ] فقالوا : لو قدِّم " به " لأوهم الاختصاص بالإيمان بالله وحده دون ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وهذا بعينه جارٍ هنا ، والجواب : أن الإيمان بغيره معلوم فانصبَّ الغرض إلى الإيمان بهذا . فصل قوله : { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ } أي من قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - وقيل : من قبل القرآن { هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } ، قال قتادة : نزلت في ( أناسٍ من ) أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه . وقال مقاتل : هم أصحاب السفينة الذين قدموا من الحبشة أربعين رجلاً من أهل الإنجيل وآمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - . قال سعيد بن جبير : قدموا مع جعفر من الحبشة على النبي صلى الله الله عليه وسلم لما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة قالوا : يا نبيَّ الله إن لنا أموالاً فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها ، فأذن لهم فانصرفوا فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين فنزل فيهم { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ } إلى قوله : { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } ، وعن ابن عباس قال : نزلت في ثمانين من أهل الكتاب أربعون من نجران واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من الشام ، وقال رفاعه : نزلت في عشرة أنا أحدهم : وصفهم الله فقال : { وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } يعني : القرآن ، قالوا : { قَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ } ، وذلك أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ، أي كنا من قبل القرآن مسلمين مخلصين لله التوحيد مؤمنين بمحمد - صلى الله عليه وسلم - أنه نبي حق . قوله : { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ } منصوب على المصدر ، و " بِمَا صَبَرُوا " ما مصدرية والباء متعلق بـ " يؤتون ( أَوْ بنفس الأجر . ومعنى " مَرَّتَيْنِ " أي : بإيمانهم بمحمد قيل بعثته ، وقيل : يُؤْتَوْن أَجْرَهُمْ ) مرتين لإيمانهم بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر ، وقيل : لإيمانهم بالأنبياء الذين كانوا قبل محمد - عليه السلام - ومرَّة بإيمانهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وقال مقاتل : لما آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - شتمهم المشركون ، فصفحوا عنهم فلهم أجران ، أجر على الصفح وأجر على الإيمان ، وقوله " بِمَا صبَرُوا " أي على دينهم ، قال مجاهد : نزلت في قوم من أهل الكتاب أسْلَمُوا فأوذُوا . قوله : { وَيَدْرَؤُنَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ } أي بالطاعة المعصية المتقدمة ، قال ابن عباس : يدفعون بشهادة أن لا إله إلا الله الشرك ، وقال مقاتل : يدفعون ما سمعوا من الأذى والشتم من المشركين بالصفح والعفو ، وَممّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون ، في الطاعة . قوله : وإذا سمعوا اللَّغو وهو القبيح من القول أعرضوا عنه ، وذلك أن المشركين كانوا يسبُّون مؤمني أهل الكتاب ، ويقولون تبّاً لكم تركتم دينكم فيعرضون عنهم ولا يردّون عليهم ، { وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } ، لنا ديننا ولكم دينكم ، { سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ } ، ليس المراد سلام التحية ولكنه سلام المتارك ، ومعناه : سَلِمْتُمْ مِنَّا لا نعارِضُكُمْ بالشتم والقبح ، ونظيره { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } [ الفرقان : 63 ] . ثم أكد ذلك تعالى بقوله حاكياً عنهم { لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ } ، أي : دين الجاهلين ، أي : لا نحب دينكم الذي أنتم عليه ، وقيل : لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه ، قيل : نسخ ذلك بالأمر بالقتال ، وهو بعيد ، لأن ترك المسافهة مندوب ، وإن كان القتال ( واجباً ) . والله أعلم .