Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 14-15)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ … } لما بين التكليف ، وذكر أقسام المكلفين ووعد المؤمن الصادق بالثواب العظيم ، وأوعد الكافر والمنافق بالعذاب الأليم فكأنه قال : هذا التكليف ليس مختصاً بالنبي وأصحابه وأمته حتى صعب عليهم بل قبله كان كذلك كما قال تعالى : { وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [ العنكبوت : 3 ] ، فذكر من الذين كلفوا قبله نوح عليه ( الصلاة و ) السلام وقومه ، وإبراهيم عليه ( الصلاة و ) السلام وغيرهما . قوله : " ألْفَ سَنَةٍ " منصوب على الظرف { إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً } منصوب على الاستثناء . وفي وقوع الاستثناء من أسماء العدد خلاف . وللمانعين عنه جواب عن هذه الآية ، وقد روعيت هنا نكتة لطيفة ، وهو أن غَايَرَ بين تَمْيِيزي العَدَد فقال في الأول " سنة " ، وفي " الثاني " عاماً ، لئلا يثقل اللفظ ، ثم إنه خص لفظ العام بالخمسين إيذاناً بأن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - لما استراح منهم بقي في زمن حسن ، فالعرب تعبر عن الخَصْب بالعام ، وعن الجَدْب بالسنة . فصل قال بعضهم : إن الاستثناء في العدد تكلم بالباقي ، فإذا قال القائل : لفلان عَلَيَّ عشرة إلا ثلاثةً فكأنه قال : عليّ سبعة ، إذا علم هذا فقوله : { أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً } كقوله : تسعمائة وخمسين سنة فما الفائدة في العدول عن هذه العبارة إلى غيرها ؟ فقال الزمخشري فيه فائدتان ، إحداهما : أنّ الاستثناء يدل على التحقيق وتركه قد يظن به التقريب ، فإن من قال : عاش فلان ألفَ سنة ( يمكن أن يتوهم أن يقول ألف سنة ) تقريباً لا تخفيفاً ، فإذا قال إلا شهراً أو إلا سنة يزول ذلك التوهم ، وقد يفهم منه التحقيق . الفائدة الثانية : هي أن ذكر لَبْثِ نوح عليه ( الصلاة و ) السلام في قومه كان لبيان أنه صبر كثيراً فالنبي عليه ( الصلاة و ) السلام أولى بالصبر مع قِصَرِ مُدَّةِ ( دُعَائِهِ ) . قوله : { فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ } فغرقوا { وَهُمْ ظَالِمُونَ } قال ابن عباس : مشركون . وفيه إشارة إلى أن الله لا يعذب على مجرد وجود الظلم ولا يعذب من ظلم وتاب بأن الظلم وجد منه وإنما يعذب على الإصرار على الظلم ، فقوله : " وَهُمْ ظَالِمُونَ " يعني أهلكهم وهم ملتبسون بالظلم . قوله : { فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ ٱلسَّفِينَةِ } يعني من الغرق ، " وجعلناها " يعني السفينة " آية للعالمين " أي عبرة ، وفي كونها آية وجوه : أحدُها : كانت باقية على الجُودِيِّ مدة مديدة . وثانيها : أن نوحاً أمر بأخذ قومه معه ، ورفع قدر من الزاد والبحر العظيم لا يتوقع أحد ( نُضُوبَه ) . ثم إن الماء غيض قبل نفاد الزاد ، ولولا ذلك لما حصل النجاة فهو بفضل الله لا بمجرد السفينة . وثالثها : أن الله سلم السفينة من الرياح المزعجة والحيوانات المؤذية ، ولولا ذلك لما حصل النجاة ، وقيل : " الهاء " في " جَعَلْنَاهَا " راجعة إلى الواقعة أو النجاة أو العقوبة بالغرق . فصل قال ابن عباس بُعِثَ نوح لأربعين سنة ، وبقي في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسينَ عاماً ، وعاش بعد الطُّوفَان ستينَ سنة حتى كثر الناس وفَشَوْا ، وكان عمره ألفاً وخَمْسِينَ سنةً ، وروي عن ابن عباس أنه بعث وهو ابن أربعمائة وثمانين سنة ، وعاش بعد الطوفان ثلثمائة وخمسين سنة ، فإذا كان هذا محفوظاً عن ابن عباس فيضاف إلى لبثه في قومه وهو تسعمائة وخمسين سنة فيكون قد عاش ألف سنة وسبعمائة وثمانين سنة ، وأما قبره عليه ( الصلاة و ) السلام فروى ابن جرير , والأزرقي حديثاً مرسلاً أن قبر نوح عليه ( الصلاة و ) السلام بالمسجد الحرام . وقيل : ببلدة بالبقاع تعرف اليوم بكرك نوح وهناك جامع قد بني بسبب ذلك ، والأول أقوى وأثبت .