Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 84-88)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَاَ } ، لمَّا بيَّن أن الدار الآخرة ليست إلا للمتقين بيَّن بعد ذلك ما يحصل لهم فقال : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } ، والمعنى : أنهم يزادون على ثوابهم ، وقوله : { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وظاهره أنهم لا يزادون على ما يستحقون . فقوله : { فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ } من إقامة الظاهر مقام المضمر تشنيعاً عليهم ، وقوله : { إِلاَّ مَا كَانُواْ } أي : إلاَّ مثل ما كانوا ، قال الزمخشري : إنما كرر ذكر السيئات ، لأن في إسناد عمل السيئة إليهم مكرراً فضل تهجين لحالهم ، وزيادة تبغيض للسيئة إلى السامعين ، وهذا من فضله العظيم أنه لا يجزي بالسيئة إلا مثلها ، ويجزي بالحسنة بعشر أمثالها . فإن قيل : قال تعالى : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } [ الإسراء : 7 ] كرر ذكر الإحسان واكتفى في ذكر الإساءة بمرة واحدة ، ( وفي هذه الآية كرر الإساءة واكتفى في ذكر الإحسان بمرة واحدة ) فما السبب ؟ والجواب : أن هذا المقام مقام الترغيب في الدار الآخرة فكانت المبالغة في النهي عن المعصية مبالغة في الدعوة إلى الآخرة ، وأما الآية الأخرى فهي في شرح حالهم فكانت المبالغة في ذكر محاسنهم أولى . فإن قيل : كيف لا تجزى السيئة إلا بمثلها مع أن المتكلم بكلمة الكفر إذا مات في الحال عذب أبد الآباد ؟ فالجواب : لأنه كان على عزم أنه لو عاش أبداً لقال ذلك فعومل بمقتضى عزمه . قوله : { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ } قال أبو علي : فرض عليك أحكامه وفرائضه " لَرَادُّكَ " بعد الموت " إلَى مَعَادٍ " وتنكير المعاد لتعظيمه ، كأنه قال : مَعَادٍ وأي معاد ، أي ليس لغيرك من البشر مثله ، وقيل : المراد به مكة وترداده إليها يوم الفتح ، ووجه تنكيره إياها كانت في ذلك اليوم معاداً لها شأن عظيم لاستيلاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها ، وقهره لأهلها وإظهار عز الإسلام وإذلال حزب الكفرة ، والسورة مكية ، فكأن الله تعالى وعده وهو بمكة حين أوذي وهو في غلبة من أهلها أنه يهاجر منها ، ويعيده إليها ظاهراً ظافراً ، وقال مقاتل : " إنَّه صلى الله عليه وسلم خرج من الغار وسار في غير الطريق مخافة الطلب فلما رجع إلى الطريق نزل بالجحفة بين مكة والمدينة ، وعرف الطريق إلى مكة واشتاق إليها وذكر مولده ومولد أبيه ، فنزل جبريل فقال : أتشتاق إلى بلدك ومولدك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نَعَمْ " فقال جبريل إنَّ الله يقول : { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } " يعني مكة ظاهراً عليهم قال المحققون : وهذا حد ما يدل على نبوته ، لأنه أخبر عن الغيب ووقع ما أخبر به فيكون معجزاً . قوله : { مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ } منصوب بمضمر ، أي : يَعْلَمْ أو " أَعْلَم " إن جعلناها بمعنى عالم وأعملناها إعماله ، ووجه تعلقه بما قبله أنَّ الله تعالى لما وعد رسوله - صلى الله عليه وسلم - الرد إلى معاد قال : قل للمشركين { رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ } يعني نفسه وما يستحقه من الثواب في المعاد والإعزاز بالإعادة إلى مكة { وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } يعنيهم وما يستحقونه من العذاب في معادهم . قوله : { وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ } أي : يوحى إليك القرآن { إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } قال الفراء هذا استثناء منقطع ، أي : لكن رحمة من ربك فأعطاك القرآن وقيل : متصل . قال الزمخشري : هذا كلام