Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 23-25)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِ } أي بالقرآن وبالبعث { أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي } ( جنَّتي ) { وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يوم القيامة فإن قيل : هلا اكتفي بقوله : " أَولَئكَ " مرة واحدة ؟ فالجواب : أن ذلك لِفائدة وهو أنه لو قال أولئك يئسوا وهم في عذاب أليم ذهب ( ذاهب ) إلى أن هذا المجموع منحصر فيهم ، فلا يوجد المجموع إلا فيهم . ( و ) أضاف الرحمة إلى نفسه في قوله تعالى : { يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي } وأضاف اليأس إليهم بقوله : " يَئِسُوا " إعلاماً لعباده بعُمُومِ رحمته . قوله تعالى : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } العامة على نصبه والحسن وسالم الأفْطَس برفعه وتقدم تحقيق هذا . هذه الآيات في تذكير أهل إبراهيم وتحذيرهم وهي معترضة في قصة " إبراهيم " صلوات الله عليه ، ثم عاد إلى قصة " إبراهيم " فقال تعالى : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ } . لما أقام إبراهيم صلوات الله عليه بالبرهان على الأصول الثلاثة لم يجيبوه إلا بقولهم { ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ } فإن قيل : كيف سمى قولهم : اقتلوه جواباً مع أنه ليس بجواب ؟ فالجواب عنه من وجهين : أحدهما : أنه خرج مَخْرَجَ كلام متكبر ، كما يقول المَلِكُ لرسول خَصْمِهِ : جوابكُمُ السيفُ ، مع أن السيفَ ليس بجوابِهِ وإنما معناه لا أقابل بالجواب وإنما أقابل بالسيف . وثانيهما : أن الله تعالى أراد بيان ( ضلالتهم ) وأنهم ذكروا ما ليس بجواب في معرض الجواب فبيّن أنهم لم يكن لهم جوابٌ أصلا ، وذلك أن من لا يجيبُ غيره ويسكت لا يعلم ( أنه لا يقدر أم لا ) لجواز أن يكون سكوته لعدم الالتفات ، وأما إذا أجاب بجوابٍ فاسد علم أنه قصد الجواب وما قدر عليه . فصل " أو " تذكر لأمرين الثاني منهما لا ينفك عن الأول ، كما يقال : " زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ " ، ويقال : هذا إنسان أو حيوان ، يعني إن لم يكن إنساناً فهو حيوان ، ولايصح أن يقال : " هذا حيوان أو إنسان " إذ يفهم منه أن يقول : هذا حيوان ، فإن لم يكن حيواناً فهو إنسان ، وهذا فاسد ، وإذا كان كذلك فالتحريق مشتمل على القتل ، فقوله : " اقتلوه أو حرقوه " كقولك : هذا إنسان أو حيوان . فالجواب عن هذا من وَجْهَيْنِ . أحَدهمَا : أن الاستعمال على خلاف ما ذكر شائع كقولك : أعطه ديناراً أو دينَارَيْنِ . قال تعالى : { قُمِ ٱلْلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } [ المزمل : 2 - 4 ] فكذا هاهنا قال : اقتلوه أو زيدواعلى القتل لأن التحريق قتلٌ وزيادة . الثاني : سلمنا ما ذكرتم ، والأمر هنا كذلك لأن التحريق فعل مفض إلى القتل ، وقد يتخلف عنه القتل فإن من ألقي في النار حتى احترق جلده بأسره وأخرج منها حياً يصح أن يقال : احترق فلانٌ ، وأحرق وما مات . فكذلك هاهنا قال : اقتلوه ولا تعجلوا قتله وعَذَّبُوه بالنار ، فإن ترك مقالته فخلو سبيله وإن أصرَّ فاتركوه في النار . قوله تعالى : { فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ } ، قيل : بردت النار وقيل : خلق في إبراهيم صلوات الله ( وسلامه ) عليه كيفية اسْتَبْرَدَتِ النارَ . وقيل : ترك إبراهيم ( على ) ما كان عليه ( والنار على ما كانت عليه ) وَمنع أذى النار عنه ، والْكُلّ ممكنٌ والله قادر عليه . قوله تعالى : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } فإن قيل : ما الحكمة في قوله هناك " آية للعالمين " في إنجاء نوح صلوات الله ( وسلامه ) عليه وأصحاب السفينة جعلناها آية وقال هاهنا آيات بالجمع ، فما الحكمة ؟ فالجواب : إن إنجاء السفينة شيء يتسع له العقول ، فلم يكن فيه من الآية إلا إعلام الله تعالى إياه بالإنجاء وقت الحاجة بسبب أن الله تعالى صان السفينة عن المهلكات كالرياح ، وأما الإنجاء من النار فعجيب فقال فيه لآيات فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى هناك : " آيةٌ لِلْعَالِمِينَ " وقال هنا " لقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " فخص الآيات بالمؤمنين ؟ فالجواب : أن السفينة بقيت أعواماً حتى مرّ عليها الناس ورأوها فحصل العلم بها لكل أحد ، وأما تبريد النار فلم يبق فلم يظهر ( لمن بعده ) إلا بطريق الإيمان والتصديق ، وفيه لطيفة ( وهو ) أن الله تعالى لما بَرَّد النار على إبراهيم بسبب اهتدائه في نفسه وهدايته لأبناء جنسه ، وقد قال الله تعالى للمؤمنين بأن لهم أسوة في إبراهيم ، فحصل للمؤمنين بشارة بأن الله تبارك وتعالى يبرد عنه النار يوم القيامة ، فقال : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ، فإن قيل : لم قال هناك : " جَعَلْنَاها " ، ( وقال هنا جَعَلْنَاهُ ) ؟ فالجواب : لأن السفينة ما صارت آية في نفسها ، ولولا خلق الله الطوفان لبقي فعل نوح ( سفهاً ) فالله تعالى جعل السفينة بعد وجودها آية ، وأما تبريد النار فهو في نفسه ( آية ) إذا وجدت لا تحتاج إلى شيء آخر كخلق الطوفان حتى يصير آيةً . قوله : " إنَّمَا اتَّخَذْتُمْ " في " ما " هذه ثلاثة أوجه : أحدها : أن تكون موصولة بمعنى الذي ، والعائد محذوف وهو المفعول الأول ، و " أَوْثَانًا " مفعول ثان ، والخبر " مَوَدَّةُ " في قراءة من رفع كما سيأتي ، والتقدير : إنْ الذي اتَّخَذْتُمُوهُ أوْثَاناً مودةٌ أي ذو مودة أو جعل نفس المودة محذوف على قراءة من نصب " مَوَدَّةً " أي الذي اتخذتموه أوثاناً لأجل المودة لا تنفعكم ، أو يكون " عليكم " لدلالة قوله : { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ } . والثاني : أن تجعل " ما " كافة ، و " أوثاناً " مفعول به ، والاتخاذ هنا يتعدى لواحد أو لاثنين والثاني هو { مِّن دُونِ ٱللَّهِ } فمن رفع " مودة " كانت خبر مبتدأ مضمر أي هي مودة أي ذات مودة ، أو جعلت نفس المودة مبالغة والجملة حينئذ صفة " لأوثاناً " ، أو مستأنفة ، ومن نصب كانت مفعولاً به ، أو بإضمار " أعْنِي " . الثالث : أن تجعل " ما " مصدرية ، وحينئذ يجوز أن تقدر مضافاً من الأول أي أن سبب اتخاذكم أوثاناً من دون الله ( مودة فيمن رفع مودة ، ويجوزأن لا يقدر بل يجعل نفس الاتحاد ) هو المودة مبالغة ( و ) في قراءة من نصب يكون الخبر محذوفاً على ما مَرَّ في الوجْهِ الأوّل . