Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 26-27)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ } أي صدقه ، وهو أول من صدق إبراهيم ، وكان ابن أخيه وقال إبراهيم : { إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ } إلى حيث أمرني ربي بالتوجه إليه من " كوثا " وهو من سواد الكوفة إلى " حران ثم إلى الشام ومعه " لوط " وامرأته " سارة " وهو أول من هاجر " . وقال مقاتل : هاجر إبراهيم ( عليه الصلاة والسلام ) وهو ابن خَمْسٍ وسبعينَ سنةً . ثم قال : " إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " ، عزيز يمنع أعدائي عن إيذائي بعونه ، و " حكيم " لا يأمرني إلا بما يوافق الحكمة . ( فإن قيل ) : قوله { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ } أي بعد ما رأى منه العجز القاهر ، ودرجة لوط كانت عالية فبقاؤه إلى هذه الوقت مما ينقص من الدرجة ، ألا ترى إلى أبي بكر - رضي الله عنه - لما قبل دين محمد - صلى الله عليه وسلم - كان قبوله قبل الكل من غير سماع تكلم الحَصَى ، ولا رُؤية انْشِقَاق القَمَر . فالجواب : أن لوطاً لما رأى معجزته آمن برسالته ، وأما بالوحدانية فآمن مِن حيث سمع مقالته ، ولهذا قال : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ } ، ولم يقل : " فآمن لوط " . فإن قيل : ما وجه تعلق قوله : { وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ } بما تقدم ؟ فنقول : لما بالغ إبراهيم في الإرشاد ، ولم يهتدِ قومه وحصل اليأس الكلي ، ورأى القوم الآية الكبرى ولم يؤمنوا وجبت المهاجرة ، لأن الهادي إذا هدى قومه ولم ينتفعوا فبقاؤه فيهم مفسد ، لأنه إذا دام على الإرشاد كان اشتغالاً بما لا ينتفع في علمه ، فيصير كمن يقول للحجر صدق ، وهو عبث والسكوت دليل الرضا فيقال : إنه صار منا ، ورضي بأفعالنا ، وإذا لم يبق للإقامة وجه وجبت المهاجرة . فإن قيل : ما الحكمة في قوله : { إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ } ولم يقل : " مهاجر إلى حيثُ أمرني ربي " مع أن المهاجرة إلى الرب توهم الجهة . فالجواب : أن قوله " إِلَى حيث أمَرَنِي رَبِّي " ليس في الإخلاص ، كقوله : " إلَى رَبِّي " لأن الملك إذا صدر منه أمر برواح الأجناد إلى موضع ثم إن واحداً منهم عاد إلى ذلك الموضع لغرض ( في ) نفسه يصيبه ، فقد هاجر إلى حيث أمره الملك ولكن لا مخلصاً لوجهه ، وقال : { مهاجر إلى ربي } يعني : توجهي إلى الجهة المأمور بالهجرة إليها ليس طلباً للجهة ، إنما طلب لله . قوله : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ } ، قِيلَ : إن الله لم يبعث نبياً بعد " إبراهيم " إلا من نَسْلِهِ ، { وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا } وهو الثناء الحسن ، وكل الأديان يقولون به ، وقال السدي : هو الولد الصالح ، وقيل : إنه رأى مكانه في الجنة { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } أي في زمرة الصالحين قال ابن عباس : " مثل آدم ، ونوح " وفي هذه الآية لطيفة وهي أن الله تعالى بدّل جميع أحوال إبراهيم في الدنيا بأضدادها لما عذبه قومه بالنار كان وحيداً فريداً ، فبدل الله وحدته بالكثرة حتى ملأ الدنيا من ذريته ، ولما كانت أقاربه القريبة ضالين مضلين من جملتهم " آزر " بدل الله أقاربه بأقارب مهتدين هادين ، وهم ذريته الذين جعل فيهم النبوة والكتاب ، وكان أولاً لا جاه له ، ولا مال ، وهم غاية اللذة في الدنيا آتاه الله أجره في المال والجاه وكثر ماله حتى كان له من المواشي ما علم الله عدَدَهُ حتى قيل : إنه كان له اثنا عشر ألف كلبٍ حارس بأطواق ذهب وأما الجاه فصار ( بحيث تقرن ) الصلاة عليه بالصلاة على سائر الأنبياء إلى يوم القيامة ، وصار معروفاً وشيخ المرسلين بعد أن كان خاملاً حتى قال قائلهم : { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } [ الأنبياء : 60 ] ، هذا الكلام لا يقال إلا في مخمول من الناس . فإن قيل : إنَّ إسماعيلَ كان من أولاده الصالحين ( وكان قد ) سلم لأمر الله بالذبح ، وانْقَادَ لحكم الله ولم يذكر . فالجواب : هو مذكور في قوله : { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ } ( و ) لكن لم يصرح باسْمِهِ ؛ لأنه كان بين فضله معه بهبته الأولاد والأحفاد ، فذكر من الأولاد واحداً وهو الأكبر ، ومن الأحفاد واحداً كما يقال القائل : إن السلطان في خدمته الملوك والأمراء ، والملك الفلاني ، والأمير الفلاني ، ولا يعدد الكل لأنه ذكر ذلك الواحد لبيان الجنس لا لخصوصه ، ولولا ذكر غيره لفهم منه التعديد ، واستيعاب الكل فيُظَنّ أنه ليس معه غير المذكور . فإن قيل : إن الله تعالى لما جعل في ذريته النبوة أجابه لدعائه ، والوالد يجب أن يسوي بين ولده فكيف صارت النبوة في ولد " إسحاق " أكثر من النبوة في أولاد إسماعيل ؟ فالجواب : أن الله تعالى قسم الزمان من وقت إبراهيم إلى ( يوم ) القيامة قسمين والناس أجمعين ، فالقِسْم الأول من الزمان بعث الله تعالى ( فيه ) أنبياء فيهم فضائلُ جمّة ، وجاءوا تترى واحداً بعد واحد ، ومجتمعين في عصر واحد كلهم من ورثة إسحاق عليه السلام ، ( ثم في القسم الثاني من الزمان أخرج من ذرية ولده إسماعيل واحداً اجتمع فيه ما كان فيهم وأرسله إلى كافة الخلق وهو محمد عليه السلام ) وجعله خاتم النبيين ، وقد دام الخلق على دين إسماعيل أكثر من أربعة آلاف سنة ، ولا يَبْعُدُ أن يبقى الخلق على دين ذرية إسماعيل مثل ذلك المقدار .