محمول على المعنى ، كأنه قيل : وما ألقي إليك الكتاب إلا رحمة . فيكون استثناء من الأحوال ومن المفعول له ، { فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لِّلْكَافِرِينَ } أي : معيناً لهم على دينهم ، قال مقاتل : وذلك حين دعي إلى دين آبائه فذكره الله نعمه ونهاه عن مظاهرتهم على ما هم عليه . قوله : { وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } قرأ العامة بفتح الياء وضم الصاد ، من : صدَّه يصُدُّه ، وقرىء بضم الياء وكسر الصاد ، من : أصده بمعنى صَدَّه ، حكاها أبو زيد عن كلب . قال الشاعر : @ 4023 - أُنَاسٌ أَصَدُّوا النَّاسَ بِالسَّيْفِ عَنْهُم صُدُودَ السَّوَاقِي عَنْ أُنُوف الحَوَائِمِ @@ وأصل " يَصُدُّنكَ " " يَصُدُّونَنَّكَ " ، ففعل فيه ما فعل في { لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ } [ هود : 8 ] ، والمعنى لا تلتفت إلى هؤلاء ولا تركن إلى قولهم فيصدوك عن اتباع آيات الله يعني القرآن . { بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ } أي : إلى دين ربك وإلى معرفته وتوحيده { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } قال ابن عباس : الخطاب في الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به : أهل دينه ، أي : لا تظاهروا الكفار ولا توافقوهم ومثله : { وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } وهذا وإن كان واجباً على الكلِّ إلا أنه تعالى خاطبه به خصوصاً لأجل ( التعليم ) ، فإن قيل : الرسول كان معلوماً منه أنه لا يفعل شيئاً من ذلك ألبتة ، فما فائدة ذلك النهي ؟ فالجواب : أنَّ الخطاب وإن كان معه لكن المراد غيره ، ويجوز أن يكون المعنى : لا تعتمد على غير الله ولا تتخذ غيره وكيلاً في أمورك ، فإن وثق بغير الله فكأنَّه لم يكمل طريقه في التوحيد ، ثم بيَّن أنه لا إله إلاَّ هو أي : لا نافع ولا ضار ولا معطي ولا مانع إلاَّ هو كقوله : { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } [ المزمل : 9 ] فلا يجوز اتخاذ إلهٍ سواه . قوله : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } من جعل شيئاً يطلق على الباري تعالى - وهو الصحيح - قال : هذا استثناء متصل ، والمراد بالوجه الذات ، وإنَّما جرى على عادة العرب في التعبير بالأشرف عن الجملة ، ومن لم يطلق عليه جعله متصلاً أيضاً ، وجعل الوجه ما عمل لأجله أو الجاه الذي بين الناس ، أو يجعله منقطعاً أي : لكن هو تعالى لم يهلك . فصل استدلت المعتزلة على أن الجنة والنار غير مخلوقتين بأنَّ هذه الآية تقتضي فناء الكل ، فلو كانتا مخلوقتين لكان هذا يناقض قوله تعالى في صفة الجنة { أُكُلُهَا دَآئِمٌ } [ الرعد : 35 ] ، والجواب : هذا معارض بقوله تعالى ( في صفة الجنة ) { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [ آل عمران : 133 ] وفي صفة النار : { وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [ البقرة : 24 ] ثم إما أن يحمل قوله : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ } على الأكثر كقوله : { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ } [ النمل : 24 ] أو يحمل على الفناء القليل كقوله : { أُكُلُهَا دَآئِمٌ } [ الرعد : 35 ] على أن فناءها لما كان قليلاً بالنسبة إلى زمان بقائها لا جرم أطلق لفظ الدوام عليها . قوله : " وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " أي : في الآخرة ، والعامة على بنائه للمفعول ، وعيسى على بنائه للفاعل ، روى الثعالبي في تفسيره عن أُبَيِّ بن كعب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قَرَأَ طسم القصص لم يبق في السموات والأرض إلا شهد له يوم القيامة أنَّه كان مصدِّقًا أن كلَّ شيءٍ هالكٌ إلاَّ وجهه له الحكم وإليه ترجعون " .