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي برفع " مَوَدَّةُ " غير منونة ، وجر " بَيْنِكُمْ " ، ونافع وابن عامِرٍ وأبو بكر بنصب " مَوَدَّةً " ( منونة ونصب " بَيْنَكُمْ " وحمزة وحفص بنصب " مودةً " ) غير منونة وجر بَيْنِكُمْ ، فالرفع قد تقدم ، والنصب أيضاً تقدم فيه وجهان . ويجوز وجه ثالث وهو أن يجعل مفعولاً ثانياً على المبالغة والإضافة للاتساع في الظرف كقولهم : " يا سارقَ الليلةَ أهْل الدَّارِ " من صبه فعلى أصله ، ونقل عن عاصم أنه رفع " مودة " غير منونة ، ونصب بينكم وخرجت إضافة " مودة " للظرف ، وإنما بني لإضافته إلي غير متمكن كقراءة : { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } بالفتح إذا جعلنا ( بَيْنَكُمْ ) فاعلاً ، وأما " في الحياة " ففيه أوجُهٌ : أحدها : أنه هو وبينكم متعلقان " بمودة " إذا نونت جاز تعلقها بعامل واحد لاختلافهما . الثاني : أن يتعلقا بمحذوف على أنهما صفتان لـ " المودة " . الثالث : أن يتعلق " بَيْنِكُمْ " " بِمودّة " و " في الحياة " صفة لمودة ، ولا يجوز العكس لئلا يلزم إعمال المصدر الموصوف ، والفرق بينه وبين الأول عمل فيه المصدر قبل أن يوصف ، وهذا عمل فيه بعد أن وصف ، على أن ابن عطية جوز ذلك هو وغيره ، وكأنهم اتسعوا في الظرف ، فهذا وجه رابع . الخامس : أن يتعلق " في الحياة " بنفس " بينكم " لأنه بمعنى الفعل ، ( إذ ) التقدير : اجتماعكم ووصلكم . السادس : أن يكون حالاً من نفس " دينكم " . السابع : أن يكون " بيْنكم " صفة المودة و " في الحياة " ، حال من الضمير المستكن فيه . الثامن : أن يتعلق " في الحياة " " باتخذتم " على أن يكون " ما " كافة و " مودة " منصوبة ، قال أبو البقاء : لئلا يؤدي إلى الفصل بين الموصول وما في الصلة ( بالخبر ) . قوله : " وقال " يعني إبراهيم { إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ } ، فعلى قراءة رفع " مودة " وخفض " بينكم " بالإضافة يكون المعنى : اتخذتم من دون الله أوثاناً وهي مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم تنقطع ولا تنفع في الآخرة ، ومن خفض " مودة " من غير تنوين على الإضافة لوقوع الاتخاذ عليها ، ومن نصب " مودة " ونونها ونصب " بينكم " فالمعنى : إنكم إنما اتخذتم هذه الأوثان مودة بينكم في الحياة الدنيا تتوادُّونَ على عبادتها ، وتتواصلون عليها في الدنيا { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ } تتبرأ الأوثان من عبادة عابديها وتتبرأ السادة من الأتباع ، ويلعن الأتباع القادة . ومأواكم النار جميعاً ، العابدون والمعبودون { وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } . فإن قيل : ( قال قبل هذا ) ومأواكم النار ، وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير على لفظ الواحد . وقال هنا : { وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } على لفظ الجمع فما الحكمة فيه ؟ فالجواب : أنهم لما أرادوا إحراق إبراهِيمَ عليه ( الصلاة و ) السلام ، قالوا : نحن ننصر آلهتنا ، كما قال تعالى ( عنهم ) : حَرِّقُوه وانصروا آلهتكم ، فقال : أنتم ادَّعَيْتُم أن لهؤلاء ناصرينَ فما لكم كلكم أي الأوثان وعبدتهما من ناصرين ، وأما هناك فلم يسبق منهم دعوى النصر فنفى الجنس بقوله : " ولا نصير " .