Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 44-45)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } بالحق وإظهار الحق { إِنَّ فِي ذَلِكَ } إن في خلقها { لآيَة لِلْمُؤْمِنِينَ } على قدرته وتوحيده ، فإن قال قائل كيف خص الآية في خلق السماوات والأرض بالمؤمنين مع أَن في خَلْقِهَا آية لكل عاقل كما قال تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [ الزمر : 38 ] وقال تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ … لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [ البقرة : 164 ] . فالجواب : خلق السموات والأرض آية لكل عاقل ، وخلقهما بالحق آية للمؤمنين فحسب ويدل عليه النقل والنقل ، أما النقل فقوله تعالى : { مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الدخان : 39 ] أخرج أكثر الناس عن العلم بكونه خلقهما بالحق مع أنه أثبت للكل بأنه خلقهما بقوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [ الزمر : 38 ] وأما العقل فَـ ( هُوَ أَنَّ ) العاقل أَول ما ينظر إلى خلق السماوات والأرض يعلم أن لها خالقاً وهو الله ، ثم ( من ) يهديه الله لا يقطع النظر عنهما عند مجرد ذلك بل يقول : إنه خلقهما متقناً محكماً وهو المراد من قوله : " بالحق " لأن ما لا يكون محكماً يفسد ويبطل فيكون باطلاً ، وإذا علم أن خالقهما متقناً يقول : إنه قادرٌ كاملٌ ، حيث خلق ، فأحكم ، وعالم علمه شامل حيث أتقن فيقول : { لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ } [ سبأ : 3 ] ولا يعزب عن علمه أجزاء الموجودات في الأرض ولا في السموات ، ولا يعجز عن جمعهما كما جمع أجزاء الكائنات والمبدعات فيجوز بعث مَن في القبور ، وبعثه الرسل ، وهما بالخلق موجودان فيحصل له الإيمان بتمامه من خلق ما خلقه الله على أحسن نظامه . قوله تعالى : { ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ } يعني القرآن لتعلم أن " نوحاً " و " لوطاً " وغيرهما كانوا على ما أنت عليه بلغوا الرسلة ، وبالغوا في إقامة الدلالة ، ولم ينقذوا قومهم من الضلالة ، وهذا تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - ( وشرّف وكرّم ) . قوله : { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } الفحشاء : ما قَبُحَ من الأعمال ، والمنكر ما لا يُعْرَف في الشرع . قال ابو مسعود ، وابن عباس : في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ، ولم تنهه عن المنكر لم يزدد بصلاته من الله إلا بُعداً ، وقال الحسن وقتادة : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فصلاته وَبَالٌ عليه ، ورُوِيَ عن أنس بن مالك قال : " كان فتى من الأنصار يصلي الصلوات مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم ثم ( لا ) يدع شيئاً من الفواحش إلا ركبه فوصف لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حالُه فقال : " إنَّ صلاته تنهاهُ يوماً " فلم يلبث أن تاب وحَسُنَ حاله " وقال ابن عون : معنى الآية : إن الصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء وةالمنكر ما دام فيها ، وقيل : المراد بالصلاة القرآن كما قال : { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } [ الإسراء : 110 ] ، أي بقراءتك ، وأراد أنه يقرأ القرآن في الصلاة ، فالقرآن يَنْهَاهُ عن الفحشاء والمنكر . قوله : { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } أي ذكر الله أفضل الصناعات ، قال عليه ( الصلاة و ) السلام : " " أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بخيرِ أَعْمَالِكُمْ وأزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وأرْفَعِهَا في دَرَجَاتِكُمْ وخَيْرٍ منْ إعَطاءٍ الذَّهَبِ والفِضَّةِ وأن تَلْقوا عَدُوَّكُمْ فَتَضْربُوا أعْنَاقَهُمْ ويَضْرِبُوا أعْنَاقَكُمْ " قالوا : ماذا يا رسول الله ؟ قال : ذِكْرُ الله وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيّ العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة ؟ قال : الذَّاكِرُونَ الله كثيراً ، قالوا يا رسول الله : ومِنَ الغازي في سبيل الله ، فقال : لو ضرب بسيفه الكفارَ والمشركين حتى ينكسر أو يَخْتَضِبَ دماً لكان الذاكرون الله كثيراً أفضل منهُ " وروى أبو هريرة قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير في طرق مكة مرَّ على جَبلٍ يقال له : حَمْدَان ، فقال : سيروا هذا حَمْدان . سبق المُفْرَدُونَ ، قالوا : وما المفردون يا رسول الله ؟ قال : الذاكرون الله كثيراً والذاكرات " . قيل : معنى قوله : { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } أي ذكر الله إياكم أفضلُ من ذكركم إياه رُوِيَ ذلك عن عبد الله ، وهو قول مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ويروى مرفوعاً عن موسى بن عُقْبة عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال عطاء في قوله : { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } من أن يَبْقَى معه معصية { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } قال عطاء : لا يخفى عليه شيء .