Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 41-43)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله ( تعالى ) : { مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ( أَوْلِيَآءَ ) } يعني الأصنام يرجون نصرها ونفعها { كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ } لنفسها { بَيْتاً } تأوي إليه ، وإن بيتها في غاية الضعف والوهي لا يدفع عنها حراً ولا برداً كذلك الأوثان لا تملك لعابدها نفعاً ولا ضرّاً { وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ ( لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } . واعلم أنه تعالى مثل اتخاذهم الأوثان أولياء باتخاذِ العنكبوت ) نسجه بيتاً ولم يمثل " نسجه " لأن " نسجه " له فائدة لولاه لما حصل ، وهو اصطيادها الذباب من غير أن يفوته ما ( هو ) أعظم منه واتخاذهم الأوثان يفيدهم ما هو أقل من الذباب من متاع الدنيا ولكن يفوتهم ما هو أعظم منها وهو الدار الآخرة ( التي ) هي خير وأبقى ، فليس اتخاذهم كنسج العنكبوت . وقوله : { وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } إشارة إلى ما بينا أن كل بيت ففيه إما فائدة الاستظلال أو غير ذلك ، وبيته يضعف عن إفادة ذلك لأنه يَخْرُبُ بأدنى شيء ، ولا يبقى منه عينٌ ولا أثر ، فذلك عملهم ، { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } . ( وَ ) العنكبوت معروف ، ونونه أصلية . والواو والتاء مزيدتان بدليل جمعه على " عناكب " وتصغيره عنيكب ويذكر ويؤنث ، فمن التأنيث قوله : " اتخذت بيتاً " ومن التذكير قوله : @ 4030 - عَلَى هَطَّالِهِمْ مِنْهُمْ بُيُوتٌ كَأَنَّ العَنْكبُوت هو ابْتَنَاهَا @@ وهذا مطرد في أسماء الأجناس يذكر ويؤنث . قوله : { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } جوابه محذوف أي لما اتخذوا من يضرب له بهذه الأمثال لِحَقَارَتِهِ ومتعلق يعلمون لا يجوز أن يكون من جنس قوله : { وإنّ أوهنَ البيوت } لأن كل أحد يعلم ذلك ، وإنما متعلَّقَهُ مقدر من جنس ما يدل عليه السياق أي لو كانوا يعلمون أن هذا مثلهم . قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ } ، قرأ أبو عمرو وعاصم " يَدْعُون " بياء الغيبة ، والباقون بالخطاب . و " ما " يجوز أن تكون موصولة منصوبة بـ " يَعْلَمُ " أي يعلم الذين يدعونهم ويعلم أحوالهم ، و " من شيء " مصدر ، وأن تكون استفهامية ، وحينئذ يجوز فيها وجهان أن تكون هي وما عملت فيها معترضاً بين قوله : " يَعْلَمُ " وبين قوله : { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } كأنه قيل : أَيُّ شيءٍ تدعون من دون الله . والثاني : أن تكون متعلقة " لِيَعْلَمَ " فتكون في موضع نصب بها ، وإليه ذهب الفارسي وأن تكون نافية و " مِنْ " في " مِنْ شَيْءٍ " مزيدة في المفعول به كأنه قيل : ما تدعون من دون الله ما يستحق أن يطلق عليه شيء . قال الزمخشري : هذا زيادة توكيد على التمثيل حيث إنهم لا يدعون من دونه من شيء يعني ما يدعون ليس بشيء ، وهو عزيز حكيم ، فكيف يجوز للعاقل أن يترك القادر الحكيم ويشتغل بعبادة ما ليس بشيء أصلاً وهذا يفهم منه أنه جعل " ما " نافية ، والوجه فيه حينئذ أن تكون الجملة معترضة كالأول من وجهي الاستفهامية ، وأن تكون مصدرية ، قال أبو البقاء : و " شيء " مصدر ، وفي هذا نظر ، إذ يصير التقدير يعلم دعاءكم في شيء من الدعاء . قوله : { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } يجوز أن يكون " نضربها " خبر " تلك الأمثال " و " الأمثال " نعت أو بدل ، أو عطف بيان ، وأن يكون " الأمثال " خبراً ، و " نضربها " حال ، وأن يكون خبراً ثانياً . فصل وتلك الأمثال : الأشباه ، والمَثَل : كلام سائغ يتضمن تشبيه الآخر بالأول ، يريد أمثال القرآن التي شبه بها أحوال الكفار هذه الأمة بأحوال كفار الأمم المتقدمة " نضربها " تَنْبِيهاً للناس ، قال مقاتل : لكفار مكة { وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } أي ما يعقل الأمْثَالَ إلا العلماءُ الذين يعقلون عن الله . روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية { وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون } قال : " العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته ، واجتنب سَخَطَهُ " . فصل روي أن الكفار قالوا : كيف يضرب خالقُ الأرض والسموات الأمثال بالهوامُ والحشرات كالبعوض والذباب والعنكبوت ، فقيل : الأمثال تضربها للناس إذْ لم يَكونوا كالأنعام يحصل لكم منه إدراك ما يوجب نُفْرَتَكُمْ مما أنتم فيه لأن التشبيه يؤثر في النفس تأثيراً مثل تأثير الدليل ، فإذا قال الحكيم لمن يغتاب ( بالغيبة ) كأنك تأكل لحم ميت لأنك وقعت في هذا الرجل الغائب وهو غائب لا يفهم ما تقول ولا يسمع حتى يجيبك كمن يقع في ميت يأكل كما ينفر إذا قال له : إنك توجب العقاب ويورث العتاب .