Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 50-52)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ } كما أنزل على الأنبياء من قبل . وقرأ الأخوانِ وابنُ كثير ، وأبو بكر بالإفراد ؛ لأن غالب ما جاء في القرآن كذلك والباقون " آيات " بالجمع لأن بعده { قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ } بالجمع إجماعاً ، والرسم يَحْتَمِلُهُ . فصل اعلم أنهم قالوا : إنك تقول : إنك أنزل إليك الكتاب كما أنزل إلى موسى وعيسى ، وليس كذلك ؛ لأن موسى أُوتِيَ تسع آيات بينات علم بها كون الكتاب من عند الله ، وأنت ما أوتيت شيئاً منها ثم إنه تعالى أرشد نبيه إلى أجوبة هذه الشبهة منها . قوله : " أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ " هذا جواب لقولهم : { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ } قل : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } ، ففاعل " يكفهم " هو قوله : " أنا أنزلنا " والمعنى : إن كان إنزال الآيات شرطاً في الرسالة فلا يشترط إلا إنْزَالُ " آيةٍ " وقد أنزل القرآن ، وهو آية معجزة ظاهرة كافية . وقوله : " أولم يكفهم " عبارة تنبىء عن كون القرآن آية فوق الكفاية وبيانه أن القرآن أتم من كل معجزة لِوُجُوهٍ : أحدها : أن تلك المعجزات وجدت وما دامت ، فإن قلب العصا ثُعْبَاناً ، وإحياء الميت لم يبق لنا منه أثر ، فلو أنكره واحد لم يمكن إثباتها معه بدون الكتاب ، وأما القرآن فهو باقٍ لو أنكره واحد فيقال له : فَأتِ بآيةٍ من مثله . الثاني : أن قلب العصا ثعباناً كان في آن واحد ولم يره من لم يكن في ذلك المكان ، وأما القرآن فقد وصل إلى المشرق والمغرب وسمعه كل واحد ، وهنا لطيفه هي أن آيات النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت أشياء لا تختص بمكان دونَ مكان ، لأن من جملتها انشقاق القمر وهو يعم الأرض لأن الخوف إذا وقع عم ، وذلك لأن نبوته كانت عامة لا تختص بقطر دون قطر . وغاص بحر " ساوَةَ " في قطر ، وسقط إيوان كسرى في قطر ( وانْهَدَّت ) الكنيسة بالروم في قطر آخر إعلاماً بأنه يكون أمراً عاماً . الثالث : أن غير هذه المعجزة يقول الكفار المعاند هذا سحر ( وعمل بدواء ) والقرآن لا يمكن هذا القول فيه . ثم قال تعالى : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَرَحْمَةً } أي في إنزال القرآن { لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي تذكير وعظمة لمن آمن وعمل به . قَوْلُهُ ( تعالى ) : { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً } أني رسوله ، وهذا القرآن كتابه ، وهذا كما يقول الصادق إذا كذب ، وأتى بكل ما يدل على صدقه ولم يصدقه المعاند : " الله يعلمُ صدقي وتكذيبك أيها المعاند وهو على ما أقول شهيد يحكم بيني وبينك " ، كل ذلك إنذار وتهديد ثم بين كونه كافياً ، بكونه عالماً بجميع الأشياء ، فقال : { يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } . فإن قيل : ما الحكمة في أنه أخر شهادة أهل الكتاب في آخر الوعد في قوله : { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ } [ الرعد : 43 ] وهنا قدم شهادة أهل الكتاب ، فقال : { فَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَـٰؤُلاۤءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ } [ العنكبوت : 47 ] أي من أهل الكتاب ؟ فالجواب : أن الكلام هناك مع المشركين فاستدل عليهم بشهادة غيرهم ( ثم ) إن شهادة الله أقوى ( في ألزامهم ) من شهادة غير الله ، وهاهنا الكلام مع أهل الكتاب فشهادة الله على نفسه هو إقراره وهو أقوى الحجج عليه فقدم ما هو ألزم عليهم ، ثم ( إنه ) تعالى لما بين الطريقتين في إرشاد الفريقين المشركين وأهل الكتاب عاد الكلام الشامل لهما والإنكار العام فقال : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْبَاطِلِ } ، قال ابن عباس : بغير الله { وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } . فإن قيل : قوله { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } يقتضي الحصر ، أي من أتى بالإيمان ( بالباطل ) والكفر ( بالله ) فهو الخاسر فمن يأتي بأحدهما دون الآخر ينبغي أن لا يكون خاسراً . فالجواب : أنه يستحيل أن يكون الآتي بأحدهما لا يكون آتياً بالآخر لأن المؤمن بما سوى الله مشرك ، لأنه جعل غير الله مثله ، وغير الله عاجز ممكن باطل فيكون الله كذلك ، ومن كفر بالله وأنكره فيكون قائلاً بأن العالم ليس له إله موجود فوجود العالم من نفسه فيكون قائلاً : بأن العالم واجب الوجود ، والواجب إله ( فَيَكُون قائلاً ) بأن غير الله إله فيكون إثباتاً لغير الله وإيماناً به . فإن قيل : إذا كان الإيما بما سواه كفراً ( به ) فيكون كل من آمن بالباطل فقد كفر بالله فهل لهذا العطف فائدة ( غير التأكيد ) الذي في قوله القائل ( قم ولا تقعد و " واقتربْ مني ولا تَبْعُدْ " ؟ فالجواب : فيه فائدة ) غيرها وهو أنه ذكر الثاني لبيان قبح الأول كقول القائل : أتقولُ بالباطل وتترك الحلق لشأ أن القول بالباطل قبيح .