Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 56-59)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } أي : أحببت هدايته ، وقيل : أحببته لقرابته ، قال المفسرون : نزلت في أبي طالب قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - " قل : لا إلَه إلاَّ الله أشهد لك بها يوم القيامة ، قال : لولا أن تعيِّرني قريش ، تقول : إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينيك " فأنزل الله هذه الآية . فصل قال في هذه الآية : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } ، وقال في آية أخرى { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ الشورى : 52 ] ، ولا تنافي فإن الذي أثبته وأضافه إليه الدعوة ، والذي نفاه عنه هداية التوفيق وشرح الصدور ، وهو نور يقذف في القلب فيجيء به القلب كما قال سبحانه { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ } [ الأنعام : 122 ] . فصل احتج أهل السنة بهذه الآية في مسألة الهدى والضلال ، فقالوا : قوله : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } يقتضي أن تكون الهداية في الموضعين بمعنى واحد لأنه لو كان المراد من الهداية في قوله { إنَّكَ لاَ تَهْدِي } شيئاً ، وفي قوله : { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } شيئاً آخر لاختلّ النظم ، ثم إما أن يكون المراد من الهداية بيان الأدلة والدعوة إلى الجنة ، أو تعريف طريق الجنة أو خلق المعرفة على سبيل الإلجاء ، ( أو خلق المعرفة في القلوب لا على سبيل الإلجاء ) لا جائز أن يكون المراد ( بيان الأدلة ، لأنه عليه السلام هدى الكل بهذا المعنى فهي غير ) الهداية التي نفى الله عمومها وكذا القول في الهداية بمعنى الدعوة إلى الجنة ، وأما الهداية بمعنى تعريف الجنة فهي أيضاً غير مرادة ، لأنه تعالى علَّق هذه الهداية على المشيئة . فمن وجب عليه أداء عشرة دنانير لا يقول أعطي عشرة دنانير إن شئت ، وأما الهداية بمعنى الإلجاء والقسر فغير جائز . لأن ذلك عندهم قبيح من الله تعالى في حق المكلف ، وفعل القبيح مستلزم للجهل أو الحاجة وهما محالان ، ومستلزم المحال محال ، فذلك محال من الله والمحال لا يجوز تعليقه على المشيئة ، ولما بطلت الأقسام لم يبق إلاَّ أن المراد أنه تعالى يخصُّ البعض بخلق الهداية والمعرفة ويمنع البعض منها { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ } [ الانبياء : 3 ] وإذا أورد الكلام على هذا الوجه سقط ما أورد القاضي عذرا عن ذلك . قوله : { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } أي أنه المختص بعلم الغيب فيعلم من يهتدي ومن لا يهتدي ، ثم إنه تعالى حكى عنهم شبهة أخرى متعلقة بأحوال الدنيا وهي قولهم : إن نَتَّبع الهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ من أرْضِنَا ، قال المبرد : الخطف الانتزاع بسرعة نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد مناف قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - إنَّا لنعلم أنَّ الذي تقوله حقٌّ ولكنا إن اتَّبعناك على دينك خفنا أن تخرجنا العرب من أرضنا مكة ، فأجاب الله عنه من وجوه الأول : قوله : { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً } ، أي أعطاكم مسكناً لا خوف لكم فيه ، إما لأن العرب يحترمون الحرم ولم يتعرضوا لسكانه ، فإنه يروى أن العرب خارجة الحرم كانوا لا يتعرَّضون لسكان الحرم . قوله : " نُتَخَطَّفُ " العامة على الجزم جواباً للشرط ، والمنقريّ بالرفع ، على حذف الفاء ، كقوله : @ 4013 - مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَـاتِ اللَّـهُ يَشْكُـرُهَا @@ وكقراءة " يُدْرِكُكُمْ " بالرفع ، أو على التقديم وهو مذهب سيبويه . قوله : { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً } قال أبو البقاء عدَّاه بنفسه لأنه بمعنى " جَعَل " وقد صرحَّ به في قوله { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً } [ العنكبوت : 67 ] و " مَكَّنَ " متعد بنفسه من غير أن يضمَّن معنى " جَعَلَ " كقوله " مَكَّنَّاهُمْ " ، وتقدم تحقيقه في الأنعام وآمناً قيل بمعنى مؤمن أي : يؤمن من دخله ، وقيل : هو على حذف مضاف ، أي : آمناً أهله ، وقيل فاعل بمعنى النسب أي ، ذا أمن . قوله : " يُجْبَى " قرأ نافع بتاء التأنيث مراعاة للفظ ثمرات ، والباقون بالياء للفصل ولأن تأنيثه مجازي والجملة صفة لـ " حَرَماً " أيضاً ، وقرأ العامة " ثَمَرَاتُ " بفتحتين وأبان بضمتين جمع ثُمُر بضمتين ، وبعضهم بفتح وسكون . قوله : " رِزقاً " إن جعلته مصدراً جاز انتصابه على المصدر المؤكِّد ، لأن معنى " يُجبَى إليه " يرزقهم وأن ينتصب على المفعول له ، والعامل محذوف ، أي يسوقه إليه رزقاً ، وأن يكون في موضع الحال من " ثَمَراتٍ " لتخصصها بالإضافة ، ( كما ينتصب عن النكرة المخصصة ) ، وإن جعلته اسماً للمرزوق انتصب على الحال من " ثَمَرات " ومعنى " يُجْبَى " ، أي يجلب ويجمع ، يقال : جبيت الماء في الحوض أي : جمعته قال مقاتل : يحمل إلى الحرم { ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أن ما نقوله حق . قوله : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ } أي : من أهل قرية " بَطِرَتْ معيشتها " ، قال الزمخشري : البطر سوء احتمال الغنى ، وهو أن لا يحفظ حق الله تعالى ، وانتصب " مَعِيشَتهَا " إما بحذف الجار واتصال الفعل كقوله : { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ } [ الأعراف : 155 ] ، أو بتقدير حذف ظرف الزمان ، أصله : بطرت أيَّام معيشتها ، وإما بتضمين " بَطِرَتْ " معنى كفرت أو خسرت أو على التمييز أو على التشبيه بالمفعول به ، وهو قريب من " سَفِهَ نَفْسَه " . قال عطاء : عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله ، وعبدوا غيره . قوله : { فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً } قال ابن عباس لم يسكنها إلا المسافرون ، ومارُّ الطريق يوماً أو ساعة . معناه : لم تسكن من بعدهم إلا سكوناً يسيراً قليلاً ، وقيل : لم يعمَّر منها إلا أقلها وأكثرها خراب ، فقوله : " لَمْ تُسْكَنْ " جملة حالية ، والعامل فيها معنى تلك ، ويجوز أن يكون خبراً ثانياً ، و " إلا قليلاً " أي : إلا سكنى قليلاً ، أو إلا زماناً قليلاً ، أو إلا مكاناً قليلاً . { وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ } . كقوله : { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا } [ مريم : 40 ] . قوله : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ } يعني القرى الكافرة أهلها حتى نبعث في أمِّها رسولاً ، أي في أكثرها وأعظمها رسولاً ينذرهم وخصّ الأعظم ببعثة الرسول فيها لأن الرسول يبعث إلى الأشراف ، والأشراف يسكنون المدائن والمواضع التي هي أم ما حولها ، وهذا بيان لقطع عذرهم ، لأن عدم البعثة يجري مجرى العذر للقوم ، فوجب ألا يجوز إهلاكهم إلا بعد البعثة . وقوله : { يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا } أي : يؤدّي ويبلِّغ ، قال مقاتل : يخبرهم الرسول أنَّ العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا ، { وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } : مشركون أي : أهلكهم بظلمهم ، وأهل مكة ليسوا كذلك ، فإن بعضهم قد آمن وبعضهم قد علم الله منهم أنَّهم وإن لم يؤمنوا لكنه يخرج من نسلهم من يؤمن .