Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 82-83)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِالأَمْسِ } أي : صار أولئك الذين تمنوا ما رُزق من المال والزينة يتندمون على ذلك التمني ، والعرب تعبِّر عن الصيرورة بأصبح وأمسى وأضحى ، تقول : أصبح فلانٌ عالماً ، وأضحى معدماً ، وأمسى حزيناً ، والمعنى صار ذلك زاجراً لهم عن حب الدنيا ومخالفة موسى وداعياً إلى الرضا بقضاء الله وقسمته . قوله : { وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ … وَيْكَأَنَّهُ } فيه مذاهب منها : أن وَيْ كلمة برأسها وهي اسم فعلٍ معناها أعجب أي أنا والكاف للتعليل ، و " أنْ " وما في حيّزها مجرورة بها ، أي : أعجب لأنَّه لا يفلح الكافرون ، وسمع كما أنَّه لا يعلم غفر الله له ، وقياس هذا القول أن يوقف على " وَيْ " وحدها ، وقد فعل ذلك الكسائي ، إلا أنه ينقل عنه أنه يعتقد في الكلمة أن أصلها " وَيْلَكَ " كما سيأتي ، وهذا ينافي وقفه ، وأنشد سيبويه : @ 4020 - وَيْ كَأَنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَبٌ يُحْـ ـبَبْ وَمَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرٍّ @@ الثاني : قال بعضهم " كَأَنَّ " هنا للتشبيه إلا أنه ذهب منها معناه ، وصارت للخبر والتقين ، وأنشد : @ 4021 - كَأَنَّنِي حِينَ أُمْسِي لاَ يُكَلِّمُنِي مُتَيَّمٌ يَشْتَهِي مَا لَيْسَ مَوْجُودا @@ وهذا أيضاً يناسبه الوقف على " وَيْ " . الثالث : أن " وَيْكَ " كلمة برأسها والكاف حرف خطاب ، وأنَّ معمولة لمحذوف ، أي : اعلم أنَّه لا يفلح ، قال الأخفش ، وعليه قوله : @ 4022 - أَلاَ وَيْـكَ المَسَـرَّةُ لاَ تَـدُومُ وَلاَ يَبْقَى عَلَـى البُـؤْس النَّعِيـمُ @@ وقول عنترة : @ 4023 - وَلَقَدْ شَفَى نَفْسِيَ وَأَبْرَأَ سُقْمَهَا قِيلُ الفَوَارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْـدِمِ @@ وحقه أن تقف على " وَيْكَ " وقد فعله أبو عمرو بن العلاء . الرابع : أن أصلها " وَيْلَكَ " فَحُذِفَ ، وإليه ذهب الكسائي ويونس وأبو حاتم ، وحقهم أن يقفوا على الكاف كما فعل أبو عمرو ، ومن قال بهذا استشهد بالبيتين المتقدمين ، فإنه يحتمل أن يكون الأصل فيهما " وَيْلَكَ " فحذف ولم يرسم في القرآن إلا " وَيْكَأَنَّ " " وَيْكَأَنَّهُ " متصلة في الموضعين . فعامَّة القرَّاء اتبعوا الرسم ، والكسائي وقف على " وَيْ " وأبو عمرو على " وَيْكَ " وهذا كله في وقف الاختيار دون الاختبار كنظائر تقدمت . الخامس : أنَّ وَيْكَأَنَّ كلها كلمة مستقلة بسيطة ومعناها " أَلَمْ تَرَ " . وربَّما نقل ذلك عن ابن عباس ، ونقل الكسائي والفراء أنها بمعنى : أما ترى إلى صنع الله ، قال الفراء : هي كلمة تقرير ، وذكر أنه أخبره من سمع أعرابية تقول لزوجها : أين ابنك ؟ قال : وَيْ كأنَّه وراء البيت ، يعني : أما ترينه وراء البيت ، وحكى ابن قتيبة أنها بمعنى : رحمة لك في لغة حمير . قوله : { لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ } قرأ الأعمش " لَوْلاَ مَنَّ " بحذف " أنْ " وهي مرادة ، لأن لولا هذه لا يليها إلا المبتدأ ، وعنه " مَنُّ " برفع النون وجر الجلالة ، وهي واضحة . قوله : لَخِسَفَ " قرأ حفص : " لَخَسَفَ " مبنياً للفاعل أي الله تعالى ، والباقون ببنائه للمفعول ، و " بِنَا " هو القائم مقام الفاعل ، وعبد الله وطلحة لا نْخُسِفَ بِنَا أي : المكان ، وقيل : " بِنَا " هو القائم مقام الفاعل كقولك : انقطع بنا ، وهي عبارة رديئة وقيل : الفاعل : ضمير المصدر أي : لا نخسف الانخساف وهي عنه أيضاً ، وعن عبد الله " لَتُخُسِّفَ " بتاء من فوق وتشديد السين مبنياً للمفعول ، وبنا قائم مقامه . قوله : " وَيْكَأَنَّ " كلمة مستعملة عند التنبيه للخطاب وإظهار التندم ، فلما قالوا : { يَٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ } [ القصص : 79 ] ثم شاهدوا الخسف تنبهوا لخطئهم ، ثم قالوا : كأنه { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } بحسب مشيئته وحكمته لا لكرامته عليه ، ويضيق على من يشاء لا لهوان من يضيِّق عليه ، بل لحكمته وقضائه ابتلاء وفتنة ، قال سيبويه : سألت الخليل عن هذا الحرف ، فقال : " وَيْ " مفصولة من " كَأَنَّ " وأن القوم تنبهوا وقالوا متندمين على ما سلف منهم . قوله تعالى : " تِلْكَ الدَّارُ " مبتدأ وصفته ، و " نَجْعَلُهَا " هو الخبر ، ويجوز أن يكون " الدَّارُ " هو الخبر " ونجعَلُهَا " خبراً آخر ، وحال والأولى أحسن ، وهذا تعظيم لها وتفخيم لشأنها ، يعني : تلك التي سمعت بذكرها وبلغك وصفها { لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً } ليفيد أن كلاً منهما مستقل في بابه لا مجموعهما ، { وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } .