Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 36-37)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : " وإلَى مَدْيَنَ " أي وأرسلنا ، أو بعثنا إلى مدين أخاهم " شعيباً " بدل ، أو بيان ، أو بإضمار : أعني ، قيل : مدين : اسم رجل في الأصل وجهل وله ذرية فاشتهر في القبيلة ، كتَمِيم ، وقيسٍ وغيرهما ، وقيل : اسم ما نسب القوم إليه فاشتهر في القوم ، والأول أظهر ، لأن الله تعالى أضافه إلى مدين بقوله : { وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ } ولو كان اسم الماء لكانت الإضافة غير صحيحة أو غير حقيقية فالأصل في الإضافة التغاير حقيقة وقوله : " أخاهم " ، قيل : لأن شعيباً كان منهم نسباً . فإن قيل : قال الله ( تعالى ) في " نوح " : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } [ العنكبوت : 14 ] فقدم نوحاً في الذِّكْرِ وعرف القوم بالإضافة إليه وكذلك في إبراهيم ، ولوط ، وههنا ذكر القوم أولاً ، وأضاف إليهم أخاهم " شعيباً " فما الحكمة ؟ فالجواب : أن الأصل في الجميع أن يذكر القوم ثم يذكر رسولهم لأن الرسل لا تبعث إلا غير معينين ، وإنما تبعث الرسل إلى قوم محتاجين إلى الرسل فيرسل إليهم من يختاره ، غير أن قوم نوح وإبراهيم ولوط لم يكن لهم اسم خاص ، ولا نسبة مخصوصة يعرفون بها ، فعرفوا بالنبي ، فقيل : قوم نوح ، وقوم لوط ، وأما قوم " شعيب " و " هود " و " صالح " فكان لهم نسبٌ معلوم اشتهروا به عند الناس فجرى الكلام على أصله ، وقال الله : { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } ، { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً } فإن قيل : لم يذكر عن " لوط " أنه أمر قومه بالعبادة والتوحيد ، وذكر عن شعيب ذلك . فالجواب قد تقدم وهو أن " لوطاً " كان من قوم " إبْرَاهِيمَ " ، وفي زمانه ، وكان إبْراهيمُ سبقه بذلك ، واجتهد فيه حتى اشتهر الأمر بالتوحيد عند الخلق عن " إبراهيم " فلم يحتج " لوطٌ " إلى ذكره ، وإنما ذكر ما اختص به من المنع من الفاحشة وغيرها ، وإن كان هو بدأ يأمر بالتوحيد ، ( إذ ما من رسول إلا ويكون أكثر كلاماً في التوحيد ، وأما " شعيب " فكان بعد انقراض ذلك الزمان ، وذلك القوم ، فكان هو أصلاً في التوحيد ) فبدأ به وقال اعبدوا الله . قوله : { وَٱرْجُواْ ٱلْيَوْمَ ٱلأَخِرَ } ، قال الزمخشري : معناه افعلوا فعل من يَرْجُو اليومَ الآخر ؛ إذ يقول القائل لغيره : كن عاقلاً ويكون معناه افعل فعل من يكون عاقلاً ، فقوله : { وَٱرْجُواْ ٱلْيَوْمَ آلآخِرَ } بعد قوله : " واعْبُدُوا اللَّهَ " يدل علي التفضل لا على الوجوب . قوله : { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } ، تقدم الكلام عليه ، ونصب " مفسدين " على المصدر ، كقول القائل : اجلس قعوداً . قوله : { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } . فإن قيل : ( ما الحكمة ) فيما حكاه الله عن شعيب من أمر ونهي ، فالأمر لا يكذب ، ولا يصدق ، فإن قال لغيره اعبد الله لا يقال له : كذبت ؟ فالجواب : كان شعيب يقول : الله واحد فاعبدوه ، والحشر كائن فارجوه ، والفساد محرم فلا تقربوه ، وهذه فيها إخبارات ، فكذبوه بما أخبر به . ( فإن قيل هنا ) قال في الأعراف : " فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ " وقال في هود : " فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ " والحكاية واحدة . ( فالحواب ) : لا تعارض بينهما ، فإن الصيحة كانت سبباً للرجفة ، قيل : إن جبريل صاح فتزلزلت الأرض من صيحته ، فرجفت قلوبهم ، والإضافة إلى السبب لا تنافي الإضافة إلى سبب السبب . فإن قيل : ما الحكمة في أنه حيث قال : " فأخذتهم الصَّيْحَةُ " قال : " في دِيَارِهِمْ " وحيث قال : " فأخذتهم الرجفة " قال في " دَارِهِمْ " ؟ فالجواب : أنّ المراد من الدارِ هو الديار ، والإضافة إلى الجمع يجوز أن تكون بلفظ الجمع ، وأن تكون بلفظ الواحد إذا أمِنَ ( مِنَ ) الالْتِباسِ ، وإنما اختلف اللفظ لِلطيفة وهي أن اللطيفة هائلة في نفسها ، فلم يحتج إلى تهول بها ، وأما الصيحة فغير هائلة في نفسها ولكن تلك الصيحة لما كانت عظيمة حتى أحدثت الزلزلة في الأرض ذكر الديار بلفظ الجمع حتى يعلم هيئتها ، والرجفة بمعنى الزلزلة عظيمة عند كل أحد فلم يُحْتَجْ إلى معظِّمٍ لأمرها ، وقيل : إن الصيحة كانت أعظم حيث عمت الأرض والجو والزلزلة لم تكن إلا في الأرض فذكر الديار هنا ، وهذا ضعيف لأن الدار والديار موضع الجثوم لا موضع الصيحة والرجفة فهم ما أصبحوا جاثمين إلا في ديارهم أو دارهم .